الحروب - في غالبها- لا تأتي بخير للشعوب، وهذا ما حدثنا به التاريخ والواقع والمنطق، إلا تلك الحروب التي تهدف إلى إعادة الحقوق لأصحابها، فتلك حروب مقدسة، وليست عبثية. ومن المؤكد أن الحروب فيها طرف معتدي، وطرف معتدى عليه، أو ظالم ومظلوم، وكذلك فإن انعكاسات تلك الحروب على المدنيين لا تقل خطوة من ضررها على العسكريين؛ لان الترابط بين ارض المعركة وجوانب الحياة الأخرى هو ترابط مصيري، فالجبهة العسكرية هي الحصن للجبهة الداخلية، والجبهة الداخلية هي الرافد الاستراتيجي للجبهة العسكرية.
والحروب والاحتلال لها انعكاسات مدمرة على البنية الاقتصادية والخدمية والإستراتيجية والاجتماعية لكل بلد ابتلي بمثل هذه الآفات. والعراق بعد عام 2003، تحمل تبعات الاحتلال، في العديد من الجوانب، إلا أن هنالك بعض المآسي غير الظاهرة للإعلام، أو على السطح، ومنها المشاكل الاجتماعية، وما ترتب عن حالة الحرب والاحتلال من مشاكل، أدت إلى نتائج خطيرة في تركيبة المجتمع العراقي.
وقبل أسبوع تقريباً ذكرت دراسة خاصة قامت بها وزارة حقوق الإنسان الحكومية، ونشرتها صحيفة بوسطن غلوب الأمريكية أن العنف المنزلي كان عاملا في زيادة حالات الطلاق، وانه في عام 2010 كانت هناك (53,480) زيجة انتهت بالطلاق مقارنة بـ( 52,649) حالة طلاق عام 2009، و(28.800) عام 1997، وذلك طبقا لآخر البيانات المتوفرة لدى الأمم المتحدة وبيانات مجلس القضاء الأعلى. فيما خمنت منظمة الصحة العالمية أن واحدة من كل خمس نساء عراقيات ذكرن أنهن كنّ ضحية للعنف الأسري، فيما يقول الخبراء أن النسبة أعلى بكثير مما هي عليه في الواقع العراقي.
هذه الجوانب المظلمة من الواقع العراقي لم تأخذ الاهتمام الكافي لا من قبل وسائل الإعلام، ولا من منظمات المجتمع المدني، ومن المؤكد أن الحكومة لم تحاول إيجاد " الحلول" الجذرية لهذه المشاكل.
والعنف له العديد من الأسباب التي ربما يعود بعضها لأسباب نفسية، أو اجتماعية، أو هو انعكاس من انعكاسات الحرب، التي تدمر الحياة والإنسان، وبالنتيجة المرأة – أو الأسرة - هي الضحية الأولى في سلسلة النتائج المدمرة لهذه الآفة.
الحكومة القابعة في المنطقة الخضراء ذكرت عبر مجلس محافظة بغداد في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي أنها أطلقت مشروع مراكز " تنمية وتأهيل المرأة" بقيمة ملياري دينار عراقي، وأن مراكز التأهيل ستجذب النساء من خلال الاشتراك بشتى البرامج، و" ورش" العمل لتنمية مهاراتهن المهنية وتطويرها.
المشكلة، وخصوصاً مع المرأة، لا تتعلق بالأموال والمشاريع التقليدية، وإنما في كيفية رفع المعاناة عن كاهل هذا الكائن الرقيق؛ لأن المرأة بطبيعتها لا تتحمل الأعباء الثقيلة والهموم المتراكمة، وهذه فطرة الله التي فطر بنات حواء عليها، وهذه الحلول " المالية" لا تعالج أصل المشكلة وهي كيفية تأمين لقمة العيش والأمن والأمان للمجتمع، وبالتالي توفير الراحة والطمأنينة في البيت العراقي. وعلى العموم فان هذا المشروع في بغداد فقط، فما هي " الحلول" المتخذة من قبل الحكومة لبقية المحافظات؟
الحكومات التي تتسنم زمام الأمور في أية دولة عليها جملة من المهام الشاقة والمفصلية، ومنها بالإضافة إلى تأمين لقمة العيش والحرية والكرامة والشعور بالطمأنينة، الاهتمام بالمشاكل الاجتماعية التي نتجت عن الحروب، وكيفية إيجاد الحلول الجذرية لها، وهذا ما تتجاهله الحكومات المتعاقبة على حكم المنطقة الخضراء حتى الآن.
آكلة الدمار تحل بالأمم التي تخوض الحروب وتعاني من ويلات الاحتلال، والأمم الحية هي تلك التي تستفيد من تجارب التاريخ، فهاهي اليابان اليوم تُعد من الدول المتطورة، وكل هذا النهوض الذي تنعم به اليوم تم بعد خسارتها في الحرب الكونية الثانية، فهل سنستفيد من دروس الاحتلال والحروب التي ضجت مضاجع العراقيين منذ عام 2003، وحتى اليوم، أم أن الأمر في العراق مختلف؟!!
Jasemj1967@yahoo.com