ان العودة الى التاريخ العراقي القريب والاطلاع على احداثه ومشاهده والتعرف على رواد استقلاله الأوّل وبناة دولته الحديثة في عشرينيات القرن الماضي التي قامت بجهود العراقيين الاصلاء وتضحياتهم الكثيرة وصولا الى مرحلة الاحتلال الامريكي وما أعقبها من عمليات سياسية متتالية، مسألة ضرورية لانها تكشف حقيقة مواقف وخطايا أجداد وأسر وبيوتات بعض المشاركين في العملية السياسية الراهنة في العراق مع ايماننا الكامل بما تحمله الآية الكريمة (ولا تزر وازرة وزر اخرى) من معان عميقة وانسانية تؤكد ان المرء لا يتحمل إثم او ذنب (وزر) غيره، الا انه كما قال الفقهاء يستثنى من ذلك من كان صاحب سُنّة آثمة فان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده، ويتحمل الثاني هنا بتقليده صاحب السُنة الآثمة وزر نفسه.
في مذكراته الموثقة بالاحداث والوقائع والتواريخ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في 2007 يستعرض متصرف (محافظ) الموصل عبدالعزيز القصاب من كانون الثاني 1924 الى حزيران 1926 يوميات عمل لجنة عصبة الامم لحل مشكلة الموصل القائمة بين الحكومة العراقية وحكومة الجنرال التركي أتاتورك الذي بعد ان خسرت بلاده الحرب مع الحلفاء الغربيين وقدم تنازلات مهينة لهم عاد وطالب بالموصل حالما بضمها الى بلاده المهزومة، وكان الوطنيون والقوميون العرب في الموصل قد شكلوا هيئة للدفاع عن عروبة الموصل وانتخبوا السادة احمد الفخري وحبيب العبيدي ومصطفى الصابونجي وامين الجليلي وفتح الله سرسم واصف قاسم اغا وعبدالغني النقيب وناظم العمري والدكتور عبدالاحد عبدالنور وارشد العمري وابراهيم كمال ورشيد العمري والمحامي محمد صدقي وعلي الامام وضياء شريف لتمثيل المدينة في المفاوضات مع اللجنة الاممية التي رأسها آي فرسون الدبلوماسي السويدي وضمت الكونت بول تلكي السياسي المجري والكولونيل بولص البلجيكي مع اربعة مستشارين هم: دي بورتاليس السويسري والسنيور ردولو الايطالي والمسيو كادير الفرنسي وريد السويسري والتحق باللجنة المستشرق الهولندي كريمر بصفة مترجم، واستعانت اللجنة بالبريطاني جاردين كخبير وهو الذي شارك في مفاوضات بريطانية تركية عقدت في وقت سابق في استانبول، ورأس الجانب العراقي امام اللجنة صبيح نشأة الذي تقلد فيما بعد مناصب وزارية ودبلوماسية عدة، فيما مثل الحكومة التركية وفد برئاسة الجنرال جواد باشا المفتش العام للجيش التركي في القاطع الجنوبي وفتاح بك (كردي من السليمانية) وهو نسيب الشيخ محمود الحفيد، وناظم نفطجي (تركماني) من كركوك والرائد كامل بك وهو ضابط من الموصل، وقد اعترضت الحكومة العراقية على وجود الثلاثة ضمن الوفد التركي باعتبارأنهم عراقيون صدرت ضدهم اوامر إلقاء قبض بعد افتضاح دورهم في الدعاية لتركيا وهربوا الى الاراضي التركية، وكان رد الاتراك انهم من سكان ولاية الموصل التي ما تزال موضوع بحث وخلاف، ولم تتدخل اللجنة الدولية باتخاذ موقف معين منهم لان الثلاثة كانت لديهم حصانة دبلوماسية تركية.
ومما جاء في المذكرات، انه في الثامن من شباط 1925 زار ناظم نفطجي والرائد كامل رفيقا الجنرال التركي بيت محمد النجيفي في الموصل وعند خروجهما منه أهانهما اشخاص وطنيون كانوا يقفون خارج البيت وتجمهر الناس حولهما فاضطر الاثنان الهرب والرجوع الى مقرهما في قصر الاستراحة، وفي مساء اليوم نفسه حدث نزاع بين ابراهيم كمال وهو شخصية وطنية موصلية مع محمد النجيفي امام بيت الاخير، وتبادل الاثنان الشتائم والسباب بسبب دفاع ابراهيم عن عروبة الموصل وتحمس النجيفي لتتريكها.
للمعلومات فقط فان محمد النجيفي يكاد يكون الوحيد من أغنياء الموصل الذي صّوت لفصل أم الربيعين عن العراق وإلحاقها بتركيا!
وفي مقطع آخر من مذكرات القصاب نقرأ ان محمد النجيفي جاءه يوما الى ديوان المتصرفية وهو يحمل اوراقا قال انها من دائرة الطابو تثبت احقيته في تسع وعشرين قرية في قصبة (قرة قوش) وابلغ المتصرف بانه سيسجل ربع هذه القرى باسمه أي باسم القصاب برغبته واختياره وسأله المتصرف باستغراب وهو المشهود له بالعفة والنزاهة والاستقامة وما هو الثمن الذي تطلبه مقابل ذلك ؟ رد النجيفي الحق والعدل فقط ! فقال له المتصرف لستُ بحاجة الى تسجيل قرى باسمي وانصحك بسلوك الطريق الصحيح فانه يقودك الى الحق والعدل، ويضيف القصاب وبعد يومين من هذه الحادثة سمعت بان (النجيفي سافر الى العاصمة بغداد آخذا معه ثلاثة رؤوس خيل ممتازة )!
والمعروف عن إسرة النجيفي في الموصل تاريخيا واجتماعيا ومهنيا انها اضافة الى إقطاعياتها الزراعية وحيازتها للاملاك والاراضي والعقارات فهي متخصصة بتربية الخيول العربية الاصيلة وبيعها باعلى الاسعارفي الخليج، وما دام الشيء بالشييء يذكر وبمناسبة ذكر الخيول تحدث النائب سلمان الجميلي في مجلس الدكتور عمر الكبيسي بالعاصمة الاردنية عقب انتخابات آذار 2010 بفترة وجيزة عن أزمة مالية يمر بها السيد اسامة النجيفي حفيد محمد النجيفي المذكور، وقال انه حمله رسالة الى رجل الاعمال المعروف الشيخ خميس الخنجر لمساعدته في دفع مبلغ ثلاثمائة الف دولار الى احدى القنوات التلفزيونية تسديدا لاجور دعاية انتخابية ترتبت عليه ولا يقدر على دفعها، ولم أهضم الحكاية شخصيا لمعرفتي بموارد وثروات آل النجيفي في الموصل وجوارها فقلت للجميلي امام الجميع يا رجل قل غيرها، هذا المبلغ يمكن الحصول عليه بسهولة جدا، مُهرة تنزل من (بطن) امها يبيعها شقيق النجيفي محمد تلفونيا بهذا المبلغ واكثر!
رباط الكلام .. هل يعيد التاريخ نفسه بعد ستة وثمانين سنة على يد الحفيد بعد ان فشل الجد (تجوز عليه الرحمة باعتباره ميتا وعكسها ايضا لانه بائع وطن) أم انها وصية خلفهّا الجد الخائب للحفيد النائب مفادها إعمل على نزع عروبة الموصل وفصمها عن العراق العربي باي شكل أو طريقة، إلحقها بتركيا أو تنازل لمسعود بارزاني عن بعض أجزائها، وإذهب الى واشنطن ولندن وإقنع الاسياد الجدد بتحويل الموصل الى مقاطعة (نيتوية) نسبة الى حلف الـ(نيتو) او ولاية عثمانية، أو فيدرالية أثيلية أو إقليم نجيفي (جغرافي) والصيغة الاخيرة هي آخر بدعة من بدع الحفيد أطلقها في عاصمة الانكليز مؤخرا، وكل بدعة ضلال وفي كثير من الاحيان تكون أقرب الى الكفر، وحكم الكافر لا يحتاج الى شرح وتفسير.
http://alnahdah.net/NewsDetails.aspx?ID=1985