العراقيون بعد عام 2003 وجدوا أنفسهم أمام حياة جديدة مليئة بالقتل والإختطاف والترهيب المنظم؛ مما اضطرهم للبحث عن ملآذات آمنة بعيدة عن المطاحن اليومية الدموية، ووقع الثقل الأكبر على سوريا والأردن على اعتبارهما من البلدان العربية المجاورة للعراق.
وبالمقابل هناك من أبقتهم ظروف الحياة الصعبة - بعد أن عجزوا عن بيع ممتلاكتهم - للبقاء في العراق، وهنالك من عادوا إلى العراق بعد أن نفدت مدخراتهم التي أخذوها معهم لهذا البلد، او ذاك، وعادوا للعراق علهم يجدون مكاناً يحتمون به من حر الصيف، وبرد الشتاء، ويوفرون لقمة شريفة لعوائلهم، إلا أن الحياة في عموم البلاد أصبحت اليوم جحيماً لا يطاق!!!
ومع قرب موعد الاعلان عما يسمى رحيل أو إنسحاب القوات الأمريكية المحتلة من العراق شهدت العديد من المحافظات منذ اسبوع تقريباً حملة اعتقالات واسعة؛ أسفرت عن اعتقال المئات من ضباط الجيش العراقي السابق، وبعض النخب المجتمعية، وشيوخ العشائر، وأعضاء في حزب البعث السابق، وذلك في حملة شملت عموم البلاد تقريباً عدا مناطق ما يسمى ( كردستان العراق).
حكومة المنطقة الخضراء تقول إن هذه الحملات تمت إستناداً لأوامر قضائية، حيث قال اللواء ( حسين كمال) نائب وزير الداخلية العراقي لشؤون الاستخبارات: إن تقارير للمخابرات تشير إلى أن أكثر من (300) مشتبه به ينتمون لمجموعة كانت تنشط في أرجاء العراق.
مسؤولون باجهزة الأمن والشرطة الحكومية قالوا: إن المالكي أصدر أوامر اعتقال بحق (350) عضواً سابقاً بحزب البعث، فيما قال (عبد الله الدوري)، وهو نقيب بشرطة مدينة تكريت: " لقد قمنا بإعتقال ( 33) عضواً سابقاً في حزب البعث؛ بعد تلقي تقارير استخباراتية بقيامهم بعقد إجتماعات سرية... إنه إجراء إحترازي لإيقاف أية محاولة لإستعادة نشاطات حزب البعث، وأن المعتقلين الآن تحت تصرف القضاء للتحقيق معهم، بالرغم من أن أغلبيتهم من كبار السن ومرضى!!!
فإذا كان الاعتقال أمراً إحترازياً كما يقول الضابط " الدوري"، فكيف تكون أوراقهم عند القاضي؟!! وفي هذا الكلام تناقض واضح؛ حيث إن الإجراء الإحترازي يتم بموجبه إحتجاز مجموعة من الأشخاص خوفاً من شيء محتمل، غير مؤكد، يمكن ان يقوموا به، بينما يقول الدوري إن " المعتقلين الآن تحت تصرف القضاء للتحقيق معهم"، وهذا الكلام المتناقض يثبت أن الحكومة مرتبكة، ولا تعرف ماذا تفعل!!!
هذه الأساليب التنفيرية وغيرها دفعت بالملايين للبحث عن ملاذ آمن خارج العراق، والاحصاءات الحكومية تشير إلى أن المئات من الكفاءات العلمية من أستاذة الجامعات، وأطباء، ومهندسين، وطيارين وغيرهم، مازالوا يرفضون العودة للبلاد، خوفاً على كرامتهم وحياتهم وأعراضهم، وهم اليوم ينتشرون في أرجاء المعمورة بحثا عن لقمة العيش، بعد أن طال بهم المقام خارج العراق، حيث ظن أغلبهم أن مدة الغربة لن تستمر طويلا.
المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة أكدت قبل خمسة أيام، أن العراق حلَّ في المرتبة الرابعة بأعداد طالبي اللجوء. فيما أكد المفوض السامي للمفوضية (أنطونيو جوتيريس) أن هنالك أكثر من (420) ألف طلب لجوء قد يقدم بحلول نهاية السنة الحالية، وهي أعلى نسبة في غضون ثمان سنوات، وأن أفغانستان لا تزال هي الدولة الأولى من حيث تقديم طلبات اللجوء التي وصلت حتى الآن إلى ( 15,300) طلباً، تبعتها الصين التي بلغت الطلبات الخاصة بلاجئيها (11,700) طلباً.وجاءت في المرتبة الثالثة صربيا وكوسوفو التي وصلت فيها الطلبات إلى (10,300)، وفي المرتبة الرابعة العراق الذي وصلت فيه الطلبات إلى(10,100)، وفي المرتبة الخامسة إيران بـ (7,600) طلباً.
اعتقد أن أرقام طلبات اللجوء، وأعداد اللاجئين العراقيين ستتضاعف في المستقبل القريب طالما أن حكومة المنطقة الخضراء تعتبر الشعب عدواً لها، وهذا ليس منطقاً سياسياً ولا عقلانياً؛ لأن الحكومات الناجحة هي التي تحب شعوبها، والحكومات المرتبكة تفتح معهم أبواب الإشكاليات التي لا تنتهي، ولا أعتقد أن حكومة بغداد قد نجحت في فتح صفحة جديدة مع العراقيين، وهذا ما أثبتته التجربة المريرة معها عبر السنوات الماضية!!!
Jasemj1967@yahoo.com