الدكتور مثنى الضاري لجريدة الفتح: الفيدرالية في العراق خيار خطير وعامل انقسام وتهديد لوحدة العراق
29 /10 /2011 م 09:17 مساء الزيارات:79
أكد الدكتور مثنى حارث الضاري مسؤول قسم الثقافة والإعلام في هيئة علماء المسلمين في العراق ،ان الفدرالية ثوب تم ارتداؤه من كل القوى السياسية وحسب ظروفها وتقلباتها في الصراع على السلطة والنفوذ.
وقال في حوار مع جريدة " الفتـح " المصرية اجراه معه الاعلامي "عامر عبد المنعم" أن الشعب العراقي بعد خروج القوات الأمريكية قادر على ترتيب الأمور خاصة مع حالة الوئام الشعبي الملاحظة الآن التي ترتفع وتيرتها وتتصاعد مع فضائح القوى والأحزاب المشاركة في العملية السياسية.
وأشار الدكتور مثنى حارث الضاري إلى أن إعلان البيت الأبيض عن بدء الانسحاب من العراق لا يعني انتهاء مشروع الاحتلال وأن العراقيين في مقابل هذا أعادوا إنتاج وحدتهم الوطنية إلى حد كبير، وتقاربت مواقفهم والتقت في كثير من القضايا منها الموقف من الاحتلال ورفض العملية السياسية والالتفاف حول خيار المقاومة.
وعن الثورات العربية.. قال الدكتور مثنى حارث الضاري: إنها أعطت العراقيين أملاً جديداً في التغيير وانتقال الشعوب العربية من حالة الفعل السلمي إلى الفعل الإيجابي الذي ستعم إيجابياته الوطن العربي كله، وسيتيح فرصة كبيرة لسماع صوت الشعب العراقي الحقيقي.
وفيما يلي نص الحوار:
جريدة الفتـح // هل ان إعلان أوباما عن الانسحاب من العراق نهاية العام الجاري يعني نهاية مشروع الاحتلال؟
د.مثنى الضاري // الإعلان وليد ظروف خاصة ولا يمكن التأكد من جديته إلا عند اقترانه بواقع حقيقي ونهائي على الأرض، ولكن من الناحية المبدئية يعد إعلاناً للهزيمة أو (عدم النصر في العراق) كما يحب أن يسميه بعضهم، وهذا يفسر ردود الأفعال المنزعجة منه في الداخل الأمريكي، بل حتى في أوساط الإدارة نفسها. ونود أن نبين هنا بأن الإعلان هو غير الانسحاب، وكذلك الانسحاب هو غير المشروع، فالمشروع مستمر؛ لأن الانسحاب إذا ما تحقق فهو عملية تداول للسلطة الاحتلالية بين الجهازين العسكري والمدني في الإدارة الأمريكية _ هذا إذا كانت هناك فروق حقيقية بينهما كما في باقي الأنظمة في العالم _ فحسب ما هو معلن ستستلم وزارة الخارجية المهام في العراق من وزارة الدفاع لتضفي على المشروع الصبغة المدنية لاستكمال العملية السياسية والتحول الكامل إلى الديمقراطية كما يدعون. وهناك جدل كبير بل خلاف بين وزارة الخارجية والإدارة في العدد اللازم من القوات العسكرية لحماية الجهاز المدني الذي يتجاوز الخمسة عشر ألف موظف، والنية متجهة إلى الاعتماد على الشركات الأمنية لتعويض هذا النقص، ويوجد عدد كبير من هذه الشركات على أرض الواقع فعلياً يصل إلى (150) شركة، باعتراف رئيس حكومة الاحتلال الخامسة (المالكي) في مؤتمره الصحفي الذي أعقب إعلان أوباما قبل أيام.
جريدة الفتح // ما رؤيتكم للوضع الداخلي بعد الانسحاب.
د.مثنى الضاري // من المتوقع _ بحسب المتغيرات على الأرض _ أن الوضع الداخلي على الصعيد الشعبي سيشهد انفراجا كبيراً؛ بسبب قدرة العراقيين على ترتيب أمورهم فيما بينهم وفقاً للتجارب السابقة، واستثماراً لحالة الوئام الشعبي الملاحظة الآن التي ترتفع وتيرتها وتتصاعد مع زيادة وتيرة انفلات الأمور من يد الأحزاب والقوى الحاكمة. ولكن التخوف المنظور هو من الاصطراع السياسي بين القوى والأحزاب المشاركة في العملية السياسية على السلطة والنفوذ، الذي يتوقع أن يكون على شكل صراع مسلح بين الأجنحة العسكرية والأذرع الأمنية والميليشيات التابعة لهذه القوى والأحزاب، وهو صراع طالما اندلع في السنوات الماضية وكان يتم احتواؤه في ظل رعاية الاحتلال الذي كان هو الناظم الرئيس للجم الصراعات بين هذه الأطراف.
جريدة الفتح // ما هو دوركم بعد الانسحاب الكامل للاحتلال الأمريكي من العراق؟
د.مثنى الضاري // طالما تحدثنا عن أن دورنا المعهود في تأييد خيار المقاومة ودعمه بالحراك السياسي ومستلزماته الإعلامية والثقافية والميدانية سينتهي بعد نهاية الاحتلال، وأن دورنا في وقتها سيكون دوراً مساعداً وداعماً لعملية التغيير الحقيقي في العراق، ودوراً معيارياً وقيمياً يقوم بتقديم كل ما يمكن في حينها. أما بعد الانسحاب المجرد عن تغيير حقيقي يتمثل في انتهاء العملية السياسية الآثمة التي جرت طيلة السنوات الماضية، وخروج من جاء مع الاحتلال معه؛ فإن مهمتنا التي نقوم بها تبقى مستمرة، وهي منوطة بتحقيق الأهداف الحقيقية للشعب العراقي في الاستقلال ونيل حريته والمحافظة على وحدة البلاد وهويتها الحقيقة وسيادتها على أراضيها وأجوائها ومقدراتها. ونحن نتعامل مع هذا الأمر من منطلق الواجب الذي لابد من تمامه على الوجه الأكمل.
جريدة الفتح // ما تقييمكم للانقسام الطائفي حاليا وما هي التحديات التي تواجهكم في هذا الشأن؟
د.مثنى الضاري// الانقسام الطائفي على مستويين: المستوى الحكومي والمستوى الشعبي، ونشهد هذه الأيام تزايداً في المستوى الأول وانخفاضا مطرداً في المستوى الثاني، ومن هنا فنحن مطمئنون إلى إمكانية زيادة الانخفاض في المستوى الثاني، ولدينا معطيات كثيرة في هذا السياق تؤكد نزوعنا إلى هذا التقييم الذي لن تؤثر عليه بعض الأحداث المتفرقة هنا وهناك. ونعمل في الوقت نفسه على تفادي آثار المستوى الأول الذي شهد خلال الأشهر الماضية سعياً محموماً لإعادة تفعيل النزعة الطائفية؛ للاختباء خلفها والتصدي للمعطيات الجديدة الشعبية التي تمثلت بالرفض الشعبي للطائفية، والتأكيد على المنطلقات والشعارات القائمة على أساس الولاء الوطني، ونبذ كل ما يستدعي التفرقة الطائفية والعنصرية التي آذت العراقيين كثيراً.
جريدة الفتح // هل هناك أمل في المصالحة الوطنية في ظل الحكومة الحالية؟
د.مثنى الضاري// حديث المصالحة أصبح من الماضي لعدم توفر الشروط اللازمة لذلك، واعني بها المصالحة الحقيقية بعيداً عن المشاريع التي كانت تطرحها حكومات الاحتلال في العراق بين الحين والآخر، وسبب كونها من الماضي هو أنها كانت مشروطة من قبل القوى المناهضة للاحتلال بناءً على كونها خطوة ثانية مترتبة على توحيد الموقف من الاحتلال واتخاذ السبل الكفيلة بإخراجه من العراق. ثم إن العراقيين قد تجاوزوا هذه الدعوة طيلة السنوات الماضية، وأعادوا إنتاج وحدتهم الوطنية بأنفسهم، إلى حد كبير وتقاربت مواقفهم والتقت في كثير من القضايا ومنها: الموقف من الاحتلال ورفض العملية السياسية، والالتفاف حول خيار المقاومة؛ ولاسيما بعد الحراك الشعبي المستمر منذ ثمانية أشهر. ومن هنا فنحن مطمئنون على أن النسيج الاجتماعي العراقي سيقوى على تحمل أي ارتدادات غير محسوبة في المستقبل؛ بناءً على المواقف والمشاهد الرائعة التي أبانت عنها تجربة الثورة السلمية.
جريدة الفتح // ما رأيكم في طرح فكرة الفيدرالية والأقاليم التي يراد تطبيقها في العراق؟
د.مثنى الضاري // الفكرة بشقيها (فدرالية الأقاليم وفدرالية المحافظات) ليست جديدة ولم تطرح الآن فحسب، وإنما هي فكرة ومشروع قديم تم إقراره في مؤتمرات المعارضة قبل احتلال العراق، وتسببت في وقتها بمشاكل كبيرة وانشقاقات بين أحزاب المعارضة. وتم استصحابها منذ سنوات مع كل مفترق من مفترقات العملية السياسية في ظل الاحتلال، وهي ثوب تم ارتداؤه من كل القوى السياسية وحسب ظروفها وتقلباتها في الصراع على السلطة والنفوذ، فقد اقترنت بدعوات من الأحزاب المتنفذة في السلطة منذ بداية الاحتلال فطبقتها قوى منه في شمال العراق، وفرضتها في الدستور بتأييد من القوى الأخرى التي أرادت تطبيقها في الجنوب ولم تفلح حتى الآن، وتجاوزتها بعد سيطرتها على العراق كله، فيما تلقفتها الآن بعض القوى السياسية التي تحاول بواسطتها تغطية فشلها في الحصول على ما تريد وانكشاف زيف حججها التي روجت لها من أجل تبرير مشاركتها الخاسرة منذ البداية في العملية السياسية. وباختصار فإن الفيدرالية في العراق خيار خطير وعامل انقسام وتهديد لوحدة العراق وتاريخه وثقافته وحضارته وعيش أبنائه على خلاف ما يروج لها دعاتها، وهي لن تحقق شيئاً لمن يظن بأنها قد تكون خلاصاً له من الواقع السيئ الذي يعانيه.
جريدة الفتح // كيف ترى تأثير الثورات العربية على الوضع الداخلي في العراق؟
د.مثنى الضاري // التأثير كان كبيراً، فكلنا يعلم بان هناك حراكاً شعبياً عراقياً مستمراً منذ سنتين عبر تجمعات واعتصامات في مختلف المحافظات العراقية منذ عام 2009، ولكنه لم يحظ بالتغطية الإعلامية لأسباب معروفة ومعلومة، وللأسف كان هناك نوع من التغافل الإعلامي من وسائل إعلام عودتنا على التفاعل مع الشأن العراقي بشكل أفضل. وقبل ذلك فإن الحراك العراقي السلمي وقبله المسلح مستمر ضد الاحتلال منذ عام 2003 وهو من الأسباب العديدة _ فيما أرى _ للإحباط العربي الكبير الذي رأى بغداد تحتل والمقاومة تقمع ويتخلى عنها، ثم جاء غزو غزة والمآسي التي رافقته والانقسام العربي الرسمي؛ ليضيف بُـعْداً آخر لهذا الإحباط الذي اتصل بالواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي تعيشه الشعوب العربية، ومن هنا كان الانفجار الذي ولد الثورات العربية التي أعطت العراقيين أملاً جديداً في التغيير وانتقال الشعوب العربية من حالة الفعل السلبي إلى الفعل الايجابي الذي ستعم ايجابياته الوطن العربي كله، وسيتيح فرصة كبيرة لسماع صوت الشعب العراقي الحقيقي، فضلاً عن استفادة الحراك الشعبي العراقي من بعض آليات ووسائل الثورات العربية في الحراك مع مراعاة الفروق التفصيلية والجزئية الطبيعية لكل مشهد عن المشهد الآخر.
جريدة الفتح // إلى أين وصلت الثورة السلمية العراقية؟ ولماذا التعتيم الإعلامي عليها؟
د.مثنى الضاري // استطاعت الثورة السلمية في العراق أن تقطع شوطاً بعيداً في طريق تحقيق أهدافها التي انطلقت من أجلها على الرغم من الوضع الخاص بالعراق الذي يجعل الثورة في مواجهة ثلاثة أعداء هم: الاحتلال، والحكومة الموالية له، والنفوذ الإقليمي الكبير لإيران في العراق؛ فقد أنجزت الثورة عدة خطوات ضرورية واستطاعت طيلة الأشهر الماضية أن تقوم بكسر حاجز الرهبة والتخويف الذي يمارسه الاحتلال وأعوانه بكل شدة وعنف، وقامت بإنشاء تجمعات شبابية وتكوين منتديات للحوار والحراك الجماهيري وأفرزت عن مجموعات وشخصيات فاعلة، وأسست وسائل إعلامها الخاصة بها؛ كما أشاعت قبل ذلك منظومتها الخاصة للمفاهيم المضادة لمنظومة الاحتلال وحكوماته التابعة المتتابعة، التي حاولت فرضها طيلة السنوات الماضية، من قبيل: إعلان الندم الواضح والصريح على المشاركة في الانتخابات، ونبذ العملية السياسية والاقتناع التام بعدم جدواها لتحقيق ما يريده الشعب، والجهر بفشل الأحزاب والقوى السياسية الحالية، ورفض مبدأ المحاصصتين الطائفية والعرقية، والربط بين المكونات والأطياف العراقية جميعاً بواسطة الاعتصامات في المحافظات الشمالية والجنوبية والوسطى التي شاركت فيها ممثلون عن المكونات جميعاً، والالتفاف من جديد حول خيار المقاومة بكل أشكالها، بل والذهاب بعيداً من بعض جوانب وأطراف الحراك الشعبي إلى الدعوة للتغيير المسلح.
ونظراً لما تقدم فقد واجهت الثورة سوراً عالياً جدا وشديد الإحكام لمنع الإعلام من الوصول إليها، ومورست ضدها كل أنواع التجاهل والتغاضي والتشكيك، بل والأساليب العنفية ضد كل من يحاول التعبير عنها أو التحدث باسمها أو نقل أخبارها. واستخدمت القوات العسكرية التي تتواجد ابتداءً في كل المدن وفق خطط أمنية مشددة وفي ظل أحكام عرفية بالغة القسوة لقمع المظاهر المعبرة عن الثورة السلمية. ولابد هنا من التنبيه على الخصوصية العراقية في هذا السياق، فالعراق تحكمه خطة أمنية بالغة التعقيد تحت إشراف الاحتلال، وتقوم على تقطيع أوصال البلد بواسطة توزيع مكثف للقوات العسكرية والأمنية في كل محافظة وقضاء وناحية، وحتى أصغر وحدة إدارية، مع صلاحيات واسعة بقمع أي حراك دون الرجوع إلى ما يسمونه (المركز) فضلاً عن قوات خاصة بـ (القائد العام للقوات المسلحة) وهو (رئيس الوزراء) عينه، لتعزيز الضغط على ما يسمونها المناطق الساخنة وقمع ساكنيها حتى بدون إبدائهم لأي سلوك معادي كما يفسرونه، فما بالك بالقيام بالمساهمة في الحراك الشعبي للثورة السلمية. ويسند كل هذا الجهد الأمني قوات الاحتلال التي تقوم بدور المراقبة والدعم عند طلب الحكومة، ويكفينا أن نذكر بأن اليوم الذي يعد تاريخاً لاندلاع الانتفاضة الشبابية وتوسعها إلى شكل من أشكال الثورة على الرغم من انطلاق الحراك قبل ذلك، وهو يوم (25 شباط/ فبراير) سقط فيه (25) شهيداً على يد القوات الأمنية من شمال العراق إلى جنوبه، ثم توالى مسلسل الاعتقال والتصفية الجسدية للناشطين في الثورة السلمية. وتخللت ذلك الاعتداءات المتكررة على المتظاهرين في عدد من الأماكن ولاسيما ساحة التحرير، وقامت بهذه الاعتداءات قوى وميليشيات وأجهزة أمنية بأوامر مباشرة من رئيس وزراء الحكومة التي استطاع الإعلام المساند للثورة أن يشيع وصفها بـ (الحكومة الناقصة غير الشرعية) وأن يصبغ رئيسها بوصف هو الآخر، أصبح صفة ملاصقة له وهو (چذاب) أي (كذاب) باللهجة العراقية الدارجة.