البصرة لا ترحب بهؤلاء
جريدة المستقبل العراقية في 2/11/2011
كاظم فنجان الحمامي
لم نكن نتوقع أن العواصم, التي خرجت من رحم البصرة سيصل بها العقوق والنكران إلى اليوم الذي تعلن فيه التكبر على البصرة والتعالي عليها, وهي التي تكحلت عواصم الدنيا كلها بأديم ترابها السومري البابلي العربي. .
ولم يخطر ببالنا أن الحقد على البصرة سيتغذى من غسلين الشجيرات الخبيثة, التي نبتت في جحور حفر الباطن, وتلاقحت بمخالب غربان البنتاغون وأجنحة خفافيش الظلام, لتقبح وجه التاريخ, وتدنس مياه شط العرب المقدسة, وتلوثها بمباركة الجامعة التي لا تجمع ولا تنفع. . .
ولم نكن نتوقع أن اجتماع الأقزام في الكويت سيضيف الرياح القوية لمهزلة التآمر على عمالقة الرافدين وليوث الميزوبوتاميا. .
ولم يخطر ببالنا أن النفوس المريضة ستنثر سمومها فوق ملاعب البصرة, وتمنع إقامة عرسها الكروي بين الزبير والخورة. .
من كان يتصور أن البصرة العظيمة, أم العراق, وخزانة العرب, وعين الدنيا, وذات الوشامين, والفيحاء, وقبة العلم, ومدينة السندباد, وبندقية الشرق, والزاهرة المزدهرة تتعرض صورتها للتشويه بخناجر زعاطيط الخليج بذريعة عدم توفر الأمن والأمان بجوار الحسن أبن الهيثم ؟, وبذريعة الخوف من عفاريت مالك بن الريب بين قصر مضحي وجبل سنام ؟. .
ثم من قال لكم أن البصرة انتظرت هذه السنوات العجاف لتستقبلكم بعد أن تطاولتم عليها, وتعمدتم الإساءة إليها بهذه الأساليب الصبيانية الغادرة؟؟, ومن قال لكم أنها ستخضع لتقلبات أمزجتكم المشبعة باللؤم والأحقاد المعلنة والمستترة, لترحب بكم في خليجي (22), أو حتى (44) ؟؟. .
ألا يعلم هؤلاء أن كرامة البصرة أعلى وارفع وأسمى وأكبر وأغلى من اجتماعات رئيس الاتحاد الكويتي (سهو السهو), الذي فقد ذاكرته إلى درجة السهو والنسيان, ولم يعرف أن البصرة لن تهبط إلى المستوى, الذي يجعلها مجرد لعبة كروية في مضارب ومضاربات العرب المتأمركة والعرب المفبركة, فلا خليجي (22) بعد الآن ولا بطيخ, ولن نسمح لكم بالتجاوز على تاريخ البصرة وسجلها الحافل بالروائع والبطولات والانجازات الحضارية العظيمة, التي تلألأت فوق ناصية المجد, فأنارت الطريق لعواصم الدنيا كلها في الفنون والعلوم والآداب. .
ربما هناك مدن تحتضر, وأخرى تنبعث من الرماد, وثالثة تنهار, وغيرها تدفنها كثبان النسيان, فترزح تحت وطأة الإهمال, ولا يشفع لها سجلها الحافل بالخيرات والعطايا الممتدة عبر القرون السحيقة, إلا ان البصرة وأخواتها تكاد تكون هي الاستثناء الوحيد من هذه القاعدة, فهي المدينة الخالدة التي لن تمزقها خناجر الغزاة, ولن تعصف بها رياح الصراعات المذهبية والسياسية والإقليمية, ولن تنهشها أنياب الدهر, ولن تنطفئ شعلتها لترقد في مقابر التاريخ, فليس من العدل أن تتحول إلى لعبة تتقاذفها هواجس كهنة الاتحادات الخليجية لكرة القدم, ليجتمعوا في (العديلية) ويقرروا مصيرها, فينقلوا ملاعبها إلى المنامة, بحجة أن الأمن والأمان في المنامة أكثر أمنا وأمانا من الأمن والأمان في ضيافة عتبة بن غزوان, وان المنامة القلقة المشتتة المشوشة صارت في حساباتهم أهدأ من البصرة المطمئنة الوادعة. .
مفارقات عجيبة, ومواقف متناقضة بين الأمس واليوم, فما أسرع تجحفلهم بعدتهم وعدادهم, عندما اصطفوا خلف قوى الشر لينتهكوا حرمة البصرة, ويمزقوا ضواحيها بصواريخ التوماهوك, وما أبطئ تخلفهم عن إرسال أولادهم لكي يلعبوا في مرابعها وبين بساتينها, وهي التي قررت نسيان ما فعلوه بها من طعن وغدر وتحريض وتآمر, وانشغلت ببناء اكبر الملاعب وأعلى المدرجات, وأفضل الصالات. .
ألا يعلم هؤلاء أن البصرة لها أسماء غير معلنة, مازالت تحتفظ بها في ذاكرة الطين والماء ؟, أولم يعلموا أنها (الرعناء) في الشدائد, و(البأساء) في التعامل مع الأقزام والخفافيش والغربان, والأشد بأسا في التعامل مع الأقارب العقارب ؟؟. .
فأذهبوا لتلعبوا حيثما شئتم, وكيفما شئتم, فلن ترحب بكم ذات الوشامين بعد الآن. .