الحركة الشعبية لإنقاذ العراق واستحقاق الطريق الرابع
د. خالد المعيني
مدير مركز دراسات الاستقلال
من الواضح أن جميع أطراف الصراع في العراق بما فيهم اللاعبين الرئيسيين والثانويين يستعدون لمرحلة ما بعد الانسحاب العسكري الأمريكي, وفي وسط حمى هذه الاستعدادات الإقليمية والمحلية تبدو الحركة الوطنية العراقية الطرف الأقل استعدادا لمواجهة المرحلة الحرجة القادمة , حيث لا تزال تحكم أداء هذه الحركة آليات العمل بطريقة رد الفعل واستهلاك الجهد والوقت في التناحر ومزيد من التشظي رغم أن موازين القوى على الأرض قد تبدلت بصورة كبيرة وأصبحت تميل نحو عناصر الصراع السياسية والنفسية والاجتماعية وتراجع الدور العسكري في إمكانية الحسم لصالح هذا الطرف أو ذاك , لاسيما وان الولايات المتحدة الأمريكية قد تمكنت من ( فتنمة ) الصراع وفي تغيير تضاريس منضدة الرمل في العراق ليصبح الصراع ( عراقي-عراقي بعد أن كان في مراحله الأولى عراقيا – أمريكيا ) .
أن الولايات المتحدة الأمريكية وعلى الرغم من هزيمتها العسكرية في العراق لا تزال تمسك بالأوراق السياسية العراقية ولا تزال صفحتها السياسية ناجحة بامتياز من خلال بقاء الدستور العراقي النافذ بعد الاحتلال ساري المفعول والذي يعد بحد ذاته صفحة كاملة من صفحات الاحتلال تستدعي نمطا جديدا من المقاومة فكرا وسلوكا وأهدافا .
على ضوء هذه الخلفية نعتقد أن قوى الحركة الوطنية العراقية تمر حاليا بمأزق حقيقي يكمن في عدم استعدادها للمرحلة القادمة من إدارة الصراع وبالتحديد في رؤيتها لكيفية تصفية آثار الاحتلال وكنس قمامته المتبقية ورميها في مزبلة التاريخ , فأطراف الحركة الوطنية العراقية بركائزها التقليدية عدا عن خطابها الخشبي والأفكار المتكررة العامة والفضفاضة فأنها تعاني من استمرار حالة التشظي وعدم قدرتها لغاية الآن من بلورة مكافئ سياسي موحد وبديل لعملية الاحتلال السياسية المتهاوية , الأمر الذي دفع بكثير من الجهات لطرح مشاريع من نوع ( الحمل الكاذب ) أو انخراط وتساقط الكثير في مشاريع إقليمية تنسجم مع المخطط النهائي للاحتلال لتحويل دفة الصراع في المنطقة عل أسس عرقية ومذهبية وعنصرية .
إن الخيارات المطروحة أمام الشعب العراقي محدودة جدا الأمر الذي ينذر بمزيد من الشر والسوء والذي قد يتخذ أشكالا تخدم الأهداف السياسية النهائية التي جاء من اجلها الاحتلال كإقامة الأقاليم أو الانزلاق التدريجي إلى الفوضى حيثما خفت قبضة الاحتلال أو زالت.
الخيار الأول أمام الشعب العراقي هو بقاء الوضع على ما هو عليه أو التعامل مع خيار العملية السياسية الحالية وهذا الخيار سقط حتى في نظر عرابيه, فمن كان يعتقد عام 2005 من بعض القوى المتأرجحة بإمكانية إصلاح هذه العملية من الداخل بات اليوم أكثر إصرارا على أن هذه العملية فاشلة وعاجزة ولا تستحق حتى الترقيع , في المقابل فأن خيارات الحركة الوطنية سواء كانت الإسلامية منها أو القومية لا تزال تراوح في نفس مكانها وأصبحت أكثر حيرة وغربة عن الواقع العراقي لاسيما بعد أن انخفضت رافعة المشروع السياسي الوطني ويقصد بهذه الرافعة ما كانت تنجزه فصائل المقاومة العسكرية على الأرض وما كانت تضعه من أثقال في ميزان الصراع مع الاحتلال , هذه الانجازات الجبارة التي خذلتها القوى والأحزاب والهيئات والشخصيات السياسية العراقية المناهضة للاحتلال حينما فشلت في الارتقاء إلى مستواها أو على الأقل الارتقاء إلى مستوى التحديات السياسية التي فرضها الاحتلال على واقع الساحة السياسية العراقية . الأمر الذي دفع الشعب العراقي ممثلا بشريحة الشباب منذ أكثر من سنتين إلى تولي أمره بيديه نتيجة غياب قيادات وطنية ميدانية . وتمكن هذا الشعب فعلا من إظهار مستوى عالي من الممانعة والرفض لمشروع الاحتلال سواء بالتظاهرات أو بالاعتصامات وأفصح بذلك عن وعي وطني متقدم وشعور عالي بالمسؤولية وشجاعة فائقة تقدم فيها على كثير من القوى السياسية وكان ذلك بالتأكيد نتيجة الفراغ السياسي الكبير الذي يعيشه الشعب العراقي.
الحركة الشعبية لإنقاذ العراق، حركة شبابية انبثقت من وسط معاناة الشعب العراقي ورفضه لاستمرار الواقع الفاسد الذي يعيشه في ظل الاحتلال الأمريكي واستمرار تداعياته وآثاره المدمرة ، وقد استمدت الحركة نشاطها من خلال تطور الحراك الشعبي الذي تمثل بالمظاهرات المنددة بانعدام الخدمات الأساسية وبالفساد وبنظام المحاصصة الطائفية والعنصرية الذي يحكم العراق.
تستمد الحركة الشعبية لإنقاذ العراق بوصلتها السياسية من ثوابت الشعب العراقي في هذه المرحلة وحقوقه الأساسية غير القابلة للتصرف أو القسمة مع احد إلا مع إرادة الشعب العراقي ومستقبل أجياله , وهي حركة تنتهج العمل السياسي المدني وسط الجماهير سبيلا لإحداث التغيير في واقع العراق , معتمدة على هزيمة الاحتلال العسكرية وزخم الرفض الشعبي الهائل وعودة الوعي الوطني وسقوط المحاصصة في أوساط الشعب وعزلة معظم الطبقة السياسية التي جاءت مع الاحتلال والتي لا تستطيع العيش إلا وسط الفتنة ومناخ الشحن الطائفي والعنصري
تعتمد الحركة الشعبية لإنقاذ العراق في نشاطاتها على متانة وأصالة النسيج الوطني الشعبي وعلى شجاعة وإقدام ووعي الشباب الذي يقود الحركة والذي يتسامى فوق الطائفية والعنصرية ويؤمن بحتمية التغيير والنصر متسلحين برؤية سياسية واضحة لمستقبل العراق وكيفية إنقاذه، قائمة على ركائز الموضوعية والعقلانية والواقعية وصولا لتحقيق الأهداف الإستراتيجية للحركة المتمثلة باستقلال العراق الناجز والحفاظ على وحدته أرضا وشعبا وصيانة هويته العربية والإسلامية وإقامة دولة مدنية عادلة وقوية مهمتها الأساسية إقامة حكومة تنصرف كافة صلاحياتها واختصاصاتها لخدمة ورفاه المواطن وتحقيق كرامته الإنسانية.
تمثل القيادات الميدانية لهذه الحركة تحديدا من الشباب الذين اثبتوا إصرارهم ووعيهم الوطني المتقدم وشجاعتهم الفائقة التي تجسدت من خلال تنفيذ الحركة الشعبية لإنقاذ العراق لأكثر من 19 اعتصام ومظاهرة امتدت من الفكة في جنوب العراق إلى السليمانية واربيل شماله لتغطي كافة محافظات العراق دون استثناء , لذا فان هذه الحركة تمثل بحق الجسر الحقيقي الذي أعاد التماس مابين الحركة الوطنية وجماهير الشعب العراقي وأسود هذه الحركة يمثلون اليوم رأس النفيضة والرافعة الجديدة للمشروع الوطني , وفي الوقت الذي أصبح تقليدا لدى قيادات الحركة الشعبية لإنقاذ العراق عند تصديهم لأي نشاط ذكر وتثبيت أسمائهم وعناوينهم الصريحة متحدين السلطة واضعين حرياتهم وأرواحهم على اكفهم وهم يبعثون بذلك رسالة واضحة ( لقد عبرنا حاجز الخوف ) , ولكنهم لايزالون في بداية الطريق وهم بحاجة إلى الدعم المعنوي والسياسي وتطوير مهاراتهم من خلال خبرة وحنكة جميع الشرفاء وبالأخص القوى السياسية في ضفة الحركة الوطنية التي تمتلك عناصر الدعم المادي والإعلامي والتنظيمي , ويأتي نجاح هذه الحركة عشية الانسحاب الأمريكي ودعوتها لتنظيم تظاهرات ونشاطات مشتركة في يوم 30 /12/ 2011 من خلال تحشيد أكثر من خمسة عشر قوة وحركة شبابية وطنية تتويجا لمصداقيتها في العمل الميداني الذي امتد لأكثر من سنتين ويبشر بخطوات ايجابية باتجاه ملأ الفراغ السياسي الوطني .
اليوم تعاني هذه الحركة من حصار إعلامي متعمد لم يعد للأسف مقتصرا على الفضائيات المرتبطة بمشروع حكومة الاحتلال وإنما امتد نتيجة لقصور وضيق نظر البعض إلى كثير من مواقع قوى من المفروض أنها تعمل في نفس الخندق الذي تعمل فيه الحركة الشعبية لإنقاذ العراق مما يضع أكثر من علامة استفهام وتعجب.
إن مرحلة التوهيم والتضخيم وخداع الشعب وصناعة وعبادة الأصنام لم تعد أمرا مقبولا وينسجم مع الواقع ومع مزاج الشارع وإنما الواجب الوطني الحقيقي اليوم يدفع باتجاه دعم وتطوير قيادات رأي عام من الشباب تعمل حصرا داخل العراق لتسهيل إعادة التماس والتعشيق مع الأرض وقيادة الشعب العراقي ميدانيا , فهذا الشعب المظلوم لم يعد يتحمل المتاجرة به وبمأساته وبحاجة ماسة لقيادات تتنفس هواءه وتتلمس معاناته اليومية وتعيش وسط صفوفه وهذا الأمر وحده كفيل بتغيير واقع العراق وتحقيق انتقاله نوعية في مستقبله , وعلى كل النشاطات والفعاليات في الخارج أن تكون في خدمة هذا النهج وليس العكس , فكل من يعمل في الداخل قائد وكل من يعمل في الخارج مهما كان جهده أو وصفه هو ساند .
هذه الحركة وبسبب من طبيعة ونقاء قياداتها من الشباب ومصداقية بوصلتها الوطنية وامتداداتها الحقيقية على مساحة العراق وبسبب من تضحيات شبابها الذين تمرسوا في المعتقلات وساحات التحرير , ستنمو بلا شك فهي كالزرع قد ننام عنه ولكنه لا ينام وسيشق اسود هذه الحركة الفتية طريقهم وسط الصعاب والحصار في الجبال في شمالنا الحبيب وفي السهول والاهوار وسيرسمون مستقبلا للعراق ويقودون شعبه إلى بر الأمان والى غدا أفضل أن شاء الله . دمشق 26 /11/2011