اجتثاث وطن
الجزء الثالث
كنا قد تناولنا في الجزء الاول بداية تشكيل الشرطة بعد الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 على يد ( أحمد كاظم إبراهيم البياتي صاحب الخلق الرفيع والماضي الطيب في الشرطة العراقية الوطنية والمطرود منها لأسباب أضحت معلومة ) وكيف تم ترقيته إلى رتبة فريق في سابقة غير معهودة في سلك الشرطة العراقية وأسناد منصب الوكيل الاقدم لوزارة الداخلية ثم منحه صفة دبلوماسية ( وزير مفوض ) ليمثل في نهاية الشوط العراق في الامم المتحدة ، وكانت لنا إطلالة على وزارة الخارجية العراقية وكيف كان رجالها الحقيقيون من المهنية العالية والسلوكية النزيهة واحترام الذات والقدرة على ادارة الازمات والتعامل معها وكيف أصبحت بعد الاحتلال .
كما كان لنا إطلالة على وزارة التربية في العهدين الوطني قبل الاحتلال ثم كيف أصبت وضعية التعليم في العراق بعد الاحتلال ، لقد أصبح خريج الدراسة الاعدادية فقيراً بما يمتلكه من معارف ومعلومات عن وطنه وتكوينة شعبة ودينه وتاريخ العراق الذي ينتمي إليه ، فكيف بالخريج دون الاعدادية او الثانوية ؟ وفي الجزء الثاني تعرفنا على تشكيل الجيش العراقي الباسل ووزارة الدفاع ، فبعد أن كان سور الوطن الحامي له أصبح اليوم مجموعة مليشيات طائفية هجينة الانتماء غاب عنها التنظيم وتاهوا في غياهب الجهل الذي تمكن من قياداته أولئك الجهلة والمرتزقة ، وتم التعريف بالرجال الافذاذ المخلصين الذين تناوبوا على قيادته قبل الاحتلال وكيف صار الحال إليه بعد أن حل الجهل فيه وساد الظلام ، فأصبح مرتبك التنظيم مجهول الهوية فاقداَ للعقيدة العسكرية ضائع في محاولات الفاسدين وهيمنتهم على أمور التسليح والتجهيز الغير واقعية والتي يشوبها الفساد في النوايا والمقاصد وعدم الصدق أو الجدية في مشروع بناء جيش حقيقي قادر على الدفاع عن مصالح العراق الوطنية أو الاعتداءات الخارجية .
اليوم سيكون لنا حديث عن وازرة الداخلية في عراق قبل الاحتلال منذ النشأة الاولى والادوار التي مرة بها وكيف أصبح الحال فيها بعد الاحتلال .
كانت أول وزارة للداخلية في العراق ضمن التشكيلة الوزارية النقيبية ( نسبة للسيد عبد الرحمن الكيلاني نقيب أشراف بغداد ، المولود عام 1845 م والمتوفي عام 1927 م ) تشكلت هذه الوزارة في 25 ت1 1920 م واستقالت في 23 آب 1921 م ، وكان وزير الداخلية فيها هو طالب النقيب الذي يعتبر أول وزير داخلية في حكومة عراقية .
طالب النقيب علي جودت الايوبي عبد المحسن السعدون
أول وزير داخلية عراقي وزير داخلية عراقي من وزراء داخلية العراق
تولى العديد من الشخصيات الوطنية المعروفة في ولاءها للوطن وحبها له لمنصب وزير الداخلية في الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق ، وكان آخرها كوزير للداخلية في العهد الملكي هو سعيد قزاز.
الذي حُكِمَ في محكمة المهداوي المشهورة وعندما حاول فاضل عباس المهداوي رئيس المحكمة المس بكرامته أوقفه بأسلوب رادع يعبر عن اعتزاز بالنفس واحترام للكرامة رغم أنه كان في قفص الاتهام وتحت رحمة رئيس تلك المحكمة التي يعرفها الكثير من العراقيين وما صاحبها من تنكيل للوطنيين و بشخوص ورموز الدولة العراقية في العهد الملكي ، كان رد سعيد قزاز على محاولة المهداوي التطاول علية الاتي : (( اسكت وإياك اهانتي ، حاكمني .. ولكنك لن تستطيع إذلالي ، إنني لا أهاب الموت ..... قمت بواجبي بوصفي إني وزير للداخلية ، أردت أن أضمن حرية العمل للراغبين فيه وحماية النظام وقضيت على أعمال الشغب ولو كنت اليوم وزيرا للداخلية لفعلت ما فعلت يوم ذاك ، فما أنا بنادم على ما كان ، سأصعد إلى المشنقة وسوف أرى تحت قدمي أناسا لا تستحق الحياة )) سيكون لنا تعقيب على ما ورد في رد سعيد قزاز في محكمة المهداوي عندما نستعرض مرحلة ما بعد الملكية وتأسيس الحكم الجمهوري وخصوصاً مرحلة قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي العراق وما يتقوله اليوم البعض من سياسي العهر في حكومات الاحتلال ضد سياسته . اتسمت فترة الحكم الملكي بالكثير من التظاهرات الجماهيرية تُحَرِكُها أحزاب تلك المرحلة ، فكانت المواجهات مستمرة بين الشرطة والمتظاهرين في شوارع بغداد خصوصاً ،. اتسمت فترة الحكم القاسمي بصعود نجم الحزب الشيوعي في العراق ومحاولته النيل والتنكيل بكم ما هو قومي والتصدي له بالحبال التي كانت سمة تلك المرحلة والتي عايشها كثيرون ممن هم اليوم أحياء ، ولا يمكن لهم نسيان ما كان يردده البعض من أنصار الحزب الشيوعي في تلك المرحلة ومن أبرزها ( ماكو مهر بس ها لشهر) ولا يمكن نسيان قطار السلام الذي أنطلق من بغداد إلى كركوك حاملا ما يُسَمون حينها بأنصار السلام وهم عناصر الحزب الشيوعي وما ارتكبوه من مجازر بشعة من قتل وبقر لبطون النساء الحوامل وتعليقهن على أعمدة الكهرباء ولا يمكن نسيان أعمالهم في الموصل من جرائم يَندى لها جبين كل شريف وصاحب خُلق ودين ، أولئك هم الذين ينتمي لهم حميد مجيد موسى خادم المحتل وأحد أذنابه .
بعد أن صار الحكم في العراق جمهورياً ، تعاقب على تولي منصب وزير الداخلية العديد من الشخصيات التي كان لها بصمة واضحة في تحسن الاوضاع العامة المتعلقة بشؤون الداخلية من أمن وأمان وحماية الحريات الشخصية واستقرار الاوضاع الداخلية ، وهذه هي مهمة وزارة الداخلية .
ومن الشخصيات التي يمكن استذكارها لمنصب وزير الداخلية ( سعدون شاكر ، سمير الشيخلي ، محمود ذياب المشهداني ، محمد زمام عبد الرزاق ) لقد شهدت المحافظات العراقية تطورات كبيرة فيما قدمه المحافظون من أعمال أتسمت بالإصلاح الاجتماعي و الاستقرار الامني والاهتمام بشؤون المواطنين من خلال ارتباط المحافظ بوزير الداخلية والتنسيق بين المحافظة و وزارة الداخلية في الشؤن العامة لأمور الادارة ، وأصبح المواطنون مطمئنون على أرواحهم وأموالهم وممتلكاتهم في ظل قانون يرعى الحريات العامة ويصون الحريات الخاصة ، فكان المواطنون يسافرون ليلاً في القطارات من بغداد إلى البصرة والموصل وبالعكس وبالسيارات إلى جميع محافظات القطر دون خوف أو وجل ، وكان كراجي النقل العام في منطقتي النهضة و العلاوي مكتظتين بالمسافرين على مدار الساعة ، ليلاً ونهاراً ، فهل يجرأ اليوم من يفعل ذلك ؟ لا بل هل من يجرأ على الخروج بوقت متأخر من الليل ولو كان الامر لضرورة .
ولنا في محافظ كربلاء الفريق الركن صابر عبد العزيز الدوري ( اللهم فك أسره ورفاقه ) خير شاهد ودليل ، فيما كانت هذه المحافظة المقدسة تنعم به من أمن واستقرار وحسن سير أمور عامة وخدمات ورعاية خاصة في كل الشؤون ( هل أستطاع أيٌ من وزراء العهد الديمقراطي التعددي الجديد ، كما يحلوا لأولئك ركائز المحتل وأذنابه أن يسموا عهدهم المظلم ، في أن يَجِدوا واحد فقط من كل أولئك الذين أصبحوا محافظين في أي من محافظات العراق كخُلق ونزاهة وبساطة وجد ومثابرة وإخلاص الفريق الركن صابر الدوري؟ ) .
محمود ذياب المشهداني سعدون شاكر سمير الشيخلي محمد زمام عبد الرزاق
الفريق الركن صابر عبد العزيز الدوري محافظ كربلاء
ليستشهدوا بواحد فقط ليس أكثر، سيعجزون كل العجر لا بل سيكذبون إن جاءوا بواحد يرتقي لعمل وإخلاص هذا الرجل ، فكل من أعتلى كرسي المنصب من كل الذين يُسمَون محافظين كانوا سراق بكل ما تعنيه الكلمة من معنى ، خانوا الامانة التي تَوَلَوُها وغَرِقوا بالسحت الحرام ، أفي ذلك من شك دولة رئيس الوزراء ؟ وأنت القائد العام للقوات المسلحة - وزير الدفاع وكالة - وزير الداخلية وكالة - وزير الامن الوطني وكالة ( أشخليت بعد ، صار سنتين وانته لازمهن كلهن والعراق يغرق بنهر من الدم ، عليك من الله ما تستحق ، والله أقترب يومك ودنى أجلك وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ) .
هل يتذكر دولة رئيس الوزراء أن مركز شرطة إطويريج لم يكن فيه يوماً اكثر من مفوض شرطة وبضع أفراد وكان الامن والامان يخيم على ربوع كل إطويريج . مو هيج مولانه لو نسيت أيام إطويريج ؟ ويوم قدر الله تعالى أن تتبدل الامور والاحوال وحل الخوف بدل الامن وتلاشى الامان ، فقدم من أشباه رجال فتصدروا للأمر فكان منهم وزراء داخلية ولكن دون أمن وأمان ولا استقرار ، رجال يشوبهم الخوف والوجل والارتباك وقلة الحيلة ونقص في الدراية وغياب في المهنية ونقص في التجربة العملية وما عليهم من ملفات فساد مالي وأخلاقي ومهني وسلوكي لا زالت جهات عدة تتناقله .
نوري البدران فلاح النقيب صولاغ جواد البولاني الرجال جان مطفي ما جان يدري شنو الشغلة هذا أبو الدريل الكل يعرفونه الرجال مشاهه أشلون ماجان
حته خلصت
وللكلام عما أصاب العراق من ويلات ومصائب في ظل ما يسمى من وزراء للداخلية في عهد الاحتلال وخصوصاً تلك التي تولاها المجرم باقر صولاغ غلام فيحتاج الامر إلى العديد من الصفحات كي تستوعب ما جناه من جرائم بحق شعب العراق وكيف ترك في ذاكرة الشعب بعمومه من مآسي ومظالم يصعب نسيانها ولو بعد حين .
في تقرير عن الذمة المالية للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنها تبلغ مائه وأربعون ألف دولار سنوياً والتي تمثل مجموع رواتبه ومستحقاته الحكومة التي يتقاضاها عن منصب رئيس جمهورية بلاده ، فكم من وزير أو مسؤول عراقي أعلن عن ذمته المالية ؟ هل اطلع الشعب العراقي عما يستلمه أَيُ مسؤول رفيع الدرجة في دولة العراق الحديث وهو يعاني شظف العيش ؟
مقابل ذلك ليطلع الشعب العراقي المسكين عما يتداوله وزير في منصبه كمخصصات لحماية سيادته فقط ( الكتاب موقع من وزير المالية باقر صولاغ غلام خسراوي في حينه وموجه لمدير عام الدائرة الادارية في وزارته ) .
وفي الجعبة الكثير من الخروقات القانونية والتجاوزات على المنصب واستخدام المال العام لأغراض شخصية وتجاوز الصلاحيات للعديد من هم الان في سدة الحكم ولكن الحال لا يسمح بنشرها جميعاً .
من المصادفات أن يكون هذا الموضوع في مراحل الاعداد ويمر يوم دامي آخر في حياة الشعب العراقي الذي كثرة علية الايام الدامية ، فكان يوم الخميس الموافق 22 ك1 2011 بشعاً لما هال مواطني بغداد بأكثر من اثنى عشر عبوة ناسفة وأربع سيارات مفخخة ، تسببت بتسع وستون شهيداً وأكثر من مائه وثمانون جريحاً ، ويخرج كذاب بغداد قاسم عطا الموسوي ليتحدث عن الاجراءات التي قامت بها قيادة عمليات بغداد من السيطرة على الامر وتفجير عدد من العبوات والسيارات المفخخة كما وصفها بتحت السيطرة ، متى كانت عمليات بغداد تمتلك مثل هكذا خبرات لتكتشف سيارات معدة للتفجير وعبوات ناسفة مزروعة بأماكن منتخبة وعبوة لاصقة لولم يكن في الامر من شراكة ومعرفة سابقة ؟ ينبغي أن يدرك الشعب العراقي أن سبب هذه التفجيرات هو استهداف ما يسمى لجنة النزاهة لأتلاف ملفات فساد و استحواذ على مجموعة ملفات من قبل أشخاص دخلوا المكان بعد تفجيره ولم يتم منعهم من قبل أي من الموجودين في منطقة الحادث وكما أفاد شهود كانوا حاضرين في المنطقة لحظة التفجير وما تلاه من فعاليات لطمس معالم جرائم مقترفة من أشخاص لهم علاقة بحزب الدعوة العميل وشخوص ذوي مناصب في الدولة ومحاولة إلصاق التهمة بأشخاص أصبحوا معلومين من قبل الجميع كتسقيط وابتزاز سياسي في معرض ما أثير من أحداث خلال الاسبوع الثالث من هذا الشهر ، ولكن هل يستحق الامر كل هذه التضحيات يا دولة رئيس الوزراء والأمين على الشعب ؟
هذه صورة لأمن المستقر في العراق
تعددت المرات التي فشلت فيها هذه الحكومة كسابقاتها من حكومات الاحتلال في تحقيق الامن للمواطن وحفظ حياته وممتلكاته وذلك ما يمثله من استحقاق المواطن تجاه الدولة وهو صميم مسؤوليتها .
ولكي ننهي هذا الموضوع على أمل اللقاء في الجزء الرابع بعون من الله و ليس لي سوى القول لعديمي الذمم و مجرمي العصر :
قل للذي بصروفِ الدهرِ عيّرَنَا هلْ عاندَ الدهرُ إلا مَنْ بهِ خَضَرُ
ألا ترى البحرَ تعلو فوقه جيفٌ وتَسْتَقِرُّ بأقصى قَعْرِهِ الدُرَرُ
وكَمْ في السماءِ نجومٌ لا عِدادَ لها وليسَ يُكْسَفُ إلا الشمسُ والقَمَرُ
وكَمْ على الأرضِ مِنْ خضراءَ مورقةٌ وليسَ يُرمى إلا مَنْ بهِ ثَمَرُ
غريب في وطنه
23 ك1 2011