مخيم اشرف.. قضية لاجئين ام للمساومة السياسية
صباح الخزاعي
القدس العربي
2011-04-20
يقع
هذا المخيّم - أو المعسكر سابقاً - بالقرب من مدينة الخالص، إحدى المدن
التابعة لمحافظة ديالى العراقية المحاذية للحدود الإيرانية، هذه الحدود
التي تبعد حوالي 110 كم فقط عن العاصمة بغداد. يعيش في هذا المخيّم حوالي
3500 لاجئ تابعين لمنظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة، الذين استضافهم
العراق في ثمانينيات القرن الماضي، رداً بالمثل عندما كانت إيران تحتضن
عناصر وتجمعات ما سميَّ في حينه بالمعارضة العراقية، التي هي نفسها التي
تواطأت مع القوات الغازية ثم شرعنت الاحتلال، وهي الان تحكم في المنطقة
الخضراء ورسمت ملامح العملية السياسية الفاسدة منذ حصول الاحتلال في عام
2003 ولحد الان.
لقد
كان معسكراً لمعارضة إيرانية مسلحة، ثم انتهى كل شيء بعد غزو العراق
واحتلاله وتم تحويله الى مخيّم إنساني للاجئين وتحت إشراف وسيطرة القوات
الأمريكية المحتلة. ثم انتقلت السيطرة عليه إلى ما يسمى بالحكومة العراقية
في كانون الثاني/يناير 2009 كعربون لتوقيع اتفاقية صوفا التي تعرف باتفاقية
سحب القوات الامريكية بنهاية هذا العام، وترضية لإيران في آخر المطاف.
ومنذ
ذلك الحين يتعرّض هذا المعسكر الى حصار شامل غير إنساني، والى سلسلة من
المضايقات وعمليات اقتحام عسكرية من قبل قوات الحكومة وميليشيات طائفية
مرتبطة بإيران، خلفت عددا كبيرا من القتلى والإصابات كان آخرها ما حدث في
ليلة 7/8 نيسان/ابريل الجاري التي راح ضحيتها حوالي 34 قتيلاً والعشرات من
الجرحى والمفقودين بحسب مصادر للامم المتحدة. والغريب ان احد هذه
الاعتداءات التي وقعت في نهاية عام 2009 كانت تهدف إلى ترحيل القاطنين في
المخيّم إلى منطقة نقرة السلمان غرب البصرة، وهو معتقل شهير بسمعته السيئة
منذ تأسيسه أيام الحكم الملكي، لانه كان بمثابة منفى للسجناء السياسيين
الذين كانوا يعارضون النظام الملكي الذي سقط في ثورة 14 تموز 1958.
وقد
تم غلقه في عام 1970، غير ان معارضي النظام الوطني الذي قاده البعث منذ
عام 1968 ولغاية احتلال العراق سنة 2003، يقولون بأنه اعيد استعماله، وان
الكثير منهم تم نفيهم الى هذا السجن النائي الذي يعتبرونه من اسوأ السجون
في العراق. والآن وبعد ان تمكنوا من السلطة يريدون ان ينفوا هؤلاء المساكين
الى تلك البقعة المهجورة والبعيدة عن اية معالم مدنية او حضارية.
تقول
حكومة نوري المالكي بان العراق دولة ذات سيادة ومن حقه ان يبسط سيادته على
كافة اراضيه وبضمنها مخيّم أشرف، كما ان هذا المخيِم متجاوز على اراضٍ
زراعية تعود ملكيتها للسكان القاطنين حوله، وان هؤلاء السكان متضررون من
ذلك ويطالبون بعودتها اليهم. وان من حق الحكومة ان ترحلهم الى مكان - آمن-
آخر تشرف عليه مباشرة وتكون مسؤولة عنهم وعن كافة احتياجاتهم لحين ترحيلهم
الى دولة أُخرى لانهم منظمة ارهابية تناصب العداء للجارة إيران.
غير
ان الوقائع هي ليست بهذا المنطق، بل ان هنالك مساومات وصفقات تجري تحت
الطاولة واحياناً علناً وبدون حياء وبعيدة عن شريعة حقوق الانسان
واللاجئين. إنَّ إدعاء حكومة نوري المالكي بان العراق دولة ذات سيادة هو
إدعاء باطل وغير صحيح، فالعراق لا زال بلداً محتلاً ويخضع لإرادة المحتل
الامريكي بالكامل وبالتالي فان مسؤولية مخيّم أشرف هي من صميم مهامه كمحتل
لازال جاثما على صدور العراقيين.
كما
أنَّ تسليم مصير أُناس عزّل، من الرجال والنساء والاطفال، بيد ميليشيات
طائفية مجرمة تدين بالولاء والطاعة العمياء لعدوهم هو أمر غير مقبول، ولا
يستقيم مع ابسط قواعد حقوق الانسان والشرعية الاخلاقية، لان مصيرهم سيكون
الحصار والتجويع والتعذيب إن لم يرحّلوا ويسلموا الى جلاديهم.
هناك
مساومات تجري بين قوات الاحتلال وإيران على حساب مصالح العراق والعراقيين،
خاصة ان استحقاق الانسحاب في نهاية هذه السنة قد اخذ يقترب بخطى متسارعة
والادارة الامريكية تريد تمديد بقائها من خلال مبعوثيها الكثر الذين لم
يخفوا رغبتهم في ذلك، ومن ضمن هذه المساومات تأتي قضية مخيّم أشرف في
المقدمة، وما الاعتداء الذي تم في ليلة 7/8 نيسان الجاري على هذا المخيّم
الذي تصادف بالضبط مع وجود غيتس وزير الدفاع الامريكي في بغداد، إلاّ إشارة
واضحة المعالم والاغراض ارسلتها إيران الى حليفها المحتل.
ان
هؤلاء اللاجئين هم ضيوف مجبرون لدى العراق وواجب الضيافة يقتضي إكرامهم
ومعاملتهم معاملة إنسانية تليق بآدميتهم وتليق بالعراق والعراقيين الذين
يكرمون ضيوفهم ويحسنوا معاملتهم لان أخلاقهم هي كذلك على مر التاريخ
والعصور بغض النظر عن هويتهم أو شكلهم او فترة مكوثهم، وهذا هو موقف
الاغلبية الساحقة من العراقيين الذين لا يعتبرون حكومة المنطقة الخضراء هي
حكومة تمثلهم وتتكلم وتتصرف باسمهم، بل هي العوبة بيد المحتل تنفذ فصول
مسرحيته الاحتلالية ورغبات الجار السيئ الذي دمّرَ نسيج المجتمع العراقي
بعنصريته وطائفيته ومشاريعه العدوانية.
مساكين هؤلاء الساكنين في مخيّم أشرف، فقد صاروا ضحية لقوى الضلال ومساومات اعداء الشعوب والانسانية،
وكما قال لي عدد من انصارهم في لندن، فان مصير هؤلاء قد ارتبط بمصير العراقيين جميعا
واصبحت قضيتهم قضية كل العراقيين وان حلها يكمن بحل قضية العراق والعراقيين
عن طريق التحرير الناجز وعودة العراق الى شعبه وقيمه الانسانية والنبيلة
' أكاديمي وسياسي عراقي مقيم في إنكلترا