الى افغانستان واسرائيل وصلت صهاريج النفط العراقي المهرّب !
جمال محمد تقي
اغلب الكتاب العراقيين المناهضين للاحتلال الامريكي وعمليته السياسية ، كانوا قد تناولوا موضوعة تهريب النفط العراقي ومنذ فترة مبكرة بعد غزو العراق عام 2003 ، وكان المدافعون عن حكومات الاحتلال وقتها يستنكرون هذه الكتابات ويعتبروها محاولات متجنية على الواقع ، بغرض تشويه حقيقة ما يجري في العراق الجديد ! اليوم يفضح قادة العملية السياسية بعضهم بعضا وبنفس التهم التي كان يتهمهم بها الكتاب المناهضين للاحتلال وعمليته السياسية ، وتلك الاتهامات مقرونة بالادلة والارقام والصور وعلى اعلى المستويات ، وزادت عليها تفاصيل اشد خطورة كتهريب النفط الى اسرائيل عبر الاردن . ربما كلمة تهريب وحدها لا تفي بالغرض ، عندما يراد منها تعريف حالة سرقة كميات وفيرة من النفط المنتج وبيعها بالسوق السوداء عبر مافيات عابرة للحدود ، لان المهربين انفسهم ، هم من يفترض بهم تحمل مسؤولية تصدير النفط المنتج وزيادة الكميات المصدرة منه وبالتالي زيادة العائدات التي تعود على الدولة التي يحكموها بالنفع والفائدة . السيد حسين الشهرستاني نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة اقر بنفسه في لقاءات تلفزيونية عديدة بان كميات النفط المنتجة عراقيا هي اكبر من الكميات المصدرة حاليا ، وعليه يصبح من الممكن التصرف بالكميات المنتجة والتي لا تصدر عبر الطرق الرسمية وانما بطرق اخرى جانبية او متخفية لانها لا تتم من نفس منافذ التصدير المكشوفة . العراق ينتج حاليا اكثر من ثلاثة ملايين برميل يوميا ، اما ما يصدره فعليا وبكشوف معلنة فهو مابين 2 , 2 ـ 6 ,2 مليون برميل يوميا ، واحيانا تتراجع كميات التصدير الى حوالي 8, 1 مليون برميل لاسباب بعضها فني والبعض الاخر مفتعل ، واغلب الكميات المنتجة غير المصدرة تصرف عن طريق الاستهلاك الداخلي وعن طريق التصدير الاسود ، وهذه العملية تنطبق ايضا على ما ينتجه اقليم كردستان من الحقول التي تقع تحت سيطرته في مناطق دهوك واربيل ، والتي تنتج بمجموعها حوالي 200 الف برميل يوميا كان يصدر منها حوالي 165 الف برميل يوميا عبر الانبوب الرسمي اي الانبوب الاتحادي الذي يمتد من كركوك وحتى منصات ميناء جيهان التركي ، ثم هبط تصدير الاقليم الى حوالي 65 الف يوميا والى 50 الف والان توقف التصدير تماما بقرار من وزير الطاقة الكردي اشتي هورامي، وللاقليم تجربة سابقة ومتواصلة بتصريف ما تنتجه حقوله منذ ماقبل احتلال العراق وبطرق غير رسمية وغير معلنة ، لكنها كانت محدودة وتجريبية بحكم حداثة عمليات الاستخراج منها ، فتلك الحقول كانت مكتشفة من قبل وزارة النفط منذ ماقبل حرب الكويت ، وعندما وقعت منطقة الزوم الامن بالكامل تحت سيطرة حزبي البرزاني والطالباني وبحماية امريكية استثمر الحزبان باتفاقات غير شرعية مع بعض شركات النفط لاستخراج النفط من تلك الحقول وفعلا بدأت عمليات الحفر والاستخراج في نهاية التسعينيات وزادت التوسعة بعد احتلال العراق ، وكانت حكومتي الاقليم في سوران وبادينان تبيعان الكميات البسيطة المنتجة بواسطة اسطول من السيارات الحوضية لمافيات السوق النفطية السوداء العابرة للحدود ، والتي تنفذ الى ايران وتركيا ، وبعد ان وجدت حكومة الاقليم بان الانتاج قابل للتوسع وبكميات يومية كبيرة لا تتحملها وسائط السوق السوداء اتفقت مع وزارة النفط العراقية على ربط حقولها بالانبوب العراقي المار الى الاراضي التركية ، بشرط ان تحسب عائدات النفط الكردستاني وتسدد عبر طريقين الاول من خلال زيادة حصة كردستان من الميزانية السنوية العامة للعراق وجرى الاتفاق مع حكومة المالكي على جعلها 17 بالمئة بدلا من 13 بالمئة ، وعبر تسديد مباشر لفواتير الشركات العاملة في هذه الحقول واعمال الصيانة والتوسعة ، واتفق الجانبان على ان تكون هذه الترتيبات مؤقتة حتى يصدر قانون مركزي جديد للنفط والغاز ، لكن حكومة الاقليم اخذت تعلن عن عقود جديدة مع شركات نفطية اخرى لغرض الكشف والتنقيب والاستخراج وفي كل المناطق الواقعة تحت سيطرتها ومن دون مراجعة الحكومة الاتحادية مما سبب بازمة حادة جديدة هدد بموجبها الشهرستاني بمعاقبة كل الشركات النفطية التي تبرم عقود جديدة مع حكومة كردستان ، ثم اعلن استقطاع حصة النفط المصدر من اقليم كردستان ومن دون موافقة وزارة النفط العراقية من حصة الاقليم من الميزانية مثلما ستستقطع من الحصة متوسط ما يدخل الاقليم من ضرائب كمركية ومكوسية ، هنا جن جنون الامراء الاكراد وراحوا يمارسون ضغوطا متعددة لاجبار الشهرستاني على التراجع وكان اخرها هو ايقاف كامل للنفط المصدر من حقول الاقليم عبر الانبوب العراقي ، ومن الواضح ان امراء الاقليم سيتضررون كثيرا عندما يكون ريع نفط الاقليم محسوبا بالارقام ضمن الميزانية العراقية ، بينما كان الريع يدخل جيوبهم وجيوب اتباعهم ، وبحسب واقع الحال يرى الامراء ان كفاية اهل الاقليم ، فيما ينوبهم من مفردات الحصة التموينية التي تدفع اصلا من الميزانية العراقية العامة ، وايضا فيما توفره الاستثمارات الخاصة والعامة من فرص للعمل والبناء في الاقليم ! منافذ البصرة والعمارة والكوت الحدودية المائية والبرية كانت ومازالت هي جسور لعبور كل المهربات المتبادلة وعلى راسها النفط المسرب تهريبا الى ايران ، ومن خلال المافيات النفطية المحمية من الجهات المتنفذة في ايران والعراق ، ونشاطها هذا جزء مهم في سلسلة متصلة من العلاقات العلنية والسرية بين الجانبين المتنفذين على طرفي الحدود ، فالاحزاب الحاكمة وميليشياتها تعتاش على هذه التجارة الرائجة لاسيما وان التداخل بين التطلعات الاستراتيجية لكلا الجانبين هو سيد الموقف في حكومة بغداد ، فتصريف ازمة ايران الاقتصادية جراء الحصار الدولي المفروض امريكيا واوروبيا عليها من خلال تحويل العراق الى رئة تتنفس من خلالها اوكسجين العملات الصعبة ، وجعله مركزا تجاريا لبضائعها ، هو سياسة غير معلنة للمالكي .العراق يستورد من ايران الكهرباء والبنزين ، وبذريعة مد انبوب الى عبدان لمبادلة النفط بالبنزين الايراني يضخ ما يراد تهريبه من نفط يراد بيعه باسعار تفضيلية لحساب المتنفذين في حكم العراق ، اما بعض الميليشيات فانها تتفنن في شفط الانبوب النفطي الرسمي من حقول الحلفاية او الرميلة ومن نقاط محددة وبطرق منظمة وعبر شاحنات او طوافات مائية مستعينة بواجهات تجارية تمتهن هذه الاعمال ، وعند اكتشاف امرها فانها تختفي هاربة الى الجانب الاخر من الحدود حتى اشعار اخر . لقد كشفت لجنة النزاهة البرلمانية وبعض نواب محافظة البصرة ما يجري من فساد مالي وادراي في وزارة النفط وما يشوب تعاقدات مشاريعها من شبهات يغطي عليها الجو السائد وما يغلفه من تعاضد بين الجهات الحكومية المتنفذة برلمانيا وقضائيا ! لم يخطيء من قال : اذا تلاسن اللصوص لا يتوقع ان تبقى بينهم اسرار ، صحيح ان اغلب هذه الاسرار كانت مكشوفة للكثيرين ، ولكن هناك اسرار اخرى لم تكن مكشوفة من قبل ، ومن اهمها هو وصول النفط العراقي لاسرائيل وبشكل متلاحق عبر ميناء العقبة ، وبكميات لا تقل عن 15 الف برميل في كل وجبة ، وهذا الكشف جاء على لسان فرهاد الاتروشي عضو مجلس النواب العراقي عن التحالف الكردستاني ، الشهرستاني استنكر ما جاء على لسان الاتروشي متوعدا بمقاضاته مدعيا انه لا يملك اي دليل يثبت ما اعلنه ، فرد عليه الاتروتشي متحديا بانه يملك ما يبرهن ليس قفط فساد وزارة النفط العراقية وانما بفشله شخصيا اي الشهرستاني في تحقيق اي نجاح حقيقي في مجال النفط ، وانه لن يخشى القضاء لانه يعني ما يقول ، وقبل ذلك كان الشهرستاني قد اتهم قادة الاقليم بتهريب النفط لايران ومن ثم افغانستان ، وانهم يتسببون بخسارة العراق لاكثر من 6 مليارات دولار سنويا ، ومتوعدا ، بان ايقافهم لتصدير النفط عبر الانبوب العراقي لا يجب ان يمر دون عقاب ! تهريب النفط واحدة من فضائح امراء الملل والنحل في عراق اليوم الذي يعاني من كل اشكال التهريب المألوفة وغير المألوفة . عراق حكامه هم اول من يخونه ويخون مصالح شعبه ، حتما هو ليس بخير ، وايضا ليس من المألوف صبره عليهم !