المكتب الاعلامي
عدد المساهمات : 3050 نقاط : 60723 تاريخ التسجيل : 14/10/2010 الموقع : http://www.ashairjanob.com
| موضوع: الصراع الإقليمي التركي الإيراني وتداعياته على العراق أمير المفرجي الجمعة مايو 25, 2012 7:16 pm | |
| الصراع الإقليمي التركي الإيراني وتداعياته على العراق
أمير المفرجي
مع تراجع الدور الأمريكي في المنطقة في عهد الرئيس باراك أوباما، نتيجة للانسحاب العسكري من العراق وتخلي ألإدارة الأمريكية عن نظام الرئيس السابق حسني مبارك في مصر، عمدت الدول الإقليمية الكبرى كتركيا وإيران الى تعزيز نفوذها الاستراتيجي القومي في العراق وسوريا وفي بعض الدول الخليجية، بالرغم من الاختلاف والتناقض الكبير في البنية الاجتماعية والمذهبية بين هذه الدول الإقليمية الاسلامية، وما بين الدول العربية كالعراق وسوريا والبحرين. وعلى الرغم من أهمية الارتباط الديني وأهمية الدين الإسلامي كقاسم مشترك بين أغلبية دول الشرق الأوسط، بيد ان الاختلاف المذهبي في رؤية وتفسير الدين قد تزيد من احتمالات بداية نشوء صراع تركي إيراني للسيطرة على العراق وسوريا من جهة، وصراع عربي إيراني للسيطرة على منطقة الخليج العربي (البحرين) من جهة اخرى.
فتركيا وبالرغم من الدور الذي حددته لها سابقا الإستراتيجية الأميركية انطلاقا من وجودها في حلف شمال الأطلسي، فيما يتعلق بعلاقاتها العسكرية الدولية التي تخدم الحلف لمواجهة خطر الاتحاد السوفييتي، إلا ان التحولات والتغيرات التي حصلت في العالم بعد انتهاء الحرب الباردة، ومن ثم تراجع الدور الأمريكي نتيجة للانسحاب العسكري من العراق، وبداية ظهور عالم متعدد الأقطاب قد حتم عليها تغيير الاتجاه والذهاب نحو إستراتيجية موضوعية تضمن لها الانفتاح على جيرانها، ومن ثم السيطرة على محيطها الإقليمي وكما مثلته مرحلة الإمبراطورية العثمانية كقوة إقليمية كبيرة وإحدى القوى العالمية في تلك الفترة.
أما إيران فيكفيها من امتلاك العراق الذي سلمته الولايات المتحدة لها على طبق من ذهب، وبعد أن وضعت يدها على الجزر الخليجية العربية وتغلغلها المذهبي في البحرين. فهي التي طالما حلمت وطمحت في التغلغل في بلاد الرافدين ودول الخليج للوصول إلى أهدافها التاريخية، التي كشف حقيقتها (التسمية الفارسية) للخليج العربي، ورفض الجمهورية الإسلامية التفريط بالإستراتيجية القومية التي عرفتها بلاد فارس والتي تقوم على فكرة السيطرة عن طريق تشييع وتفريس العراق ودول المنطقة.
من هذه المنطق فلا يمكن قراءة أي حدث في المشهد السياسي العراقي وتطوراته بعيداً عن صلة إيران وتركيا ومتابعتهما لتغيرات الموازين ومصالح القوى في العراق. فقد كان لبروز تنافس كتلتين قوميتين إسلاميتين في المنطقة، أحداها تركية عثمانية سنية، والأخرى إيرانية فارسية شيعية المذهب الأثر الكبير في إضعاف المجتمعات العربية المتآلفة بعد ان طغى الدين السياسي بشقيه المذهبي العنصري على أحداث المشهد السياسي وتحالفاته. فمن جانب، هناك محور إيران، وأحزابها الحاكمة في العراق. ومن الجانب الآخر هناك محور تركيا والأحزاب الاسلامية السنية القريبة منها.
وعليه فثمة أدوار خارجية تؤثر في مسيرة هذه المجتمعات العربية، ويزداد تأثيرها كلما ازدادت ألازمات وعجز عن وضع الحلول الوطنية لها، حيث لا تزال تركيا وإيران تتربص بعضها البعض ولا تتردد بخوض صراعات لمد نفوذها وتحسين قواعد هيمنتها، مستثمرة أزمات الآخرين ومشكلاتهم، وهذا ما يترجمه بوضوح المشهد العراقي والصراع المتفاقم وما رافقه من تداعيات خطيرة على صعيد الوضع الداخلي للمجتمع وأثر العامل الخارجي التركي والإيراني في رسم علاقات القوى الإقليمية مع الاحزاب التي تدور في فلكها في العراق.
ثمة من لا يرى بعين الموضوعية طبيعة التحولات النوعية في إستراتيجيات الصراع التركي والإيراني في العراق والتي هي قبل كل شيء صراعات نفوذ قومية للتمركز والدفاع عن المصالح العليا لهذه الأمم. حيث تتبع كل من طهران وأنقرة سياسة خارجية مستقلة، قائمة على أساس مصالحها وهويتها التاريخية والجغرافية. وحيث انه على الرغم من ان تركيا وإيران تنتهجان سياسة قومية، فإن تداعياتها الداخلية في العراق بصورة خاصة وفي المنطقة بصورة عامة تحولها إلى صراعات طائفية بين الاحزاب الدينية العراقية وهذا ما سيزيد من صعوبة الوضع في المنطقة.
ونتيجة لغياب القاعدة الوطنية الواسعة بعد غياب (دولة الوطن) و إبدالها بـ (دولة المكونات)، اتكأ الساسة العراقيون على تركيا وعلى إيران وكل حسب مذهبه، انطلاقا من مبدأ التضامن الفئوي المذهبي الضيق، وقدرة هذه القوى الاقليمية في الدفاع عن امتيازاتهم وأحزابهم الطائفية التي جاءت بهم (المحاصصة) للسلطة. وهذا ما قد يعطي الانطباع الخاطئ بأن أهداف السياسة الخارجية لإيران وتركيا في المنطقة على إنها مساع طائفية هدفها خدمة المكونات المماثلة لها والتضامن معها. الا ان الحقيقة هي غير ذلك. حيث تعمل هذه الدول الاقليمية لبناء مناطق نفوذ مذهبية تخدم الاستراتيجيات القومية لمواجهة النفوذ المعادي للدول المتصارعة وهذا ما يؤكد المخاوف من تزايد الخلاف السني الشيعي في المنطقة وهو مؤشر واضح بالمسؤولية الغير مباشرة لإيران وتركيا في تغذيته وتوسيعه. وقد يكون موضوع تواجد نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي القريب من تركيا في أنقرة خير مثال لفهم أسباب ارتفاع وتيرة الخلاف التركي العراقي بعد التدخل الإيراني في هذه القضية عن طريق مطالبة طهران لحليفها لنوري المالكي بتنفيذ هذه المهمة.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نتفهم أيضا تشبيه الأشقاء السوريين ما يجري في سوريا من تفرقة وقتل للشعب السوري بعد التطورات الأخيرة التي شهـــــدتها الثورة الشعبية على انه صراع بين محوري نفوذ في المنطقة، المحور الإيراني والمحور التركي. ان ما يجري في العراق اليوم هو بلورة لصراع خارجي، وقد لا تغير هذه الحقيقة مساندة بعض الجهات المذهبية العراقية المتطرفة لهذا الطرف أو ذاك من أطراف الصراع الذي تمثله كل من تركيا وإيران. وهنا لابد لنا من الإشارة الى مسؤولية النظام الطائفي العراقي عن تحضير التربة وتهيئة الفرص المناسبة للتأثيرات الاقليمية الخارجية، سواء كان هذا على مستوى تغييب الحريات، أو على مستوى انتشار الفساد والطائفية، أو على مستوى سوء الأحوال المعيشية وفقدان الخدمات الاساسية في المجتمع.
فما بين إيران الطامحة والطامعة لمد نفوذها في المحيط الجغرافي العراقي والخليجي، وبين تركيا ودورها التاريخي في المنطقة، أصبح من (الواجب ومن المهم) أن تختار أنقرة وطهران حلفاءها في العراق والمنطقة، فتتخذهم كوسطاء لخير ولصالح الأمة الإيرانية والتركية وطموحاتهما الإستراتيجية، ينظرون بعيونها ويُفكرون بتفكيرها. وعلى طريقة الولاء (للطائفة والمذهب) في حكم العراق، تشرع الاحزاب والشخصيات العراقية التابعة للمد العثماني والفارسي في وضع (الصحيح والمنكر) في (الوطنية)، ولا تتردد عند تناول موضوع النفوذ الإقليمي الاجنبي في العراق بالتطاول على العراق والعروبة وتفريق شعبه، حين ترى في الصراع الاقليمي التركي الإيراني وتداعياته المذهبية على بلاد الرافدين فرصة العمر في تثبيت النفوذ والبقاء في السلطة، بعد أن تطاول الأعداء على الوطن ورموزه المستقلة الوطنية في العراق
| |
|