حال العراق اليوم هو امتداد لما تم اقراره من قبل مخططى السياسة الامريكية تجاه منطقة الشرق الاوسط الذى شهد تطورات درامتيكية خلال النصف الاخير من القرن الماضى وبالتحديد بعد انتصارها على المانيا الهتلرية والتى تكبدت فيها خسائر مادية وبشرية دفاعا عن اوروبا المهزومة من قبل المانيا الامر الذى تطلب منها عن التعويض على مافقدته فى الحرب ووجدت بانها ستكون سيدة المنطقة وبكل ماتحتوية من مواد اولية وبحور النفط التى تسبح عليها كي تعوض ماتكبته من خسائر جراء دفاعها عن حلفائها الغربيين وليس من المنطق ان يكون للاقطار العربية وانظمتها الهزيلة اى دور بهذا الشان كونها مسلوبة الارادة والتصرف بمواردها او بمستقبلها حتى وان تمكنت احيانا فى التعبير عن رفضها للسسياسات المستخدمة تجاهها من قبل الاقوياء وخصوصا بعد اقامة الدولة العبرية على ارض فلسطين وبروز مواقف سلبية تجاه الحكومات المنصبة فى ذلك الوقت وتحركات لبعض الضباط هنا وهناك اتصفت بالوطنية ولكنها لاتخرج عن المدى المحدد لها لانها عبارة عن امتصاص حالة الغضب الذى كان يحمله طلبة المدارس والجامعات وهى فى احسن احوالها التظاهر او الاعتصام ولكن تبقى حدود المعرفة لما مخطط للمنطقة مجهول لكثير من الساسة والاحزاب والحكماء فكان لتاسيس جامعة او اقامة مشروع صناعى بسيط او توفير وسائل للنقل والعلاج للمواطنين يعد من الاولويات المطلوبة ولهذا لم يستوعب العراقيين ماكان يخطط له نورى سعيد(الباشا) رئيس وزراء العراق ابان الحكم الملكي عندما طالب بزيادة عائدات النفط من الشركات المستثمرة لحقول النفط او المطالبة بالكويت فى حين قامت الدنيا ولم تقعد تجاه مايقوله عبد الناصرعن الثورة العربية التى كانت قنابل صوتيه لاتفيد ولا توذى سوى تاجيج الشارع السياسى , وظللنا لفترة من الزمن ولحد الان تجاه منطق العواطف البعيد عن الواقع فالذى فعله رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى السابق نكيتا خروشوف فى الامم المتحدة عندما رفع حذاءه تعبيرا عن دورها فى حل المنازعات فى العالم قد اضحك الناس ولكنه لم يغير من امرها شيئا وكذلك فيدل كاستروا زعيم كوبا واخرين ياسر عرفات مثلا فالفلسطنيين قدموا عشرات الالوف من الشهداء حتى يسنردوا حقوقهم منذ الخمسينيات ولحد الان الا ان ماقررته الامم المتحدة فى 1948 تجاههم لايجد قبولا لحد الان بل تحقق العكس اى لم يعد قرارالتقسيم مقبولا بالنسبة للاسرائليين وحال العراق الان ومصر والسودان واليمن وسوريا وماخفى كان اعظم والله يستر ولاشك فان كثير من البعثيين وهم المتمرسين فى الشان العربى الذين مرت عليهم ايام الحرب مع ايران واحداث الكويت لازالوا لايجدون جوابا واضحا تجاه موضوعها ولكنهم قد يكونوا متاسفين للخطا الذى اوقعوا العراق فيه بل الاصرار على نفس الخطا الذى فعلوه تجاه احتلال الكويت وهم لازالوا يرددون مع انفسهم بان ذاك الغيم جلب هذا المطر اى ان احتلال الكويت جاء بالامريكان لاسقاط نظام البعث الذى اخاف امريكا وليس لاسقاط القائد صدام وفى كل الاحوال فان الموضوع اكبر بكثير من هذه الصورة فالذى كشف عن موضوع العراق والمنطقة يوضح لنا بان ساسة العراق والعرب لايمتلكون قدم فى الموضوع لاعالى ولا ناصى وان ماقيل عن الموضوع ينقله الخبير الاستراتيجى الامريكى ويدعى تشارلزويليام ماينز بان الادارات الامريكيةةومخططي استراتيجياتها لا يخفون أبدا إطماعهم النفطية في الشرق الأوسط ، كما أن أمريكا لا تفشي سرا بان النظام الدولي الذي تريد تأسيسه مشروط بالهجوم العسكري على أي نظام يختلف معها في المسائل المتعلقة بمصالحها ، وتستبعد اللجوء إلى الحوار في إطار المؤسسات القانونية والسياسية والاقتصادية الإقليمية والدولية .. ومع كل ما حصل في العراق لابد أن نشير هنا إلى إحدى المفاجآت الاستراتيجية غير السارة بالنسبة للاحتلال الأمريكي ، فنقول : إن ما كان يقال في واشنطن أن غزو العراق سيصبح نموذجا لغزو دول أخرى قد تلاشى وتبخر وتحول إلى وهم كبير، فإذا بالغزو يتحول إلى كابوس بالنسبة للولايات المتحدة نتيجة الضربات الموجعة للمقاومة الوطنية العراقية والرفض الشعبي لهذا الاحتلال ، ناهيك عن تكاليف الحرب الأمريكية الباهضة في العراق والتي تقدر بأكثر من ( 357) مليار دولار ترتفع كل شهر بما يزيد على سبعة مليارات ، وتؤكد هيئة أبحاث الكونكرس أن النفقات الشهرية للحرب ستزيد وتصل إلى 9,8 مليار شهريا ، وإذا استمرت القوات الأمريكية في العراق حتى عام 2010 فان التكاليف سوف تتجاوز تريليون دولار ، أي ألف مليار دولار وقد دفعت هذه الحقيقة الكثيرمن مؤيدى الحرب على العراق إلى التراجع عن موقفهم ومنهم البروفيسور ( فوكوياما ) الذي سبق أن طالب الرئيس السابق كلينتون في عام 1998 بإسقاط النظام العراقي ..يقول ( فوكوياما ) : (الآن ثبت أن الحرب في العراق كانت خطأ وقع نتيـجة لأوهام ) .. فكل ماسوقته الادارة الامريكية لحربهاعلى العراق قد فشل فشـــــلا ذريعا ، بدءا من أسلحة الدمار الشامل وانتهاء بتحرير العراق وإقامة نظام ديمقراطي ، فيما النتائج ليست بعيدة عن العين ، حيـــــــث الموت اليومي و نذر الحرب الأهلية وحيث تقف المنطقة برمتها على مفترق طرق جديد وحيث سقوط الأكذوبة الأكبر القائلة ( أمريكيا ) بان العالم أصبح أكثر أمنا بعد غزو العراق .. فان العديد من المحللين اصبحوا على قناعة تامة بان الإدارة الأمريكية لم تكن تملك بأي حال من الأحوال رؤية واضحة للتعامل مع الملف العراقي وان هذا المصطلح لم يكن إلا اختراعا ناتجا عن فشل السياسات الأمريكية في العراق ، أمنا واستقرارا ، وإعادة أعمار وغير ذلك من المفردات التي طالما قامــت الإدارة الأمريكية بتسويقها ، فبعد إعلان الرئيس بوش ، بعد أسبوعين من احتلال العراق ، انه انتصر في هذه الحرب ، نجد أن الحرب الفعلية كانت قد بدأت حينذاك وظلت هكذا ، حيث لم تفلح الإدارة الأمريكية في حماية احد بما في ذلك جنودها ، وتحولت القوات الغازية إلى قوات أمنية لضمان امن وحياة الجنود الأمريكيين ، رغم استخدام مختلف أنواع الأسلحة الأكثر فتكا في العالم ، بما في ذلك الطائرات والصواريخ والأسلحة المحرمة دوليا .. كم ان الحرب الاهلية فى العراق تطلّ عبر النتائج أيضا ، أما الحرب الأخرى المسماة حرب الجثث ، حيث القتل الطائفي والعرقي ، يغذي الموت الذي يطال المئات يوميا ، وفي كلتا الحالتين ينفض الأمريكيون أيديــهم ليقولوا أنهم لن يتدخلوا في حرب أهلية فيما إذا اندلعت .الذى يطرح نفسه هو لماذا حصل كل هذا في العراق ومن المسئول عن ذلك ؟ وفي إجابة عن هذا الســـــــؤال يقول البروفيــــــــسور ( ها وارد زين ) اشهر مؤرخ أمريكي ان دروس حرب العراق تبدء مع التاريخ الامريكى وعلينا أن نواجه بعض الحقائق التي تزعج فكرة ( الأمة الطاهرة ) بشكل فريد ، يجب أن نواجه تاريخنا الطويل في التطهير ألاثني ، الذي هجّرت فيه حكومة الولايات المتحدة ملايين الهنود من أرضهم بواسطة المذابح وعمليات الإخلاء ، يجب أن نواجه تاريخنا الطويل وهو ما زال حاضرا ، من العبودية والتفرقة والتمييز العنصري ، ويجب أن نواجه الذاكرة الطويلة الأمد لهيروشيما وناغازاكي ، وهو تاريخ لا يمكن أن نفتخر به .وذا كان هذا المفكر الامريكي غائبا عن نشر أفكاره أثناء الاستحضارات العسكرية والسياسية والأمنية تمهيدا لغزو العراق فان آخرين كانوا ضمن السلسلة القيادية في جانبها ألتنظيري لهذا الغزو .. يحرضون عليه ، أما اليوم فلنرى ماذا يقولون . فعليه ذكرى الحرب على العراق واحتلاله وفي مقابلات صحفية مع العديد ممن حرضوا الرئيس بوش على غزو هذا البلد ووفروا إطار العمل الفكري والآلية السياسية والإعلامية لحملته العسكرية ، يقرّون بأنهم كانوا على خطأ ، ولكن ماذا يفيد هذا الإقرار بعد خراب البصرة كما يقال . المهم ان هذه المقابلات تكمن اهميتها في أنها تعكس خيبة أمل الذين دعموا الغزو وأيدوه ، وكذلك تعكس القصور الفكري والسياسي الذي يتمتعون به ، وهم في مواقع يفترض أنها تستند إلى عناصر تتمتع بقدرات غير عادية ، خاصة وأنها تشارك في صنع قرارات تؤسس للنجاح أو الفشل في دولة تتطلع إلى السيطرة على العالم في كافة المجالات خاصة الاقتصادية منها . فهذا الصحفى ( ويليام بكلى) بانه لايساوره ادنى شك فى اخفاق الغرض من الحرب على العراق وان الحرب اثبتت عدم قدرة جيش مؤلف من 130 ألف جندي أمريكي في احتواء ما اسماها ( الأعمال العدائية ) في إشارة لعمليات المقاومة العراقية ، مشيرا إلى انه يتعين الآن انتهاج خطط بديلة ، ويعترف صراحة : ( جوهر القول هو الإقرار بالهزيمة فيقول : ( لقد تعلم العالم درســـا قاسيا ، إلا انه كان اشد قسوة على عشرات آلاف القتل: ( الاستجابة الصحيحة ليست في المزيد من اللف والدوران بل في الإحساس بالعار والحزن )وفى ضوء الاحداث والتطورات الماساوية في العراق لم يعد بأمكان الولايات المتحدة أن تخفي أن ديمقراطيتها الموعودة للعراقيين تحولت إلى موت يومي ، فالكاتب الأمريكي ( فولر ) الذي يعرف ماذا فعلت حكومته في أماكن أخرى من العالم ، يسوق الدليل التالي على مدى تورطها في مسلسل الموت اليومي الذي يعصف بالشعب العراقي من قتل واغتـيالات وزرع لبــذور حرب أهلية ، وبهذا المعنى يمكن ان يكون قيام مثل هذه الدول بمــثابة رد فعل دفاعي إزاء تهـديد الدولة الزعيمة ، وبهذا المعنى أيضا يمكن أن نفهم سبب حرص الولايات المتحدة على عدم ظهور زعيم طامح ..والمفارقة في الأمر هي أن هؤلاء يرون عدم وجود سبب قاهر للاعتقاد بان الولايات المتحدة سوف تستثنى من هذا المصير ..ففي السنوات العشر القادمة أو العشرين القادمة سوف تقود سياسة الهيمنة الأمريكية إلى ظــهور دول طامـحة كألمانيا واليابان والصـين ( وربما تعود روسيا أيضا إلى الظهور من جديد ) كدول عظمى قادرة على العمل كقوة توازي قوة الولايات المتحدة وبالتالي منافستها على خلق معطيات جديدة في الــــسياسة الدولية ويبقى موضوع الهيمنة على الشرق الاوسط . ومن هنا فان الاحزاب ة الوطنية ومنها حزب البعث يكون الزاما عليه ان يتعامل مع معطيات المستقبل السياسى للمنطقة ومنها العراق لان ظواهر تراجع المواقف الثابتة للادارة الامريكية ستكون حالة ايجابية للاستفادة منها اعترافا بالخطا الذى ارتكبته تجاه القوى الوطنية العربية ومنها القضية الفليسطنية.
استنادا إلى هذا فان استراتيجية الخطاب السياسي الأمريكي تتعامل مع الشرق الأوسط على انه يضم دولا محورية تشكل قاعدة أساسية للنفوذ الأمريكي ودولا محورية نقيضة تشكل تهديدا للمصالح الأمريكية ، لــــــذلك يدعو الباحث والخبير ( كنيدي ) الولايات المتحدة أن تتبنى سياسة انتقائية في علاقتها بالدول النامية وان تحشد طاقاتها في دعم الدول المحورية بدلا من أن تبعثر اهتمامها عبر المعمورة بأسرها .. ويرى الخطاب الأمريكي أن مصر دولة محور في الشرق الأوسط إلى جانب تركيا ، لأنها ، حسب تعبير الخطاب ، وظيفة للاستراتيجية الأمريكية ، فالسلطة فيها قادرة على احتواء المد الإسلامي ، حسب تعبير كنيدي ، ودبلوماسيتها تركز جهودها على استمرار ديمومة الحياة لعملية السلام مع إسرائيل ، لذا يرى ( كنيدي ) أن سقوط هذه السلطة من شانه أن يؤدي إلى انتشار الفوضى السياسية وبالتالي إلى امتداد النفوذ الإسلامي إلى بلدان أخرى في الشرق الأوسط والى سقوط عملية السلام واتساع دائرة الأنظمة المعادية والمهددة للمصالح الأمريكية ..
مقابل هذه الرؤية فقد سعى ( هنتنغتون ) إلى وضع حد للجدل القائم حول موقع مصر ، فحسب رأيه ، ليس لمصر مقومات المركز وبنظره فهي لاتملك مقومات الدولة المركزية ، وأشار إلى تركيا واندونيسيا على أنهما دولتا مركز لتوفر عناصر التنمية فيهما ..
وفي نفس الاتجاه سار ( بريجنسكي ) الذي ذهب إلى حد تغييب دور مصر والدول العربية ، فاعتبر تركيا وإيران دولتان محوريتان في المنطقة بسبب تأثيرهما على ( قلب روسيا ) ..من هنا فان هذه الحرب ليست فقط منازلة بين الجيوش ، إنما هي منازلة استراتيجية لها تفرعات وتداعيات تمس جميع مظاهر الواقع العربي والإقليمي والدولي بكل هيكليا ته المتداخلة والمتبادلة التأثير ..
لقد كُتب عن هذا الموضوع مقالات ودراسات وكتب غربية كثيرة عكست حقيقة أهداف الحرب الأمريكية على العراق وأشارت هذه المصادر إلى ابرز هذه الأهداف وهي احتلال هذا البلد وإسقاط نظامه وما ترتب على ذلك من تدمير لمؤسسات الدولة فيه ومرافقها كافة والعبث في وثائقها أو حرقها وحل الجيش ومؤسسات الأمن الوطني والتأسيس لنظام حكم طائفي وإشاعة الفوضى في البلاد وحرمانها من الأمن والاستقرار لفترة طويلة وسرقة ثرواتها عبر مشاريع وهمية أو غير منتجة وخلق الأجواء لانتشار الفساد الإداري والترويج لتجارة القتل والحرق والسلب والتخريب والمخدرات … إلى غيرها من الأعمال التي تصب كلها في هدف استراتيجي مركزي هو إنهاء الدولة العراقية ومحاولة قتل الروح الوطنية والقومية لدى أبنائها وإعادة بنائها وتأسيسها من جديد على أسس مغايرة لما تربى عليه العراقيون الشرفاء أصحاب التاريخ والحضارة من قيم وطنـــية وعربية وإسلامية نبيلة ، وذلك من اجل خلق جيل جديد يؤمن بالمباديء والقيم الغربية المؤسسة على الفكر الصهيوني والماسوني ويقبل بالتعايش مع إسرائيل كأمر واقع ومفروض ..
فقد قامت الولايات المتحدة والدول الحليفة باستخدام اليورانيوم المنضب المحرمة دوليا بكميات كبيرة خلال حربي 1991 و2003 ضد العراق مما نتج عنه تأثيرات خطيرة على الواقع الصحي والبيئي في العراق تسبب في موت الآلاف وإصابة عشرات الآلاف منهم بأمراض خطيرة كالسرطانات والتشوهات الخلقية والإجهاض المتكرر عند النساء وغيرها من الأمراض التي سيظل يعاني منها العراقيون لعشرات السنين القادمة..
وترى هاتان الدراستان أن هذا الاحتواء لم يسفر عن حدوث مجاعات أو ثورة شعبية أو عصيان مدني ، الأمر الذي جعل الأمريكيون يطورون خططهم لاحتلال العراق مع الإبقاء على سياسة الاحتواء ، وجاءت أحداث أيلول ، التي تشير مصادر مطلعة أن الإدارة الأمريكية على علم بها أو بجانب منها ، كي تتخذ منها ذريعة لإيهام العالم ، والشعب الأمريكي خاصة ، بوجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة ، ثم برز الادعاء بامتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي أثبتت الأحداث وعمليات المفتشين الدوليين بالعراق كذب هذا الادعاء وبطلانه ..
وهنا نتوقف قليلا لنشير إلى أن هذه التطورات التمهيدية للحرب على العراق واحتلاله شهدت موافقة معظم الأنظمة العربية أيضا على مبدأ تجريد العراق من أسلحته الاستراتيجية بالكامل ولم تشترط أن يتم ذلك على الأقل بالتزامن مع نزع أسلحة إسرائيل الاستراتيجية كحل شامل لسباق التسلح في المنطقة وإخلائها من جميع أنواع أسلحة الدمار الشامل ،.. لقد كان الموقف العربي المتردد وراء عدم حسم هذه المعضلات الحيوية وبالتالي لا بد من القول أن أمريكا قد نجحت فعلا في جعل الأنظمة العربية تستبدل المصير المشترك الممهد بالوعود الجزئية التي ليست من صلب القضية الكبرى للعالم العربي الإسلامي ، وهكذا تم تحييد إسرائيل وإخراجها من لعبة تدمير أسلحتها التدميرية الشاملة .. تلك هي باختصار الإخفاقات العربية التي أدت إلى وقوع الحرب على العراق دون شرعية دولية ..فالأنظمة العربية مقتنعة تماما أن أمريكا لها مخططات اكبر من تغيير النظام في العراق أو البحث عن أسلحته ، ولكنها رغم ذلك نجدها تتفرج على هذه التحولات الخطيرة التي ستطالها في يوم من الأيام طال الوقت أم قصر لكننا ندعو لله أن يحفظ شعوبنا العربية والإسلامية من كيدهم وخططهم ..
وهنا نشير إلى ما جاء في دراسة ( تشارلز ويليام ما ينز ) الذي يؤكد بان الإدارات الأمريكية ومخططي استراتيجياتها لا يخفون أبدا إطماعهم النفطية في الشرق الأوسط ، كما أن أمريكا لا تفشي سرا بان النظام الدولي الذي تريد تأسيسه مشروط بالهجوم العسكري على أي نظام يختلف معها في المسائل المتعلقة بمصالحها ، وتستبعد اللجوء إلى الحوار في إطار المؤسسات القانونية والسياسية والاقتصادية الإقليمية..وفي عنوان فرعي من دراسته هو ( الحرب من اجل إسرائــــــيل ) ابرز ( ماينز ) ما يأتي :
يمثل امن إسرائيل احد الأسباب الرئيسية للحرب ، إذ اتخذ عدد من أنصار إسرائيل الأقوياء في الولايات المتحدة قرارا باستغلال ألازمة لتعزيز الأمن الإسرائيلي ، ومنذ بدء تطبيق سياسة الحصار على العراق عام 1990 عارض هؤلاء سياسة العقوبات الاقتصادية ، لأنهم كانوا يرون أن أقصى ما يمكن أن تحققه على المدى القريب هو تحرير الكويت ، حسب الدراسة التي تشير إلى أن هؤلاء أصروا على أن تواصل الولايات المتحدة سياسة الاحتواء وعدم رفع الحصار حتى بعد انتهاء الحرب عام 1991 دون أن تحقق الأهداف التي كانوا يتوخونها وهي تدمير العراق بشكل كامل وإسقاط نظامه ، وهكذا يتأكد لنا بان الحرب على العراق عام 2003 وتدميره كانت بتشجيع ودعم اللوبي الصهيوني في أمريكا حتى قبل دخول العراق الى الكويت عام 1990 ، وهذا يعني أن مشكلة الكويت لم تكن سوى مسوغا وفرصة أما المخططات فكانت جاهزة منذ سنوات تنتظر التنفيذ العملي وعلى أساس أن إدارة الرئيس بوش قد قبلت مشروع اللوبي الصهيوني ، وهو استبدال الحصار الاقتصادي بالحرب المباشرة ..
أما دراسة ( جون د. شتانبر ) فهي تقييم لنتائج ما أسمته بحرب الخليـــــــج الثانية أو ( عاصفة الصحراء ) ..
أما الدراسة الثالثة التي أعدها ( كيسنجر ) ونشرها في (نيويورك تايمز ) عام 1992 ، فهي توضح البعد الاسـتراتيجي للخطاب الأمريكي في تعامله مع مسألة احتــلال العراق ، فــــقد ذكر ( كيسنجر ) أن حربي الخلــــــيج الأولى ( الحرب العراقية الإيرانية ) والثانية ( العدوان الثلاثيني على العراق عام 1991 ) لم تحققان اهد افهما الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة ، لذلك دعا صراحة إلى شن حرب ثالثة على العراق تحقق فيها الولايات المتحدة أهدافها التي ذكرها وهي:
إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط من جديد كي تتلاءم مع المصالح الاستراتيجية العليا للولايات المتحدة وتحقيق أمنها القومي على الصعيدين الإقليمي والدولي من خلال احتلال العراق بالكامل وإسقاط نظامه والسيطرة على نفطه ونفوط المنطقة وحماية امن إســـــرائيل ، وهذا يتطلب ، حسب رؤيته ، إقامة نظام ليبرالي في العراق يؤْمن بما اسماها القيم الديمقراطية الغربية ..
ولو عدنا إلى مسالة تقسيم العراق في الخطاب الأمريكي لوجدنا أن ما تقوم به قوات الاحتلال حاليا هو جزء من استراتيجية تقسيم العراق وتفتيته ، فالمعروف أن العراق كان في السابق دولة منفتحة يتعايش مواطنها بإخوة ومحبة دون تمييز أو تفريق سواء على الصعيد الجماهيري أو على المستوى الرسمي والوظائف الحكومية التي شاركت فيها نخب متعددة تمثل جميع أطياف الشعب العراقي حتى على مستوى القيادات العليا والوسطى سواء أكانت مدنية أو عسكرية أو تابعة لمؤسسات الأمن الوطني ونحن نتحدى من يقول غير ذلك كما كان الناس يتعايشون في أحياء مشتركة تضم السنة والشيعة والكرد والمسيحيين والصابئة واليزيديين وغيرهم تجمعهم محبة العراق والوحدة الوطنية الصميمية وكانوا يتزاوجون فيما بينهم ويتعايشون مع بعضهم لا يفرقهم مفرّق مهما كان عصيبا ، أما ألان فان العراق يمزقه العنف وتمزقه سياسة التمييز والتفرقة التي تعتبر من ابرز افرازات الاحتلال ، ويحذر تقرير جديد من الخبير في الشـــــؤون العراقية ( جوست هيلترمان ) أعده لمجموعة ألازمات الدولية ، وهي منظمة بحثية مقرها بروكسيل ، من أن على الولايات المتحدة أن تستعد لمواجهة احتمال تقسيم العراق إلى ثلاثة أجزاء أو أكثر بسبب العنف الذي كان نتيجة مباشرة للاحتلال الأمريكي ، ويرد مسئول أمريكي ، لم يكشف عن اسمه ، أن الولايات المتحدة ليست في حاجة إلى تحذير من وقوع هذه الكارثة ، فهي التي تسعى إليها للقضاء نهائيا على ما تبقى من دولة العراق الموحدة القوية .. وآخر ما طالعنا في هذا المجال هو قرار مجلس الشيوخ حول تقسيم العراق إلى ثلاث دويلات طائفية : كردية في الشمال وسنية في الوسط وشيعية في الجنوب ودعوات لتقسيم العراق إلى أقاليم في الوسط والجنوب الى غيرها من المشاريع المشبوهة كقانون النفط والغاز الجديد الذي نظم على أساس توزيع الأرباح حسب النسب السكانية لكل إقليم أو منطقة منتجة للنفط حيث لا تتعدى الأرباح المتبقية للحكومة المركزية الثلاثين بالمائة من المجموع الكلي للأرباح العائدة من بيع النفط العراقي ….
ويعترف احد المسئولين في الخارجية الأمريكية ، بان واشنطن قد شنت الحرب على العراق لأنه يشكل إزعاجا لإسرائيل ، ويؤكد هذا المســـئول : ( أن الضمانة الوحيدة لإزالة عنصر الإزعاج هو الإجهاز على الدولة العراقية وتحويلها إلى كيانات طائفية متصارعة تستنزف طاقة بعضها البعض ولا تمــــــــثل مصدر قلق لدينا
والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا حصل كل هذا في العراق ومن المسئول عن ذلك ؟ وفي إجابة عن هذا الســـــــؤال يقول البروفيــــــــسور ( ها وارد زين ) اشهر مؤرخ أمريكي :
إن دروس حرب العراق تبدأ مع التاريخ الأمريكي وعلينا أن نواجه بعض الحقائق التي تزعج فكرة ( الأمة الطاهرة ) بشكل فريد ، يجب أن نواجه تاريخنا الطويل في التطهير ألاثني ، الذي هجّرت فيه حكومة الولايات المتحدة ملايين الهنود من أرضهم بواسطة المذابح وعمليات الإخلاء ، يجب أن نواجه تاريخنا الطويل وهو ما زال حاضرا ، من العبودية والتفرقة والتمييز العنصري ، ويجب أن نواجه الذاكرة الطويلة الأمد لهيروشيما وناغازاكي ، وهو تاريخ لا يمكن أن نفتخر به .. ..
في المحصلة ، فان خلاصة هذه المقابلات تقول : إن إخفاقات غزو العراق كانت نتيجة مباشرة للطريقة التي تقرر بها الغزو في المقام الأول ، إذ لا يمكن الفصل بين الاثنين كما لو كان احدهما نتيجة قرار والآخر نتيجة مجموعة مختلفة من الافتراضات التي عبر عنها البعض المفكرين ومن السياسيين والتي خلاصتها : إن الولايات المتحدة ذهبت إلى الحرب وتبعتها بريطانيا استنادا إلى اعتقاد بان تغيير النظام في العراق قد يُمكن استخدامه كنموذج في إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط بأسرها وهذ مما يؤكد فشل تلك السياسة ومن المفيد لها المراجعة ولاعتراف بالخطا