الجنرال مارتن ديمبسي يبارك الوجود الايراني في العراق ويعتبره إيجابيا والعراقيون يحذرون من مساعي واشنطن وطهران لإبقاء البلاد تحت نفوذهما.
شرطي عراقي يلتقط صورا لزملائه خلال دورة تدريبية أقيمت شرقي الموصل
بغداد – يشكل التعاون الوثيق بين الأميركيين والإيرانيين لبسط نفوذهما على العراق تهديدا إضافيا للسلم الاجتماعي في هذا البلد الذي يشهد مخططا خطيرا يهدف إلى تغيير تركيبته الديمغرافية من خلال تهجير متعمد للطائفة السنية من الأراض المحررة من داعش.
أعلن رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، الجنرال مارتن ديمبسي، أنّ بلاده غير قلقة من وجود إيران في العراق، معتبرا أن نفوذ طهران أمر إيجابي لبغداد.
وقال ديمبسي، في مؤتمر صحافي عقد في البنتاغون، إنّ بلاده: “تتابع بشكل دقيق النشاط الإيراني في العراق، وهي ليست قلقة من الوجود الإيراني والشراكة مع بغداد، مادامت لا تهدد القوات الأميركية هناك”، مشيرا إلى أنّ “النفوذ الإيراني سيكون إيجابيا لو أسهم في تعزيز الروابط الثنائية بين البلدين اقتصادياً وسياسياً”.
وأضاف رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، أنّ “إيران كانت مهتمة بالعراق وسعت منذ استرجاع العراق لسيادته عام 2004 إلى التأثير على مستقبله من خلال نفوذها”، مؤكّداً أنّه “ما بقيت الحكومة العراقية ملتزمة بمنهجها الشامل بتمثيل جميع الطوائف المختلفة، فسيكون النفوذ الايراني إيجابياً”.
تصريح ديمبسي ليس الأول الذي يبارك الوجود الإيراني في العراق، فقد سبق وأن أكدت واشنطن أنها مع مشاركة إيران في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق، وذلك عقب الإعلان عن أول تدخل جوي إيراني ضد مواقع للتنظيم المتطرف.
وتشارك طهران منذ سقوط مدينة الموصل المفاجئ في العام الماضي بكل قواها في الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، حيث يوجد اليوم في العراق أكثر من 7000 مقاتل من الحرس الثوري الإيراني يقودون المعارك هناك تحت رئاسة مباشرة من قائد فيلق القدس قاسم سليماني.
وكان لطهران الدور الأبرز في تشكيل وتدريب الآلاف من عناصر الحشد الشعبي (مليشيات شيعية) تحت شعار قتال داعش.
الولايات المتحدة تتابع بشكل دقيق النشاط الإيراني في العراق، وهي ليست قلقة من الوجود الإيراني والشراكة مع بغداد
ورغم التصريحات الحادة أحيانا التي يطلقها مسؤولون إيرانيون ضد الولايات المتحدة الأميركية، وآخرها اتهامهم لها بدعم تنظيم الدولة الإسلامية من خلال تزويده “بالخطأ” بأسلحة متطورة، إلا أن المتابعين للمشهد العراقي يرون بوجود تعاون وثيق وتنسيق قائم الذات بين طهران وواشنطن، وإن كانوا يقرون في الوقت ذاته بوجود تنافس بين الطرفين. وهذا التعاون بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران لا يعود لأشهر بل لسنوات مضت وتحديدا قبل الاحتلال الأميركي للعراق في 2003.
فقد كشفت معطيات استخباراتية موثقة عن تعاون وثيق بين طهران وشخصيات دينية وسياسية عراقية تدين بالولاء لإيران وأميركا لإسقاط نظام صدام حسين.
وعقب سقوط النظام العراقي هرولت طهران عبر “وكلاء سياسيين” لتقاسم النفوذ مع واشنطن على البلاد، وقد تعزز هذا النفوذ في عهد نوري المالكي الذي عمل على جعل العراق شبه مستعمرة لدى طهران، ساعيا لقطع أيّ صلة له مع محيطه العربي.
ولكن الاحتجاجات التي ضربت البلاد منذ 2013 وتمدد تنظيم الدولة الإسلامية فضلا عن الضغوط الدولية دفع بواشنطن وطهران على مراجعة حساباتها وإعادة ترتيب البيت السياسي العراقي الذي أبقى البلاد تحت نفوذهما وإن كانت حكومة حيدر العبادي تبدو أكثر عقلانية من سابقتها.
ويرى العراقيون أن الأخطر في هذا التعاون الأميركي الإيراني يكمن في السعي لتغيير التركيبة الديمغرافية للمناطق العراقية بما يسهل السيطرة عليها وتقسيمها وهو ما يحصل حاليا في عدة مناطق. وتقوم طهران عبر ميليشيات الدعم الشعبي، وبتواطؤ أميركي بتهجير متعمد خاصة لأهل السنة في الأماكن المحررة من داعش، عبر عمليات ترهيب ممنهجة.
ودعا، أمس السبت، شيوخ عشائر من محافظة ديالى شرقي العراق، إلى وضع حد لما أسموه بـ”الخروقات الخطيرة” في المناطق المحررة من قبضة “داعش”، مطالبين حيدر العبادي القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء، بتفعيل دور أبناء العشائر في حفظ الأمن.
وعقب اجتماع عقدوه، السبت، في بلدة “قرة تبة”(70 كم شمال بعقوبة بمحافظة ديالى)، أصدر شيوخ عشائر “اللهيب” و”البو غافل” و”الندا الكروية” و”البو دراج”، و”شمر” و”العزاوية” وغيرها بياناً أكدوا فيه “حصول عمليات تخريبية من حرق وهدم للدور السكنية والمحال التجارية في عدد من المناطق بعد طرد مقاتلي داعش منها”.
وأضاف البيان أن تلك “الخروقات الخطيرة منبوذة وتثير النعرات الطائفية والعرقية”، مشيراً إلى أن “عدم سماح القوات الأمنية للأهالي بالعودة إلى مساكنهم في المناطق التي تم طرد داعش منها يعد انتهاكا خطيرا بحقهم”. وطالب شيوخ العشائر في بيانهم، رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باعتباره القائد العام للقوات المسلحة، بالإسراع في إيجاد حلول للمشاكل التي ذكروها، وضرورة نزول الجيش إلى المناطق المحررة والإسراع بتشكيل “الحرس الوطني”، وأن تعمل الحكومة على صياغة قانون تأسيسه، ومن المتوقع أن يضم أبناء العشائر لـ”مسك الأرض وحفظ الأمن في مناطقهم”.
من جهته شدد الشيخ حسيب اللهيبي من عشيرة اللهيب، على أن العشائر “ضد محاولات جهات معينة (لم يسمها) تسعى الى إحداث تغيير ديمغرافي في مناطق معينة وذلك من خلال طرد مكون معين من تلك المناطق ومنع عودتهم إليها”، دون أن يوضح تفاصيل أكثر.