كان (أثيل النجيفي) آخر المكذبين للتوقعات الدولية التي تحدثت عن انهيار هذا السد الآيل للسقوط والتصدع، وكان أول المقللين من أهمية التحذيرات المتكررة، فعقد مؤتمره الصحفي في حزيران عام 2012 لينفي أنباء الانهيار، ويعدها من الإشاعات المغرضة. رافقه في المؤتمر مدير الموارد المائية في الموصل (عماد عبد الجبار)، ومدير السد (عبد الخالق ذنون الدبّاغ)، فهل نصدقه مثلما صدقناه عندما وقف معترضاً بوجه الأصوات الوطنية المحذرة من تفاقم أخطار الدواعش، الذين استباحوا الموصل في حزيران 2014 ؟. وهل نصدق المحافظ الذي لم يحافظ على مدينته من الضياع ؟.
فالسد الذي يقع على نهر دجلة، ويبلغ ارتفاع مياهه حوالي (330) متراً فوق سطح البحر، يستوعب أكثر من (11) مليار متر مكعب تقريباً. أي أكثر من مخزون بحيرة (فكتوريا) بنحو أربعة أضعاف، وهي ثاني أكبر بحيرة للماء العذب في العالم من حيث المساحة، والأكبر في أفريقيا، كما أنها أكبر بحيرة استوائية في العالم، ويبلغ مخزونها حوالي (2,750 km³).
مما لا ريب فيه أن هذه الكميات الهائلة من المياه المحجوزة خلف السد تكفي لاكتساح مدينة الموصل في غضون سويعات، وتكفي لغمرها وإغراقها بأبراجها ومرتفعاتها بموجة مائية هائلة يصل ارتفاعها إلى ثلاثين متراً، تجري نحو الجنوب بمعدل 4100 متراً مكعباً في الثانية، وربما تصل الموجة المائية إلى مشارف بغداد في غضون يومين وبارتفاع (16) متراً. حتى البصرة المجاورة للبحر، والقابعة في أقصى الجنوب لن تسلم من هذا التسونامي المخيف. وهنا لابد من الإشارة إلى أن موجة تسوناي، التي ضربت سواحل شرق اليابان يوم 11 آذار 2011، وسحقت المدن الساحلية وجرفت الحقول والمصانع كانت بارتفاع عشرة أمتار فقط.
ربما لا يعلم عامة الناس أن فكرة بناء هذا السد ولدت متعثرة عام 1950، ولم تتحقق إلا عام 1986. وهي مدة طويلة تزيد على (36) عاماً من التحريات والدراسات والفحوصات والمناقشات، اشتركت فيها كبريات الشركات والمنظمات الهندسية والجيولوجية والاروائية. توحدت كلها في التعبير عن قلقها ومخاوفها من ضعف الصخور الجبسية والجيرية القابلة للذوبان، وضعف الطبقات الجيولوجية الهشة، وكثرة الكهوف والفجوات والأخاديد والتشققات في حوض السد وتجاويفه الجانبية والسفلية. وأكدت كلها على ضرورة الاستمرار في عمليات التحشية لتدعيم مواقع الأسس التحتية وتقويتها، عن طريق مواصلة ضخ آلاف الأطنان من مواد الأسمنت والبنتونايت (Bentonite)، بمعدل (24) ساعة باليوم ومن دون انقطاع.
كان من المفترض الإسراع بإنشاء الجدار الكونكريتي، الذي اقترحته الشركات الاستشارية بقيمة مليار دولار، ليعمل كحاجز يخترق الأسس ويعزز تكويناتها الضعيفة، وكان من المفترض الإسراع بإكمال مشروع سد (بادوش)، وكان يتعين على الدولة أن تتخذ الاحتياطات الطارئة لمنع وقوع الكارثة والتصدي لها. فالتقارير الدولية حذرت أكثر من مرة من التآكل الداخلي المحتمل في أركان وأسس وجدران السد، وأبدت مخاوفها منه باعتباره السد الأخطر في العالم.
ختاماً ألا يحق لنا أن نقلق ونتخوف من تداعيات هذا السد المرعب، الذي لا يبعد كثيراً عن أوكار الخلايا الظلامية، وعناصرها الذين لا يعرفون الرحمة، ولا يتورعون عن ارتكاب الكوارث مهما عظمت من أجل إشباع غريزتهم الدموية ؟. ألا يحق لنا أن نأخذ أسوأ الاحتمالات الجيولوجية المفزعة ونحسب لها ألف حساب ؟.