لم يجد وزير النقل الحالي باقر صولاغ طريقة لتبديد المخاوف التي سرت بين شركات النقل الجوي العربية والدولية التي تستخدم مطار بغداد في رحلاتها بعد اطلاق النار على الطائرة الاماراتية الاثنين الماضي، غير ان يقود طاقما من مساعديه في الوزارة ويستقل طائرة تابعة للخطوط الجوية العراقية لتطير في سماء بغداد لمدة عشرين دقيقة وتهبط بسلام في المدرج رقم 1 وهو المدرج الذي تعرضت فيه طائرة (فلاي دبي) الى اطلاقات نارية عند هبوطها.
ومما زاد في الارتباك الذي خيم على عمل مطار بغداد واشاع اجواء من الذعر في اوساط العاملين والركاب المتكدسين في صالاته ومكاتبه، كثرة التصريحات الحكومية وتخبطها وهي تتناول الحادث وتعقب عليه، فالوزير صولاغ اعتبر اطلاق النار على الطائرة الامارتية حادثاً عرضيا دون ان يفصح عن السبب الحقيقي او يكشف الجهة او الشخص الذي ارتكب الحادث، خصوصا وانه رجح نوعية السلاح المستخدم في اطلاق النار وقال انه بندقية (بي كي سي) في حين يحّمل مدير الاعلام في مطار بغداد والقيادي في منظمة (بدر) حسين كريم قائد الطائرة المسؤولية ويتهمه في تصريحات متناقضة بالخروج عن مساره المحدد مما عرضه لمثل هذا الحادث، وهي تصريحات قوبلت بالسخرية من الدوائر الفنية في المطار وعدته كلاما فارغا لا ينسجم مع مسار الحادث.
وقال المهندس رائد رفاعي مدير المراقبة الفنية السابق لمطار بغداد للـ(العباسية نيوز) انه يستغرب تصريحات مدير الاعلام في المطار ويعدها غير دقيقة وخارج السياق ويقول ان السيد حسين كريم كما يبدو لا يعرف ان كل طائرة عراقية او اجنبية ترتبط ببرج المراقبة في مطار بغداد منذ لحظة دخولها في الاجواء العراقية حيث تتولى المراقبة تحديد مسار الطائرة وتظل على اتصال بها لغاية هبوطها بامان.
وواضح ان تصريحات وزير النقل ومسؤولي مطار بغداد عن الحادث ليست متناقضة فحسب وانما تخفي الحقيقة الغائبة بان الطائرة الامارتية تعرضت الى اطلاق النار من داخل المطار ومن احد مسؤولي فريق حمايات الطائرات وقد شاهده العشرات من عمال وموظفي المطار وهو يصوب رشاشه نحو الطائرة عند هبوطها وملامسة اطارتها ارضية المدرج دون ان يجروء احد على كشف اسمه وطبيعة عمله لاسباب امنية ، ويكاد يكون رئيس لجنة الامن والدفاع النيابية حاكم الزاملي الوحيد الذي قال الحقيقة عندما صرح بان اطلاق النار على الطائرة الامارتية تم من داخل المطار مؤكدا ان الاجراءات الامنية في مطار بغداد غير جيدة ولا بد من تغييرها بما يتناسب مع المعايير الدولية.
واستنادا الى شهادات عدد من موظفي وزارة النقل ومطار بغداد الذي يتبعها استمع اليها مراسل (العباسية نيوز) في بغداد، فان الوزارة والمطار تشهدان منذ تولي باقر صولاغ الزبيدي الوزارة في ايلول الماضي صراعا بين الطاقم الجديد الذي جاء به الوزير صولاغ ليتسلم مهاما ادارية وفنية والادارات السابقة التي يهيمن عليها اتباع الوزير السابق هادي العامري واغلبهم من كوادر واعضاء منظمة (بدر) التي يرأسها، ووفق تلك الشهادات فان الوزير الجديد يسعى الى تطوير عمل الوزارة والمرافق التابعة لها ومنها مطار بغداد الذي يشهد اختلالات في سير العمل فيه خلال السنوات الماضية لافتقاره الى مواصفات محددة لا بد من توفرها في المطارات الحديثة، وتؤكد الشهادات ان الوزير السابق ملأ الوزارة ومطار بغداد بمجموعة من المسؤولين والعاملين ممن لا يملكون خبرات أو كفاءات في العمل واكثرهم من حزب الوزير العامري وبعضهم من اقاربه.
وينقل عن المستشار الاعلامي لوزير النقل الحالي عمار البغدادي ان الوزير الزبيدي لديه رؤية كاملة لتحديث وزارته وتطوير منشئاتها ومنها مطار بغداد الدولي الذي يعد واجهة سياحية وحضارية للعراق، ويعترف البغدادي بان اداء الوزارة ومرافقها العديدة لم يكن بالمستوى المطلوب في الفترة السابقة، في حين يكشف موظف جديد في المكتب الخاص للوزير الزبيدي ان العامري تهرب من الحضور الى الوزارة لاجراء عملية (تسلم وتسليم) المتعارف عليها بين الوزراء السابقين والجدد وقال للـ(العباسية نيوز) طالبا عدم نشر اسمه حالياً، ان الوزير السابق هادي العامري حول الوزارة ودوائرها الى اقطاعية خاصة به وبحزبه واقاربه مؤكدا ان الوزير الجديد بما يملكه من تجربة غنية في الادارة وخبرات فنية كمهندس مصر على احداث تغييرات جوهرية في الوزارة ومنشئاتها، وبالتأكيد فان عملية التحديث ـ كما يصفها - تستدعي اجراءات تنقلات واتخاذ قرارات في الهيكلية الادارية والفنية في ملاك الوزارة ومديرياتها، وهي قضية يتحسس منها كثير من المسؤولين والموظفين الذين جاء بهم العامري خلال السنوات الاربع الماضية ووضعهم في مواقع لا يصلحون لها.
وتقول مصادر نيابية مطلعة في بغداد انها على علم مسبق بوجود خلافات سياسية قديمة بين وزيري النقل الحالي والسابق على خلفية انشقاق العامري من المجلس الاعلى عقب وفاة رئيسه عبدالعزيز الحكيم في 26 آب 2009 واستحواذه على منظمة بدر التي كانت تشكل الذراع العسكري والمليشاوي للمجلس.
وحسب تلك المصادر فان صولاغ الذي يعد احد صقور المجلس الاعلى كان يدعو الى اتخاذ اجراء صارم ضد ابو حسن (المنشق) وابدى استعداده قبل انتخابات آذار 2010 الى ردعه بقوة في اعقاب قيام العامري بتأسيس كتلة نيابية باسم منظمة بدر وتعاونه مع ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، غير ان رئيس المجلس عمار الحكيم المعروف بهدوئه طلب في حينه اهمال رئيس بدر واستبعاد الاحتكاك به.
ومما فاقم من حساسية العامري تجاه صولاغ ان الاخير أصر في التشكيل الوزاري الاخير برئاسة حيدر العبادي ان يتولى وزارة النقل رغم ان رئيس الحكومة الجديد كان قد عرض عليه وزارة الصناعة التي سبق وتولاها عام 2004 ، الامر الذي اثار العامري وعده استهدافا شخصيا له.
وتعتقد مصادر نيابية مطلعة في العاصمة العراقية ان حادث اطلاق النار على الطائرة الامارتية في مطار بغداد يدخل في اطار الخلافات السياسية بين الوزيرين الحالي والسابق ويعكس رسالة تهديد من العامري الى صولاغ مفادها : (لا تتحرش باتباعي والا فاني قادر على ايذائك والحاق الضرر بمركزك) وحتى اختيار الهدف طائرة (فلاي دبي) كان مقصودا وكأنه رد على دولة الامارات العربية التي ادرجت منظمة العامري (بدر) في لائحة الحركات الارهابية المحظورة.
من جانبه فان رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي اصدر مكتبه بيانا عقب الحادث قال فيه ان الوضع في مطار بغداد مؤمن ونأمل الا يكون الحادث مبررا لوقف الرحلات الجوية الى المطار، فانه على معرفة بما يجري بين وزيري النقل السابق والحالي ويتخوف من اتساع الخلافات بينهما بما يؤثر على عمل الوزارة ومشاريعها الجديدة ولكنه مضطر للوقوف مكتوف الايدي ازاء تصرفات العامري المؤذية بعد ان اتسعت قوة الاخير في الشهور الاربعة الماضية من خلال قيادته لوحدات الحشد الشعبي في محاربة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) وبات مركز قوة في الساحة السياسية من الصعب تهميشه.