منذ أن وطئت أقدام الخميني أرض إيران ومنذ اللحظة الأولى قامت حملات إعلامية ضخمة من خلال وسائل الأعلام المختلفة لتروج لما أسمته بتصدير الثورة الإيرانية للأقطار المجاورة لها لإسقاط أنظمتها التي كانت تصفهم إيران بالأنظمة الكافرة والعميلة للغرب !! ولقامة مكانها أنظمة موالية لها .
" كيف للعرب الأنذال أن يسقطوا إمبراطورية فارس العظمى ؟ , علينا أن نعيدهم إلى الصحراء " , بهذه الجملة الصادمة المنقولة من كتاب الشاهنامة للفردوسي والتي تستقبل بها إيران أولى خطوات مثقفيها عندما تعرضها على واجهة صندوق بلوري ضخم في واجهة المكتبة العامة في طهران , وهي الجملة التي نستطيع أن نستخلص منها كمسلمين عرب جوهر الصراع لفهم كثير من خفايا المشروع الإيراني في المنطقة .
ومن بين ما تحسمه تلك المقولة ذلك الجدل الكثير حول ماهية المشروع الإيراني , وهل هو مشروع سياسي أم ديني مذهبي ؟ , فتؤكد هذه اللوحة أن المشروع يستخدم كل الأسلحة لتحقيق نجاحاته ومن أهمها في الوقت الحاضر المذهب الديني للإمامية الاثني عشرية .
ووفق الحالة السياسية التي تعتمد المصالح لا المبادئ تلتقي مصالح المشروع الإيراني التوسعي مع المشروع الأمريكي الإسرائيلي في المنطقة , فغدا التعاون بينهم مستترا حينا آخذا في التكشف رويدا رويدا مع السماح بظهور حالة من تصنع العداء الظاهر بينهما كسبا للمزيد من الوقت والأنصار ولترتيب واختيار مكان وتوقيت المعركة .
ملامح تشابه المشروعين
المشروعان الإيراني والصهيوأمريكي متشابهان إلى حد بعيد في نشأتهما وأهدافهما ونظرتهما للواقع العربي وأيضا في أطماعهما في المنطقة كلها .
فعلى صعيد النرجسية العرقية يعتبر اليهود أنفسهم شعب الله المختار بينما يعتبر الإيرانيون أن كلمة إيران تعني الجنس الآري النقي أو الطاهر .
وهما متشابهان في العقيدة الفكرية التي يؤمنان بها , فتمتلئ كتبهما وتراثهما الثقافي بالشعور العام بالمظلومية والاضطهاد واجترار الأحقاد وخاصة على أمة العرب والمسلمين , فالإيرانيون بكل كياناتهم السياسية المتفقة والمتعارضة على نحو سواء يجتمعون في لطميات ثابتة لاجترار أحداث الماضي متوعدين بالثأر والانتقام , وكذلك اليهود الذين أقاموا دولتهم على أساس من المظلومية التاريخية والاضطهاد والتوعد بالثأر والانتقام فيقولون " بالحديد والنار سقطت إسرائيل ، وبالحديد والنار ستعود إسرائيل " ..
ويتشابهان بل يتطابقان في الوسائل الخسيسة التي يتخذونها للوصول لأهدافهم السياسية , فكلاهما يستخدم أسلحة التجسس والمال والجنس والمخدرات من أجل الوصول للأهداف السياسية ومنها السيطرة على الرموز العربية الإسلامية وإغرائهم بكل المغريات لشراء ولاءاتهم أو الضغط عليهم لتحييدهم أو إزاحتهم أو التحكم فيهم واستخدامهم , وفي الأخير يستخدمان سويا سلاح التصفية الجسدية لكل من لم تفلح معه سلسلة الأساليب السابقة , والحوادث والشواهد التاريخية في ذلك للنظامين أكثر من أن تحصى .
المشروع الإيراني مشروع باطني
يتسم المشروع الإيراني بالسمة الباطنية المشابهة للعديد من الحركات الباطنية التي أظهرت الإسلام وأبطنت عداوته على مدار التاريخ الإسلامي , فعلى الرغم من إعلان هويتهم الإسلامية المصطنعة إلا أنهم تحالفوا مع المحتل الأمريكي – الذي ينعتونه بالشيطان الأكبر - لإسقاط نظام صدام السني وتحالفوا معه ومع المحتل البريطاني لإسقاط نظام طالبان السني أيضا وحاربوا الأكراد لكون الكثير منهم سنة وأذاقوا العرب الأحواز الويلات لكونهم من السنة العرب وكذلك ذاق أهل السنة منهم كل العنت والمشقة داخل طهران وخارجها , فكانوا بذلك نظاما باطنيا يعلن الإسلام ويعادي أهله بكل ما أوتي من قوة , وعلى المستوى الفكري الشيعي يعادون كل ما جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم ويكفرون أغلبيتهم ويترضون عن قاتليهم في عداء واضح وبارز للسنة وأهلها وللعربية والمتحدثين بها .
ولم تستفد القضية الفلسطينية وهي القضية الإسلامية المحورية الهامة أي شيئ من الثورة الإيرانية ولا من القدرة العسكرية لإيران حيث لا تحتل إسرائيل في خطط إيران العدائية أي مساحة بخلاف مساحات الأحبال الصوتية فقط
هل يتقدم المشروع الإيراني نحو تحقيق أهدافه ؟
لم تستغرق الثورة الخومينية عام 1979 فترة طويلة من الزمن للخروج من إيران , بل بمجرد نجاح الخميني ومن معه في اقامة الدولة الشيعية حتى بدأت في أول مشاريع تمددها باتجاه العراق في حرب طويلة استغرقت ثمان سنوات خلفت مليون قتيل على الأقل , وكانت تلك الخطوة الأولى التي أنبأت عن مشروع توسعي لا يهتم زعماؤه ومتبنوه بالمال ولا بالزمن ولا حتى بحياة الأفراد في سبيل تحقيقه .
وتمكن العراق وجيشه السني القوي من الوقوف حجر عثرة في سبيل إيقاف هذا المشروع التوسعي مما تطلب تعاون المشروعين الإيراني والصهيوامريكي لإزاحة جيش العراق وتفكيكه والاستيلاء على أرضه وممتلكاته وتقسيم غنائمه ليتقدم المشروعان معا خطوة كبيرة في سبيل تقدمهما معا .
وبعد الحرب المزعومة تمكن المشروع الإيراني من التقدم خطوة للأمام بالاستيلاء على العراق لتصبح شيعية الحكم والتوجه واستولوا على الأسلحة العراقية وارتكبت العديد من المذابح لأهل السنة لإجلائهم عن العراق أو لتصفيتهم جسديا
المشروع الإيراني والعقبة السورية
منذ أن وطئت أقدام الخميني أرض إيران ومنذ اللحظة الأولى قامت حملات إعلامية ضخمة من خلال وسائل الاعلام المختلفة لتروج لما أسمته بتصدير الثورة الإيرانية للأقطار المجاورة لها لإسقاط أنظمتها التي كانت تصفهم إيران بالأنظمة الكافرة والعميلة للغرب ! وإقامة مكانها أنظمة موالية لها .
وبرز في المقابل مصطلح " الهلال الشيعي " الذي استخدمه بعض المسئولين العرب والذي تخوفوا فيه من إقامة حكومة عراقية موالية لإيران وصعودها إلى السلطة لتتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال شيعي يمتد في طريقه إلى لبنان يستطيع تهديد الكيانات السنية في المنطقة , وهو ما حدث تحديدا الآن .
واستمر المخطط الإيراني في التقدم , وكانت عقبته الكبرى في الثورة السورية التي اتسمت بسمات شعبية لتحاول إزالة نظام حكم شيعي مستبد فتهدد المخطط الإيراني بضربة في الصميم وتهدد في نفس الوقت المشروع الصهيوأمريكي الذي يحميه النظام السوري من جبهته الشرقية .
وتمسكت إيران بمشروعها السياسي ودافعت عنه بكل ما تملك للاستماتة دون وقوع النظام السوري حتى لا يتعرض مشروعها السياسي لضربة قاصمة له وذلك في نفس الوقت مع بزوغ ثورة داخلية في عرب الأحواز تهدد المشروع أيضا بضربة أخرى لتجعل هناك تهديدات قوية لنمو المشروع وتقدمه .
ولم يحاول المجتمع الدولي مساعدة الثورة السورية والثوار وخاصة في المجتمعات التي تؤيد في نفس الوقت ثورات الشعوب على حكامها لأن هذه الثورة الفاضحة قد كشفت الوجه الحقيقي لهم , بل حاول المجتمع الدولي وأد ثورة الكرامة السورية بالتخاذل تارة والتخذيل تارة أخرى وغض الطرف عن جرائم النظام السوري بحق شعبه .
وثمة لفتة أخرى تكمن في أن مقاومة المشروع الإيراني – حتى الآن – قد قامت على أكتاف الشعوب وليس على أكتاف الأنظمة الحاكمة التي ينبغي لها أن تتخذ كثيرا من الإجراءات والاستعدادات لمقاومة المشروع الإيراني سياسيا أو عسكريا – بمقتضي الحاجة - لأن الوقت تماما ليس في صالح العرب الآن .
بؤر توتر وقنابل موقوتة في مباراة كسب النقاط
يسير المشروع الإيراني في خطى كثيرة متوازية على كثير من بؤر التوتر في العالم العربي السني لتجعل من تلك البؤر بابا دائما لإثارة المشكلات والشغب وليكسب في كل يوم مزيدا من النقاط في تقدمه , وتخضع كل بؤر التوتر لمفهوم واحد وهو الأقلية الشيعية وحقوقها ومشكلاتها مع غيرها من المواطنين .
فيسير المشروع جنبا إلى جنب في لبنان عن طريق حزب الله الشيعي الذي يعتبر دولة أكبر من دولة لبنان ذاتها بما يمتلكه من أسلحة مكدسة وأفراد مدربين على الحرب القتالية وسط عدم تحكم ولا سيطرة من الجيش اللبناني عليهم .
وفي البحرين حيث تقود الأقلية الشيعية - الممولة والموالية والمدعومة من إيران - الاحتجاجات وتؤجج جذوتها باستمرار لوضع حكومة البحرين بين خيارين كلاهما مر , إما التصعيد المستمر وإحداث فوضى واضطرابات مستمرة مع قدرة عالية على اللطم والصراخ والعويل لصنع أزمة مستمرة ولإحداث حالة من الحرب الأهلية أو البديل الثاني إجبار السلطات البحرينية على الاستجابة لمطالبهم الكثيرة والمتشعبة التي يطلبون بها حقوقا ليست لهم .
وفي اليمن يقود الحوثيون الشيعة حربا على أهل السنة ويزدادون تحرشا على الحدود السعودية استغلالا للفراغ السياسي والعسكري الذي أحدثه نظام ابن علي في وجوده وغيابه , ولا تتوقف الإمدادات العسكرية والمالية للحوثيين حتى أثناء تلك المعارك .
وفي الكويت ينشط الشيعة الكويتيون في الضغط على الحكومة الكويتية لنيل المكاسب الكبيرة والتهديد الدائم بإثارة القلاقل في المجتمع .
وفي الإمارات حيث تحتل إيران جزر " أبو موسى " وتحولها إلى محافظة إيرانية ويتجول فيها نجاد مستعرضا قوته ومستفزا للساسة الإماراتيين ليضعهم تحت خيارين أيضا إما القبول بذلك فينتقل لإيجاد بؤرة صراع أخرى أو الاستعداء لإيجاد حالة من التهديد العسكري الذي تتفوق فيه إيران عسكريا .
وتحاول إيران كسب المباريات بالنقاط في العديد من الدول العربية والإسلامية الأخرى بدلا من أسلوب الضربة القاضية لتحتل في كل يوم أرضا أخرى لتكرس ما احتلته قبلا .
هل هناك مشروع عربي إسلامي مضاد ؟
على الرغم من الإعلان عن مشروع إيراني في المنطقة ربما قبل قيام الثورة الخومينية وعلى الرغم من وجود مشروع صهيوني مدعوم من الغرب كله ربما أقدم زمنا من ذلك , إلا أن العرب يفتقدون للرؤية لإيجاد مشروع عربي سني مضاد يحافظ على كيانهم العربي المرتبط ارتباطا وثيقا بالإسلام , فالعروبة الإسلامية هنا لا تمثل مفهوما قوميا أبدا , بل أصبحت نتيجة لتوجهات الإيرانيين المضادة للعرب السنة والراغبة في إزاحتهم من طريقها , أصبح الحفاظ فيه على العروبة جزء من الحفاظ على الإسلام .
وعلى الرغم من امتلاك العرب لكل المقومات المادية والبشرية والتكنولوجية لإقامة مشروع عربي إسلامي سني إلا أنه نتيجة لغياب الإرادة الفاعلة أو الرؤية العميقة أو ربما للتبعية السياسية في الكثير من القرارات صار المشروع العربي حلما بعيد المنال أو حلما مستحيلا في ظل التردد العربي وعدم القدرة على تناسي الخلافات الشخصية وأيضا عدم الاستعداد للتنازل في تحقيق الصالح العام