في السبعينيات من القرن الماضي، وبسبب التطور في وسائل المواصلات، راجت كلمة عبر وسائل الإعلام كان يرددها السياسيون كثيرًا، وهي ان العالم أصبح قرية صغيرة..
الآن وبعد الإنفجار الذي حصل في تطور المواصلات والإتصالات، والمحطات الفضائية العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي عبر الشبكة العنكبوتية، أصبح العالم أشبه ما يكون بحي صغير.
وفي ضوء ذلك أصبحت المنطقة العربية، بما فيها العراق، بحكم الجوار لكثير من دول العالم، وهذا يعني التقارب في المصير المشترك بين الجميع، إذا كان في مناطقنا استقرار، فسينعكس ذلك إيجابا على هذه الدول، وإذا تعرضت مناطقنا للاضطراب أو العنف أو أي تداعيات أخرى، فإن هذا الإضطراب والعنف والتداعيات بفعل المجاورة سيؤثر حتما فيها.
ومن هنا يكون من الضروري جدا أن تولي هذه الدول لمنطقتنا اهتمامها، وأن تشارك في العمل على استقرارها، لأنها ليست بمنأى عن التداعيات..
العراق الآن في ثورة، والثورة ثورة شعب، تعرض لأكثر من عشر سنوات، الى القتل والاعتقال والتعذيب والاغتصاب، والتطهير الطائفي والاقصاء والتهميش، والاذلال الممنهج، وسرقة المال العام، والارقام والإحصاءات الدولية بهذا الصدد مروعة ومعروفة، وما خفي كان أعظم.
الشعب بعد أن خرج في تظاهرات سلمية بتاريخ 25/ 2 /2011، في ست عشرة محافظة عراقية من أصل ثماني عشرة، وقمع بالحديد والنار، وخرج للمرة الثانية ولأكثر من سنة في تظاهرات واعتصامات بتاريخ 23/ 12 /2012م وكانت له مطالب إصلاحية مشروعة، استهدفته حكومة المالكي ومن بعدها حكومة العبادي بالدبابات والأسلحة الثقيلة وارتكبت بحقه مجازر، وجرائم إبادة، وجرائم ضد الإنسانية، وهذا ما اضطره لحمل السلاح، ومازال..
الشعب العراقي هو من ثار ضد الظلم والطغيان وهو من حرر كبريات المدن العراقية، ولكن دولة الاحتلال ـ من أجل الحفاظ على مشروعها السياسي ـ تجاهلت ثورة الشعب منذ البداية، وركزت في الإعلام على تنظيم الدولة الإسلامية فقط، وبدأت تسوق في الإعلام ان الإرهاب أو داعش كما سماه إعلامها هو من فجر الصراع، وهو من يقاتل، ولا توجد ثورة لشعب، ولا يوجد أي ظلم بحق العراقيين، في مشهد مشابه تماما لما حدث في سورية، حين تم تجاهل الجيش الحر والثوار السوريين، وتم التركيز على هذا التنظيم، ما جعل كثيرا من الثوار يصابون بالإحباط، وينكفئون على أنفسهم، ويترك بعضهم الساحة للصراع بين أطراف ليس هو مسؤولا عنها..
إن المعالجة التي يتم اعتمادها دوليا الآن لإصلاح الأوضاع في العراق ـ أو ما يبدو هكذا ـ معالجة خطأ، والمجتمع الدولي يسلك الطريق الأبعد، والأعلى تكلفة، بينما هناك طريق أقصر، وأقل تكلفة، ونتائجه مضمونة..
لا يحتاج العالم إلى تحالف دولي، ولا إلى رصد خمسمئة مليار، ولا إلى سنوات عديدة، كل ما يحتاجه هو تقديم الدعم الدولي للقوى العراقية، التي تؤمن بمشروع العراق الجامع، ولا تفرق بين عراقي وآخر على اختلاف دياناتهم وطوائفهم، ولديها مشروع كامل لإنقاذ العراق يقوم على أساس الدولة الجامعة بعيدا عن المحاصصات الطائفية والعرقية، ولديها قوة على الأرض متمثلة في العشائر التي ثارت وفصائلها المسلحة وضباط الجيش العراقي القديم، وهي اول من أشعل فتيل الثورة وليس سواها، ولديها كفاءات في شتى الميادين، وهي قادرة في ظرف قياسي على تشكيل دولة عراقية متكاملة، تحمي نفسها من عوامل الهدم والعنف، وتكون سلما لأهلها وللمنطقة والعالم…
هذه القوى تم ـ للأسف الشديد ـ تجاهلها طوال السنوات الماضية عن عمد، والإيحاء للعالم انها غير موجودة، ولم يسمح لها دوليا بعقد مؤتمر واحد لتسلط الضوء على مشروعها، لا لشيء؛ إلا لأنها كانت ترفض الإنخراط في المشروع السياسي الذي وضع أسسه المحتل في العراق، وكانت تقول: ان هذا المشروع مصمم بطريقة كافية لدفع البلاد إلى الهاوية، ولم تكن هذه القوى مخطئة في تقويمها، فالعراق اليوم في ظل المشروع السياسي القائم تجاوز الهاوية ليستقر في الحضيض.
قد ينجح التحالف الدولي في القضاء على هذا التنظيم، أو محاصرته، لوقت ما، لكن بقاء الظلم، ومساندة الظالمين، وتجاهل ظلم الشعوب من قبل النظام العالمي، سيتمخض عنه ظهور تنظيمات أخرى وأخرى، ومشاكل لها بداية، وليست لها نهاية، والمثل يقول، مادامت النار تحت القدر فلن يكف القدر عن الغليان.
صدقوني.. لن يهدأ العالم، ولن يأمن على نفسه ومصالحه، والعراق في فوضى، ولن تستقر المنطقة، ولن يستقيم ميزانها الاستراتيجي والعراق مسرح لنفوذ هذه الدولة أو تلك، هكذا شاء الله سبحانه أن تكون ارض العراق شديدة الحساسية، وبالغة التأثير، وخبراء العالم هم من سموا العراق بالقلب الأرضي بالنسبة الى الجغرافية السياسية، فدعوا العراقيين يعيدون دولتهم الواحدة هادئة مستقرة، بمعزل عن التدخل السلبي لدول العالم، وتدخل دول الجوار، لتضمنوا السلام والاستقرار وبقاء المصالح للجميع، أو ترقبوا طوفانا كطوفان نوح، يغرق بين امواجه جميع من في المنطقة، وتصل تداعياته إلى دول العالم الأخرى، سواء كانت طرفا في المشهد، أو مكتفية بلعبة الصمت والمراقبة عن كثب.
*سياسي عراقي