لم يكن ظهور ابو مهدي المهندس وهذا اسمه الحركي الذي يتخذه بديلا عن اسمه الحقيقي جمال جعفر محمد علي ابراهيمي في مؤتمره الصحفي (الاربعاء) الماضي الذي عقده في منزله بالمنطقة الخضراء ببغداد كنائب لرئيس هيئة الحشد الشيعي مفاجأة للاوساط السياسية والاعلامية، فالرجل يعيش في العاصمة العراقية ويمارس انشطته العسكرية والاستخبارية باعتباره احد قادة فيلق قدس الايراني علناً تحت غطاء منظمة بدر التي يتولى رسميا نائب رئيسها هادي العامري.
وصحيح انه يتردد على طهران دوريا حيث تقيم اسرته هناك ويدير ابنه الاكبر مهدي الذي يكنى به، مؤسسة للسفر والسياحة مع محمد حسين نجل علي الاديب وجعفر ابن السفير العراقي في ايران مجيد الشيخ، تتولى تنظيم رحلات الى قبور ومراقد ائمة الشيعة في العراق، الا ان اقامته في بغداد تكاد تكون دائمية نظراً للمسؤوليات الخطيرة التي يضطلع بها في العراق لصالح ايران الذي تعده ابرز قادتها السياسيين والامنيين وتكلفه دائما بتمثيلها في حل المشاكل التي تحدث في البيت الشيعي او عند ظهور منافسات بين القيادات الشيعية واحزابها المتعددة.
وحسب المعلومات التي تابعتها (العباسية نيوز) عن سيرة (ابو مهدي المهندس) فانها تشير الى انه مولود في البصرة عام 1954 لاسرة ايرانية نزحت من مدينة كرمان بعد اغتيال السلطات الايرانية عميدها سيد رضا ابراهيمي بتهمة المروق على العقائد الشيعية وتزعمه لفرقة (الشيخية) التي كانت تتخذ من كرمان مسرحا لطقوسها التي تختلف في بعض مفاهيمها وتقاليدها عن الاثني عشرية الامامية.
وفي مطلع الخمسينات من القرن الماضي حصل والد جمال المدعو جعفر محمد علي ابراهيمي على الجنسية العراقية بدعم من جماعة الشيخية في البصرة التي كانت تحظى برضا الحكومات العراقية المتعاقبة لمنهجها الشيعي الهاديء وعدم غلوها ورفضها للتطرف الطائفي، مما اتاح لابنه الانتظام بمدارس البصرة الابتدائية والثانوية ثم الانتقال الى بغداد في عام 1973 والدراسة في الجامعة التكنولوجيه فرع الهندسة متخرجا في العام 1977 والعودة الى البصرة والعمل في المنشأة العامة للحديد والصلب بصفة (ملاحظ فني) حتى عام 1980 عندما اضطر الى الهرب للكويت بجواز سفر مزور يحمل اسم جمال عبدالنبي علي بعد ورود اسمه في اعترافات مسؤولي حزب الدعوة بالبصرة الذين وقعوا في قبضة رجال الامن.
ونقل عنه مؤخرا ان رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي زامله في الجامعة ولكنه لم يسع الى التعرف عليه لانشغال هذا الطالب البغدادي ـ حسب وصفه ـ بالرياضة وكرة القدم التي كنت وما أزال اكرهها.
وفي الكويت التي اشتغل في منطقة الشويخ الصناعية مصلحا للسيارات أعاد جمال جعفر ارتباطه بحزب الدعوة من خلال عبدالزهرة عثمان (ابو ياسين) وكان هاربا من العراق ايضا ويتخذ اسما حركيا اشتهر به فيما بعد (عزالدين سليم) قبل ان يقتل ببغداد عام 2004 حيث تعرف هناك على كثير من قيادات وكوادر الحزب ممن سبقوه في الهرب الى الكويت ابرزهم الايراني مهدي آصفي وسهل محمد سلمان الذي اغتيل في دبي 1981 وكاطع الركابي الملقب ابو مجاهد وعبدالرحيم الشوكي وعبد علي لفتة وابو علي البصري وكريم اعنزي (ابو رياض) وصدر الدين قبانجي وابو حسن هيثم والاخير يعمل حاليا عضو قيادة في منظمة بدر.
واضطر ابو مهدي المهندس الى الهرب من الكويت الى ايران مع عدد من رفاقه في الحزب عقب كشف ضلوعه في القاء القنابل على السفارتين الامريكية والفرنسية واشتراكه في محاولة اغتيال امير الكويت السابق الشيخ جابر الاحمد في السادس من رمضان 1984، وفي طهران غادر حزب الدعوة وارتبط بالمجلس الاعلى الذي كان قد شكله محمد باقر الحكيم نهاية 1983 وفي عام 1985 اصبح عضوا في المكتب السياسي للمجلس ومسؤولا عن لجنة التعبئة التابعة له، وفي عام 1988 عقب توقف الحرب بين ايران والعراق عين رئيسا لاركان فيلق بدر (الجناح العسكري للمجلس) بدلا من محمد تقي مولى الذي جُمد بعد ثبوت مخالفات مالية عليه، وظل المهندس في موقعه حتى ايلول 2002 عندما اختلف مع عبدالعزيز الحكيم شقيق رئيس المجلس الاعلى الذي شكاه الى الايرانيين مما اضطره الى تقديم استقالته واختار هادي العامري ليحل مكانه رغم انه لم يكن عضوا في المجلس وانما كان في حزب الدعوة / جناح آصفي، وسكت الاخوان محمد باقر وعبدالعزيز على مضض.
وبرز اسم المهندس في عام 2005 عندما كشف النقاب عن تأسيسه معتقلا سريا في حي الجادرية الملحق بالمنطقة الخضراء ويشرف على التحقيقات فيه مع معتقلين اغلبهم من ضباط وطيارين عسكريين سابقين شاركوا في الحرب مع ايران اختفت آثارهم بعد اعتقالهم باوامر من وزير الداخلية الاسبق باقر صولاغ (وزير النقل الحالي)، وقد اكتشفت القوات الامريكية عند مداهمتها المعتقل الذي سمي بـ(ملجأ الجادرية) 215 معتقلا بين الحياة والموت نتيجة التعذيب الذي كان يمارسه عليهم ابو مهدي المهندس ومحققون ايرانيون، ولم تتخذ حكومة ابراهيم الجعفري ومن بعده حكومة المالكي الاولى اية اجراءات بحقه رغم ثبوت قتله لعدد من المعتقلين، بل كوفيء بترشيحه الى الانتخابات النيابية نهاية 2005 عن الحلة وهي مدينة غريبة عليه وغريب عليها ضمن الائتلاف الوطني (الشيعي) وفاز بالترتيب الثالث، ولكنه لم يؤد قسم العضوية في مجلس النواب ونقل عنه ان في القسم عبارات تلزمه بخدمة العراق والدفاع عنه وهو لا يريد ان يلزم نفسه بشيء لا يؤمن به، كما انه لم يحضر أياً من جلسات المجلس رغم الحاح رئيسه محمود المشهداني يومئذ الذي سئل عنه ذات مرة فقال انه يسمع به ولكن لم يره!
ونقلا عن معلومات حصلت عليها (العباسية نيوز) من مصادر نيابية مطلعة فان جمال جعفر باتت له عدة بيوت في بغداد يتنقل فيها ضمن حراسات مشددة من بينها فيللا على نهر دجلة عائدة الى عائلة وطبان ابراهيم الحسن واخرى في مجمع القادسية وثالثة في منطقة العطيفية ورابعة في حي الكرادة الشرقية (الداخل) اضافة الى عدة بيوت ومراكز سرية.
وحرص المهندس طيلة السنوات القليلة الماضية على تجنب الاضواء والابتعاد عن الانشطة العلنية رغم انه يعد القائد الحقيقي والفعلي لمليشيات (بدر) ولكنه يختفي خلف رئيسها المعلن هادي العامري كنائب له لاعتبارات امنية، ويصفه موقع (المسلة) الاخباري الممول من السفارة الايرانية في بغداد بان المهندس مقاتل عنيد برع من بين صفوف قوات الحشد الشعبي وصعد نجمه في السماء العراقية حتى بات المقاتلون يعلقون صوره على الدبابات ويرفعها المواطنون على جدران بيوتهم.
ويفتخر ابو مهدي انه ساهم في انشاء الائتلاف الشيعي الموحد في عام 2005 ومن بعده الائتلاف الوطني العراقي 2010 واخيرا التحالف الوطني الحالي، ويؤكد ان علاقاته مع المرجعيات والقيادات الحزبية الشيعية وثيقة جدا باستثناء زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يأخذ المهندس عليه انه يستعين بمجموعة من الشيعة غير المؤمنين (حسب رأيه) ويعتقد ان آية الله علي السيستاني افضل مراجع الشيعة في العراق منذ وفاة محسن الحكيم عام 1970 في اشارة واضحة الى انتقاصه من مرجعيتي ابي القاسم الخوئي ومحمد صادق الصدر ويجزم ان المرجع الشيعي بشير نجفي هو الاصلح لخلافة السيستاني عند وفاة الاخير (لا قدر الله).
وينقل عن القيادي في حزب الدعوة والنائب حسن السنيد الذي يقال انه اعطى دروسا في اللغة العربية التي نسى المهندس كثيرا من مفرداتها ومصطلحاتها لاقامته الطويلة في ايران، ان الصلات بين المالكي والمهندس حميمية وكثيرا ما كانا يجتمعان خلال السنوات الثماني الماضية للتداول في الشؤون السياسية وان (ابي اسراء) معجب بآرائه ويقدر طروحاته.
وابلغ اعضاء في مجلس النواب (العباسية نيوز) ان المهندس هو الذي بادر ورشح محمد سالم الغبان وزيرا للداخلية بعد اعتذار العبادي عن توزير هادي العامري وقاسم الاعرجي نتيجة اعتراض الجانب الامريكي عليهما، ويقول مسؤولون حاليون في الوزارة ان المهندس عين ايضا شخصا آخر يدعى (سيد وهب) يعتقد انه قيادي في منظمة بدر مديرا عاما لمكتب الوزير، وهو الوزير الفعلي وصاحب الامر والنهي في الوزارة.
وانتقد نواب وسياسيون سنة استطلعت (العباسية نيوز) آرائهم في المؤتمر الصحفي الذي عقده المهندس وهاجم فيه السعودية صراحة متهما السعوديين بانهم (حاضرون مع داعش كممولين ومقاتلين وانتحاريين) واكدوا ان حديث المهندس واتهاماته للسعوديين كلام غير دقيق ويقصد به احراج رئيس الحكومة حيدر العبادي الذي يسعى الى تطبيع العلاقات مع الرياض ودول الخليج.
المهندس صرح ايضا بان ايران ترسل ثلاث طائرات يوميا محملة بالاعتدة والمعدات الحربية لوحدات الحشد ولم ينف انه يخطط لاجتياح محافظة صلاح الدين بالكامل قريبا مؤكدا ان قوات الحشد هي التي تقود العمليات العسكرية في مواجهة مقاتلي تنظيم الدولة الاسلامية وفي ذلك اشارة واضحة توحي باستخفافه بقوات الجيش والشرطة وقدراتها العسكرية.
وقد امتنع مسؤولو المكتب الاعلامي لرئيس الوزراء عند الاتصال بهم لمعرفة رأي رئاسة الحكومة في تصريحات المهندس واكتفوا بالقول: لا تعليق ..!