لا ادري لماذا استغرب بعض الكتاب والمعلقين السياسيين، ان يقع حيدر العبادي في خطأ سياسي او غلط دبلوماسي في واشنطن عندما نقل كلاما عن الرئيس الامريكي خلال اجتماعهما تبين انه ليس صحيحا سرعان ما نفاه مسؤولو البيت الابيض مؤكدين ان اوباما لم يقله دون ان يبدي رئيس الحكومة العراقية اعتذارا عن فهمه القاصر او يصحح تصريحاته على الاقل على طريقة (الاعتذار عن الخطأ فضيلة) كما يفعل السياسيون الشجعان ورجال الدول الاصحاء !
وعندما نقول ونعيد ونكرر بان حزب الدعوة لا يصلح للحكم فاننا ننطلق من تقييم مرحلة زادت على عقد من السنوات قاد السلطة فيها ثلاثة من قادة الحزب اولهم ابراهيم الجعفري واطولهم نوري المالكي واقلهم حيدر العبادي، فاثبت ثلاثتهم انهم ليسوا سياسيين أصلا ويفتقرون الى ابسط مستلزمات العمل السياسي القائم على الوعي والانتباه وكيفية التعاطي مع الاحداث بما يخدم المصالح العامة، والمرونة والانفتاح على الآخر وتجاوز الصغائر والتوازن في الحديث وحسن الاصغاء والاختصار في التصريحات، وتجنب التشنج في الكلام.. وهذه مفاهيم يعرفها المبتدئون في السياسة.
الجعفري وهو يرأس الحكومة التي سميت بـ(الانتقالية) عام 2005 أعطى مثالا صارخا عن التسيب السياسي والفلتان الامني والخراب الاجتماعي وهو يتحمل مسؤولية شرعنة الطائفية السياسية وربطها بالطائفية المذهبية وكانت النتيجة انه أسس لمرحلة قاتمة ما زالت ظلالها السوداء تغطي كل زاوية ومكان في العراق زاد عليها من جاء بعده نوري المالكي افكارا شاذة ورؤى منحرفة ومناهج مخربة وسلوكا معوجاً، عمقت الانقسام في المجتمع العراقي واشاعت الفتنة وكرست الاستحواذ الشخصي والعائلي ورفعت مستويات الفساد واللصوصية الى مراتب خطيرة ما زال العراقيون يدفعون أثمانها العالية.
وحيدر العبادي لا يختلف عن سابقيه الا في الشكل والهيئة والهندام، فهو يبقى من انتاج حزب الدعوة الذي هو في الحقيقة مجرد (لملوم) جمع في صفوفه ملالي امثال مهدي آصفي ومرتضى العسكري وكاظم الحائري وثلاثتهم ايرانيون أباً عن جد ، قادوا الحزب لخدمة تحقيق الحلم الامبراطوري الفارسي وليس مهماً عندهم ان يكون الامبراطور، الشاه البهلوي او آية الله الخميني او ولي الفقيه خامنئي، ومن يطلع على فتوى المرحوم محمد باقر الصدر في مطلع آب 1974 بتحريم انتماء طلاب الحوزة الشيعية للاحزاب الدينية ويقصد حزب الدعوة وكان الوحيد الناشط في الوسط الشيعي، فانه يدرك ان الرجل اكتشف حقيقة الحزب منذ البداية، واطلع على حجم الكذب والدجل في مساره وعرف اهدافه الباطنية مبكرا، ولكنه مع كل اكتشافاته الملموسة جرفه التيار ولم يقدر على مواجهته، وقولته التي كانت واحدة من سقطاته الخطيرة (ذوبوا في الامام الخميني) تدلل على انه لم يقو على الثبات بما كان يؤمن به ويعتقد، لان حزب الدعوة ليس حزبا سياسيا بالمعنى المتعارف عليه وانما (مافيا) يأكل الكبير فيها الصغير، ويتسلط القوي على الضعيف، ولا مكان للقيم الاخلاقية والاعراف الانسانية فيها.
حيدر العبادي باعتباره من الجيل الثاني في حزب الدعوة مثل الجعفري والمالكي، فالثلاثة لا يملكون ارثا سياسيا وطنيا، ولم يخوضوا نضالا ـ بغض النظر عن طبيعته ـ داخل العراق، ولم يجربوا المعتقلات ولم يواجهوا الاضطهاد والقهر السياسيين وانما كانوا (يجاهدون) في طهران ودمشق ولندن، كل حسب موقعه واهتماماته وجاءتهم السلطة هدية من الامريكان فتلقفوها غير مصدقين مع قناعة في دواخلهم بانهم لا يصلحون لها أصلا، ورأيناهم كيف تشبثوا بها او تنافسوا عليها ؟ لذلك نجد العبادي كما سابقيه غير معني بما يجري في العراق من اقتتال طائفي وغياب الامن والآمان وتدني الخدمات وضياع القانون واستشراء الفساد، وهو مثل الجعفري والمالكي يعمد الى مسك العصا من وسطها بما يضمن مصالحه الشخصية والعائلية ولوم الاخرين من رفاقه وتسقيطهم ، فالجعفري يصف المالكي بـ(المنافق) والمالكي يسمي الجعفري بـ(المخبل) ويسخر من العبادي ويطلق عليه تسمية (الفاهي) المعروفة المعنى لدى العراقيين، والعبادي من جانبه يصف المالكي بـ(الامعط) وهي مفردة شعبية عراقية متداولة تعني ان صاحبها لا يترك شيئا الا واستولى عليه..!
يستحق الامريكان اللعنة لانهم جاءوا بنماذج بائسة واشخاص معقدين ومشوهين ونصبّوهم رؤساء ووزراء وقادة ومسؤولين في بلد يعج بالكفاءات الوطنية والمهنية وخصوصا من الشيعة العرب، الذين دفعوا الى الصدارة في الماضي القريب شخصيات سياسية اتفقنا معها او اختلفنا، الا انها عملت واجتهدت، أصابت وأخطأت، ولكنها كانت نظيفة اللسان والوجدان، نزيهة اليد والجيب امثال محمد رضا الشبيبي ومحمد فاضل الجمالي وجعفر ابو التمن وصالح جبر وحسين الصدر وضياء جعفر ورؤوف البحراني ومحمد مهدي كبة وناجي طالب وفؤاد الركابي وابراهيم كبة واسماعيل مصطفى وجاسم العزاوي وعبدالصاحب العلوان وعبدالرزاق محيي الدين وعبدالحسن زلزلة وعبدالغني الدلي وعلي الشرقي وحازم جواد وطالب شبيب واحمد الحبوبي وحميد خلخال وفيصل شرهان العرس وحامد علوان الجبوري وعدنان الحمداني وغانم عبدالجليل ومحيي الشمري ومحمد حمزة الزبيدي ومحمد سعيد الصحاف وسعدون حمادي وعبدالجبار الاسدي واحمد مرتضى وعامر السعدي وجعفر ضياء وصفاء الحبوبي وعشرات غيرهم ممن تبوأ مناصب عليا او حقائب وزارية في الحكومات السابقة، دون ان يمد يداً للحرام وجميعهم بذل واعطى وضحى، وخرج او اخرج من الحكومة والوزارة فقيرا لا يملك غير راتبه التقاعدي الضئيل وكثير منهم بلا راتب ولا موارد، ولكنهم ظلوا أصحاب سمعة طيبة وسيرة محمودة، رحم الله من رحل منهم ومتع الاحياء بالصحة والعافية.
انه زمان الخراب ونماذج الحكم فيه تفصح عن ذاتها وجشعها وفسادها ولصوصيتها وسلوكياتها وكذبها ورياءها وافتراءها، والمشهد الحالي لا يحتاج الى شرح وايضاح.