لا يخفى على أحد أن ما آلت إليه الأوضاع في العراق كان سببه الأهم النهج الطائفي الذي تبنته حكومة نوري المالكي لأكثر من عقد من الزمن مارست خلاله سياسة التهميش بحق أهل السنة في العراق ورغم هذا نرى البعض ينسى أو يتناسى مسببات الدمار الذي حل بهذا البلد العربي، أسوأه إراقة دماء الأبرياء تحت شعارات طائفية بحتة وما يزيد الطين بلة ويبدد الآمال المتبقية لعودة الأمن والسلام إلى بلاد الرافدين ولم يحصل هذا إلا على يد قوات مدعومة من قبل إيران حيث يعتبرها الكثير من العراقيين السبب الأول للصراعات الطائفية في المنطقة.
وفي مثل هذه الأجواء تبدأ عمليات تحرير مدينة الرمادي السنية عاصمة محافظة الأنبار أكبر محافظات العراق من قبضة عصابات داعش الإرهابية التي سيطرت على المدينة قبل أسبوع بأقل كلفة ممكنة بعد انسحاب القوات العراقية دون قتال، ما تسبب في انتقادات واسعة من جانب المسؤولين الأميركيين والعراقيين. لكن ما يثير حفيظة الكثير من العراقيين وأثار بالفعل احتجاج واشنطن، الرمز الطائفي لعمليات تحرير الرمادي.
فقد أعلن المتحدث باسم ميليشيات الحشد الشعبي أحمد الأسدي انطلاق العمليات تحت اسم "لبيك يا حسين" لاستعادة مناطق تقع في شمال وجنوب غرب مدنية تكريت، بالإضافة إلى مناطق في شمال شرق الرمادي، التي يسيطر عليها داعش.
في المقابل، اعترضت وزارة الدفاع الأميركية البنتاجون على رمز العمليات واعتبرته "طائفيا بشكل صريح" مؤكدة أنه لن يساعد على تخطي الأزمة.
وعود ومن ثم وعود
في عام 2014، عندما حل العبادي كرئيس للوزراء محل نوري المالكي الذي رسخ الانقسام بين العراقيين، كان متفائلا إزاء إمكانية القضاء على الانقسامات الطائفية التي تمزق البلاد.
وتعهدت حكومته مرارا بتدريب وتجهيز عشائر سنية في الأنبار على أمل تكرار مشروع "الصحوات" الذي طبق خلال عامي 2006 و2007 عندما رفعت الولايات المتحدة أعداد قواتها في العراق وقلب مشاة البحرية الطاولة على تنظيم القاعدة الذي خرج من عباءته تنظيم داعش.
غير أن الآمال في تحالف جديد مع العشائر السنية تراجعت حتى بعد أن زاد الطابع الملح للتحرك بسبب مذابح لمئات من أبناء العشائر ارتكبها التنظيم المتشدد.
وما أحرزه تنظيم داعش من تقدم في الرمادي قرع جرس الإنذار، ما دفع العبادي إلى الخيار الأخطر وهو الاستناد إلى ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من إيران في معركة الرمادي.
ويقول كثيرون من أبناء العشائر إن مقاتلي تلك الجماعات الشيعية التي يتكون منها الحشد الشعبي يخطفون أبناء السنة ويقتلونهم لأن الحكومة ضعيفة وغير قادرة على كبح جماح تلك المليشيات. وفي حين تنفي تلك الجماعات هذه الاتهامات، إلا أن الكثير من الصور ومقاطع الفيديو وشهادات ميدانية متعلقة بمعركة تحرير تكريت التي ساهم فيها الحشد الشعبي، تثبت صحة هذه التجاوزات، وهذا ما دفع السلطات العراقية إلى الطلب من المليشيات الابتعاد عن الخطوط الأمامية.
ولا ينسى أحد أن الوجه الأبرز إلى جانب ميليشيات الحشد الشعبي في معركة تكريت كان قاسم سليماني قائد قوات القدس الذراع الخارجي لقوات الحرس الثوري الإيراني حيث انتشرت صوره المشتركة مع قادة من الحشد الشعبي العراقيين على تخوم تكريت.
انتكاسة أم مؤامرة؟
ومن المرجح أن يؤدي انتشار الميليشيات الشيعية المسلحة قرب الرمادي إلى تعميق هوة الانقسام في العراق حتى بين السنة أنفسهم، حيث اتهم الشيخ علي حماد أحد شيوخ عشائر الفلوجة في محافظة الأنبار في حديث لوكالة رويترز، حكومة العبادي بالتعمد في السماح لسقوط الرمادي، تمهيدا لنشر الميليشيات الشيعية المسلحة في المنطقة السنية. ومضى يقول "كانوا يريدوننا أن نصل إلى هذه النقطة. الناس ومجلس المحافظة كانوا مرغمين على الموافقة على دخول الحشد لأنهم لم يعطوا السلاح إلى السنة".
وأضاف "ماذا فعل لنا؟(في إشارة إلى العبادي) أسلوبه يختلف ولا يتحدث بطريقة طائفية، لكننا لم نر أي شيء ملموس يجعلنا نقول إنه يختلف عن المالكي. العبادي لا يحكم بغداد. الميليشيات هي التي تحكم."
شعارات طائفية تزامنا مع تحركات مثيرة للشكوك
وبدلاً من أن تؤدي عملية تحرير الرمادي إلى تبدد الانقسامات، باتت تحمل شعارا قد يثير النزعات الطائفية. وبدلاً من أن يتحول الجيش العراقي إلى صاحب المبادرة صارت ميليشيات الحشد الشعبي تتصدر المشهد، بحيث تعلن عن بدء العمليات وتحدد شعارها، ليتبعها بعد ذلك العبادي القائد العام للقوات المسلحة العراقية، حيث كتب على صفحته على الفيسبوك:"الآن جحافل قواتنا المسلحة بجميع صنوفها وبإسناد من أبناء الحشد الشعبي وغيارى العشائر يبدؤون عملية تحرير الأنبار من عصابات داعش".
لكن الفصائل الشيعية لم تسع لمجاراة العبادي. فبحسب وكالة رويترز فإن المليشيات هي التي تولت قيادة الحملة الرامية لإخراج مقاتلي تنظيم "داعش" من محافظة الأنبار في غرب العراق وأطلقت على العملية اسما طائفيا (لبيك يا حسين) قد يثير غضب سكان المحافظة من السنة.
وتزامنا مع هذا أعلن موقع "أصوات حرة" نقلا عن مصادر مطلعة في العاصمة بغداد عن اجتماع سري عقد بين قادة في الحشد الشعبي بزعامة هادي العامري قائد فيلق بدر وضباط كبار في استخبارات الحرس الثوري الإيراني تم خلاله مناقشة قضايا تتعلق بتزويد ميليشيا الحشد الشعبي بـ"100" صاروخ أرض أرض من طراز سكود".
وتابعت المصادر قائلة إن "تنسيقا عاليا حدث بين الحرس الثوري والحشد الشعبي مؤخرا عقب سقوط الرمادي وإن الأوامر تصدر للحشد من قيادة الحرس الثوري مباشرة وحصراً في كيفية استعمال هذه الصواريخ".
وأكدت أن "ضباطا في الحرس الثوري ينوون ضرب مركز محافظة الأنبار الرمادي بهذه الصواريخ لتدمير المدينة بشكل كامل مع سكانها".
انتقادات غربية
الكولونيل ستيف وارين المتحدث باسم البنتاجون قال يوم الثلاثاء إن اختيار ميليشيات شيعية عراقية اسما طائفيا ليكون الرمز لعمليات القوات العراقية التي تهدف لاستعادة مدينة الرمادي هو اختيار غير مجد".
كما انتقد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الحكومة العراقية قائلاً: "إن فرنسا كانت قررت العام الماضي شن ضربات جوية ضد داعش شريطة أن تقوم بغداد بتشكيل حكومة أكثر تمثيلاً"، مضيفا في حديثه للمشرعين الفرنسيين: "هذا التوافق هو الذي برر مشاركتنا العسكرية وأقولها هنا بوضوح، إنه يجب احترامه (التوافق) بشكل أفضل".