في العراق أضحى اللعب على المكشوف, وبات النفوذ الإيراني في ظل الضعف البنيوي لحكومة حيدر العبادي سمة من سمات الواقع العراقي المتدهور نحو خيارات أحلاها أشد مرارة من العلقم, فالحرس الثوري الإيراني بات يتصرف ميدانيا بمنطق حر ومستقل عن رأي القيادة العسكرية العراقية, وحيث دخل أربعة آلاف عنصر حرسي مدججين بالأسلحة وترسانة الصواريخ الإيرانية للمشاركة في حسم معركة الأنبار التي يبدو أن على مصيرها تتوقف ملفات ومسائل عديدة, ومن الجانب الآخر فإن رجال إيران المباشرين في العراق,
وهم من طليعة العملاء العاملين في خدمة المشروع الإيراني كهادي العامري العميد في الحرس الثوري والإرهابي الدولي أبومهدي المهندس, باتوا يتصرفون اليوم بحرية, بل ويباشرون بشكل ميداني عملية السيطرة على بقية الجماعات الشيعية المنافسة وتحجيمها أو سوقها بالقوة والترهيب للعمل لصالح مشروعهم الميداني الواضح ففي محافظة البصرة يدور صراع علني قد تفجر اخيرا بين محافظها ماجد النصراوي, وهو من صفوف »المجلس الأعلى« (جماعة الحكيم) وبين هيئة الحشد الشعبي التي يقودها المهندس والعامري كان من نتيجته تهديد المهندس للنصراوي بالعواقب الوخيمة إن هو تدخل في أمور هيئة الحشد! وهو ما يعني أن جماعة الحرس الثوري من العراقيين العاملين على بلورة قيادة ميدانية لمؤسسة الحرس الثوري العراقي قد دخلوا في مرحلة الهجوم التعبوي المباشر, فهيئة الحشد باتت هي الإطار العام والجاهز والواجهة العلنية للمشروع الإيراني الذي يتابع بقلق انهيار الحليف السوري الحتمي والمتواصل ليتمسك بالوضع العراقي وليهيمن على حكومة هي من أضعف الحكومات في تاريخ العراق.
اليوم وصل العراق لمرحلة تسليمه بالكامل لقيادة الحلف الإيراني وبالذات لقيادة أبومهدي المهندس الذي باتت سطوته واضحة في ظل المراقبة الأميركية الغريبة, فالرجل مطلوب للعدالة في الكويت أولا والمحكوم فيها بالإعدام لدوره الستراتيجي في التخطيط لإرهاب ثمانينات القرن الماضي!, وكذلك هو مطلوب للمخابرات الأميركية بالملف الكويتي نفسه, ومع سجله العدلي الثقيل فالرجل تحول لقيادي عسكري عراقي يجتمع رسميا مع رئيس الحكومة والذي بات يتلقى الأوامر والتعليمات منه مباشرة بإعتباره رجل إيران الأول في العراق عبر تكليفه بقيادة الحشد الشعبي الذي هو في طريقه ليكون القوة العسكرية الأولى في ضوء نتائج المعارك الساخنة القادمة القريبة في الفلوجة والأنبار وصولا للموصل التي يبدو مفتاحها رهنا بحسم تلك القوات لمعارك غرب العراق الحاسمة التي كلفت الحرس الثوري الإيراني ذاته خسائر بشرية مروعة لا تسمح له أبدا بالانسحاب بهزيمة كارثية!
فالعراق اليوم وفي ضوء التقدم والتغلغل الستراتيجي الإيراني الرهيب بات خط الدفاع الأول والأخير عن تخوم النظام في طهران, وهيمنة قوى الحشد بطبيعتها الغوغائية وقياداتها الرثة وتعديات عناصرها ولصوصية بعضهم قد حولت العراق لما يمكن وصفه بعراق العجم من دون مواربة… وثمة حقيقة مركزية متبلورة في الأفق تقول ان الحرس الثوري من خلال العامري والمهندس يحاول السيطرة التامة على محافظة البصرة لأسباب ستراتيجية بحتة لأهمية موقعها ولثرواتها وإمكاناتها وتواصلها المباشر مع العمق الإيراني والأهم من كل شيء إطلالتها الخليجية وقربها الشديد من الكويت وجميعها أمور ونقاط يعتبرها الإيرانيون بمثابة خطوط حمراء في مشروعهم الهجومي المتقدم.
ستشهد الأيام المقبلة معارك دموية بين الأحزاب الطائفية العراقية للهيمنة على الجنوب العراقي وستعمل عصابة العامري ¯ المهندس على تحييد »المجلس الأعلى« أو إبعاده وربما التخلص منه بالكامل إن أبدى مقاومة للرغبات والأوامر الإيرانية… معركة المصير للسيطرة على الشرق تقتضي مراحلها الراهنة رفع اليد عن جماعة عمار الحكيم التي استهلكت نفسها في السلطة ومغرياتها والتحول لتسليم الأمور للرجال المخلصين للمشروع الإيراني, وهم مجموعة العامري والمهندس الذين يديرون حربا هجومية لإلغاء الأطراف الطائفية الأخرى وتماما كما فعل »حزب الله« حين ألغى تقريبا هيمنة حركة أمل لينفرد بقيادة الشارع الشيعي في لبنان.
في العراق بدأت حروب الإخوة الأعداء وستتساقط رؤوس وعمائم عديدة في طريق الهيمنة الإيرانية المباشرة… لقد حانت ساعة الحقيقة وسيكون الإرهابي أبومهدي المهندس هو رجل المرحلة الإيرانية في العراق, وربما سيكون رئيس الحكومة العراقية القادم, وأراهن على حدوث ذلك من خلال قراءة تطورات الأوضاع العراقية… الحرس الثوري هو من يقود العراق اليوم!
كاتب عراقي