يطول الحديث و يصبح ذو شجون عندما نطرح موضوع التدخلات السافرة و غير المحدودة لنظام ولاية الفقيه في المنطقة على بساط البحث و النقاش، خصوصا عندما نجد أن هذا النظام يضع کل ثقله في هذه التدخلات و يسعى في النتيجة لجعلها سکة تسير عليها قاطرة مصالحه الضيقة المشبوهة على حساب مصالح شعوب و دول المنطقة، ولئن کانت الملفات و القضايا و المواضيع المتعلقة بهذا السياق کثيرة و متباينة، لکننا سنرکز بصورة خاصة على الدور الذي يلعبه فيلق القدس الارهابي بقيادة الوجه المکروه و المرفوض عربيا و إسلاميا و دوليا قاسم سليماني.
فيلق القدس التابعة للحرس الثوري الايراني، يعتبر الذراع الخارجي للحرس و کما نراه جليا و واضحا فإن دائرة نشاطه تترکز على البلدان العربية "في الوقت الذي يزعم نظام ولاية الفقيه إنه يعادي أميرکا و اسرائيل" وهي حاليا يلعب الدور الابرز في سوريا و العراق و لبنان و اليمن والبحرين، ويسعى بکل قوته خصوصا بعد أن وصل بأقدامه المشٶومة الى الاراضي اليمنية بفعل تجنيد الحوثيين لدوافع طائفية مکشوفة، أن يعبر الى الضفة الاخطر أي الى بلدان الخليج العربي وإنها ترکز حاليا على البحرين و السعودية ومن ثم تسعى للقفز الى الامارات و الکويت و قطر، ولاغرو من أن دول المنطقة قد بدأت تشعر بالخطر الداهم و المحدق بها، خصوصا مع التصعيد الملفت للنظر في المسائل الطائفية و بصورة غير مسبوقة في التأريخ المعاصر، والهدف الذي ترکز عليه هو أن الشيعة في خطر و تسعى هذه القوة الدخيلة المشبوهة جملة و تفصيلا للدفاع عنها.
فيلق القدس بقيادة سليماني، قد صال و جال في العراق و سوريا و اليمن ولبنان و غذ الاحقاد الطائفية و سعى لکي يکون في الوقت الحاضر معيارا للتعامل و التعاطي بين الشيعة و السنة، وانه ومن أجل إتمام و إنجاز هذا الهدف قام بتأسيس ميليشيات شيعية تزعم في ظاهرها إنها مکرسة للدفاع عن الشيعة او عن المراقد المقدسة، لکنها في الحقيقة و واقع الامر موجهة و بصورة مباشرة من أجل خدمة الاهداف و الاجندة الخاصة بنظام ولاية الفقيه، وهي ترکز و بصورة ملفتة للنظر على التهديد المحدق بالشيعة العرب في أقطار الوطن العربي و تسعى من خلال برنامج عقائدي يرتکز على مقومات مأخوذة و مستنبطة من نظام ولاية الفقيه إجراء أکبر عملية غسل أدمغة للشيعة العرب على مر التأريخ.
السٶال الذي يجب هنا طرحه هو: هل حقا أن هناك تهديدا محدقا بالشيعة العرب؟ وهل أنهم مستهدفون؟.
الاجابة على هذا السٶال يجبرنا على إلقاء نظرة متفحصة على تأريخ الشيعة العرب في الاقطار العربية، والبحث و الاستقصاء بشأن وجود مثل هکذا تهديد او خطر يحدق بالشيعة العرب سابقا، فإننا نجد خلاف ذلك تماما، وعلى سبيل المثال، فإننا عندما نراجع أحداث ثورة العشرين العراقية ضد الاستعمار البريطاني، نجد أن العشائر العراقية بشقيها السني و الشيعي قد قاتلت ببسالة المحتل البريطاني کتفا الى کتف، مثلما ان العشائر العلوية و السنية في سوريا قد کافحت و قاتلت الاستعمار الفرنسي متکاتفة و متوحدة مع بعضها، ولم نشهد حربا طائفية جرت فيها عمليات إبادة طائفية کما جرت و تجري الان في بلدان المنطقة بإشراف و توجيه من فيلق القدس لأهداف تتعلق بمشروع نظام ولاية الفقيه الايراني الذي يعتمد أساسا على جعل نظام ولاية الفقيه أمرا واقعا يهيمن على معظم بلدان المنطقة.
طوال العقود الطويلة الماضية، إختلطت الانساب بين العشائر العربية السنية و الشيعية و کان هناك مصالح مشترکة و أهدافا مشترکة و قواسم مشترکة عديدة تجمعها و تشدها الى بعضها بقوة، والذي يبدو واضحا أن فيلق القدس و طبقا لأوامر و توجيه من طهران يقوم بالعمل على تفتيت هذه المصالح و الاهداف و القواسم المشترکة بين السنة و الشيعة، وتريد أن تغير من ولاء الشيعة العرب بجعله حکرا على نظام ولاية الفقيه، وکما نرى فإن المشروع الايراني و من خلال سعيه من أجل تجنيد الشيعة العرب يعمل على التشکيك في الولاء للوطن و الشعب و العرق و التأريخ المشترك و يعتبر کل ذلك متعارضا و منافيا لمصلحة الشيعة العرب، وان المواجهات و الفتن الطائفية التي أثارها فيلق القدس بطرق ملتوية و أجج الروح الطائفية، قد کانت بالأساس من أجل التمهيد لأرضية و مناخ مناسبين لرفض الولاءات الحقيقية و الواقعية الاخرى.
طوال العقود الماضية، لم يشهد الوطن العربي قتلا و فناءا و تهديدا للشيعة العرب کما هو الحال في الوقت الحاضر، وقد کانت العقود الماضية تزخر بکل أنواع الامن و الاستقرار و العيش الهانئ لکل الاطياف و الشرائح وخصوصا الشيعة، ويکفي أن نشير بأن الشيعة العرب کانوا هم من يمسکون بأهم الاسواق و مصادر العيش و کان لهم دور بارز في الاوساط السياسية و العسکرية و الفکرية لکن الذي يجري حاليا هو الحجر على دورهم و جعله إنعزاليا و إنطوائيا لايخدم أحدا کما يخدم نظام ولاية الفقيه، وان الشيعة العرب وخصوصا المنبهرون و المنخدعون بنظام ولاية الفقيه، سوف يصحون عاجلا أم آجلا من غفوتهم و يعودون الى صوابهم والى واقعهم و أوطانهم و شعوبهم.
* الامين العام للمجلس الاسلامي العربي في لبنان.