لمقاومة العراقية بين النصر والتأخير
لم تضع إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش جدولاً زمنياً رسمياً لإنسحاب قواتها العسكرية من العراق في أواخر عام 2008، لولا المقاومة الباسلة التي كسرت شوكتها وحطت من هيبتها ومرغت عليائها بوحل الرافدين. أن هذه المقاومة البطلة هي التي ساهمت بصورة أو أخرى في هزيمة الحزب الجمهوري بالإنتخابات الرئاسية وساعدت باراك أوباما بالوصول إلى البيت الأبيض، بعد الخسائر الجسيمة والمريرة التي تكبدتها أمريكا بشرياً وإقتصادياً ومادياً. وما ترتب على ذلك من إنهيار مالي أمريكي لم تشهده منذ العام 1929، والذي أدى بدوره إلى الإنهيار المالي العالمي الذي إمتد أواره ما بين 2008-2009. وكذلك إهتزاز الزعامة الأمريكية في المحافل الدولية، ويكفي أن نذكر هنا إكتساح الجيش الروسي لنصف أراضي جورجيا (400 ألف كم²) بخمسة أيام، إنتهت في 12-8-2008 وحققت خلالها انتصاراً سهلاً إلى الانفصاليين الموالين لروسيا في الإقليمين أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا؛ وخسر الرئيس الجورجي ساكاشفيلي حليف أمريكا والمدعوم منها.
أن دورنا كباحثين أكاديميين نؤمن بالجهاد والكفاح في تحرير الوطن من براثن المحتل، يكمن جزءٌ منه في رصدنا وتتبعنا للمقاومة العراقية منذ بواكير إنطلاقاتها، بعد إحتلال بغداد في 9 نيسان/أبريل 2003، والتي مرت فصائلها في عدة تشكيلات وتغيرات ومسميات؛ لتكون كتاباتنا من بين الملفات التي تؤرخ لمرحلة عصيبة يمر بها عراقنا الحبيب والعظيم. وهكذا بكل فخر وتواضع كنت ومازلت أكتب المقالات والدراسات التي تهتم بشؤون المقاومة خصوصاً، وما يجري في العراق المحتل عموماً. والذي أود طرحه في هذا الصدد هو أن الصورة التي وصلت إليها مكونات المقاومة الرئيسة قد أصبحت اليوم في وضع، يبدو إنه، لا يقبل مزيداً من الإصطفاف الوحدوي لإستجابات التحدي، كما كانت عليه في مرحلة من مراحل تكويناتها وتشكيلاتها التي وصلت جل فصائلها إلى التوحد ضمن جبهات جهادية كبيرة ومتميزة في النصف الثاني من عام 2007.
أن هذه الجبهات أو التكوينات الرئيسة في المقاومة الوطنية العراقية المسلحة، توقعنا لها أن تستجيب لتحديات لا محال قادمة، كإستنتاج منطقي وتحليل عقلي لتطورات الواقع ومستجدات معطياته. وبالذات بعد أن تحول النفوذ الصفوي الإيراني إلى إحتلال سياسي مد شبكاته السرطانية في الكثير من مناحي الحياة عبر الجمعيات والمراكز والشركات: الخيرية والاجتماعية والسياحية والتجارية والمالية الخ.
الثورات العربية
عندما إشتعل لهيب الثورات العربية التي إنطلقت شرارتها الأولى من تونس لتمتد إلى مصر ثم ليبيا واليمن وسوريا، كان العراق جزءً من هذه الثورات التي إتفق الكثير من شرائح المجتمع على جعل 25 شباط/فبراير الماضي أن تكون بداية الثورة السلمية المدنية ضد الاحتلال وحكوماته المتعاقبة. وبأسم الجماعة الوطنية العراقية في بريطانيا تقدمتُ للسلطات المحلية بغية الموافقة على حشد مظاهرة ضد حكومة الاحتلال أمام سفارة العراق في لندن. ورغم إنه كان يوماً مشهدوداً داخلياً وخارجياً، إلا أن أهم ما جاء في ذلك اليوم هو هذا الإعلان:
"تأييدا منا ووقوفاً مع ثورة الشعب العراقي المظلوم في المطالبة بحقوقه المشروعة وانتفاضته على الاحتلال والظلم والاضطهاد والفساد والقمع ومصادرة الحريات، فقد قرر الموقعون على هذا البيان من فصائل المقاومة تعليق كل أنواع العمل المسلح" لمدة أسبوع واحد. وكان الموقعون على البيان هم:
1- جبهة الجهاد والتغيير
2- جماعة أنصار السنة
3- الجماعة الإسلامية في العراق
4- حركة التصحيح والتجديد للجيش الإسلامي في العراق
5- جبهة الجهاد والتحرير والخلاص الوطني
6- حركة المقاومة الإسلامية (حماس – العراق)
7- الجبهة الإسلامية للمقاومة العراقية (جامع)
8- جيش الفاتحين
كان البيان بالقدر الذي يعني أهمية وحدة الخطاب المقاوم، والذي بدوره هو جزءٌ رئيسي من وحدة الهدف المشترك لكافة أطياف المقاومة العراقية. بيد أن الإكتفاء بحدود هذا الخطاب المشترك لا يفي بالغرض التاريخي من المقاومة الوطنية. أعني إن المقاومة التي هي إمتداد طبيعي لمكونات المجتمع العراقي، فإن هذا الشعب مهما تفاوتت مطالبه في هذه التظاهرات، إلا أن خروجه المتواصل والمستمر في التظاهرات والاعتصامات وتقديمه للشهداء وللمعتقلين، قد خلقَ واقعاً جديداً وصنعَ حدثاً تاريخياً. وبالتالي على قادة المقاومة أن تستجيب لهذا الشعب بفعالية وتخطيط ملموس أكثر، لاسيما وإن أغلب الفصائل لها مكاتب سياسية وإعلامية. ومن أهم هذه الاستجابات هي إنبثاق وحدة المقاومة التي تبث القوة والعزيمة والإصرار الإرادي بين جموع المتظاهرين الغفيرة من جهة، وتثبت قدرتها على تخطي المعضلات والحواجز من أجل مستقبل الوطن من جهة أخرى.
بعبارة أخرى،
أن الوضع المستجد على الساحة العربية، ونجاح الثورتين الشعبيتين العظيمتين في تونس ومصر، قد فعّلَّ أكثر في تأجيج عزيمة وإرادة الشارع العراقي ضد الاحتلالين: العسكري الأمريكي والسياسي الإيراني وأذنابهم من الإمعات العراقيين. بل أن شرائح كثيرة من الشعب قد وعت للأحابيل والتضليل التي خدعها بها البعض من رجال الدين والسياسة. ومن هنا يتوجب على قادة المقاومة أن تستجيب بفعالية أكثر لهذا التحدي الجديد وتُظهر للشعب العراقي شيئاً أقوى من وحدة الخطاب الميداني المحدود وقتياً. ألا وهو الإنتقال من القول إلى الفعل بإعلان وحدة المقاومة نفسها، التي أصبحت اليوم ضرورة أكثر مما مضى، نظراً للمستجدات التاريخية الخطيرة عراقياً وعربياً.
قد يكون هناك حسابات معينة لهذه الجبهة الجهادية أو ذلك الفصيل المقاوم، غير أن أولوية التحرير توجب على الجميع حسابات الشعب أولاً. ومنذ 25 شباط، يعتبر الشعب العراقي بحاجة ماسة إلى قيادة وطنية متمرسة تمسك بدفة السفينة تجاه ما يعصف بها من رياح وأعاصير. وعدم وجود هكذا قيادة عليا أو جبهة جامعة لقادة المقاومة، فإن هذا التكوين المتجزأ يؤثر سلباً في كيان الثورة العراقية. رغم أن عدم وحدة المقاومة لا يعني إنها في خطر، أو أنها تشكو من وهن معين، وإنما تأخير في تحقيق إنجاز النصر لا أكثر. وبما أن ثورة شباب العراق السلمية والحضارية قد إنطلقت، لذا أصبح لزاماً على قادة المقاومة أن تعجل بقراءة الواقع ومستجداته. فلا جواب كافٍ ووافٍ لمواكبة هذه الأحداث والوقائع غير إنبثاق وحدة المقاومة، لتنتقل هي والشعب إلى مرحلة الختام النهائي بمجابهة المحتل الغاشم وأعوانه الخونة.
مخاطر تأخر وحدة المقاومة
كما كتبنا سابقاً، ونحن على يقين، إن قادة المقاومة على وعي وإدراك عميقين في ضرورة وحدة الجهد بالعمل الجهادي على الساحة العراقية. إنه مطلب شعبي وواجب شرعي وضرورة وطنية لا مناص منها في تحقيق النصر وتحرير البلاد والعباد. ولذلك كانت هناك الكثير من الدعوات لقيام الجبهات الجهادية في توحيد الكفاح المسلح، والتي تحققت فعلياً عام 2007. نذكر منها: قول الناطق الرسمي لجبهة الجهاد والتغير الدكتور ناصر الدين الحسني حيث يشير إلى أن "وحدة كلمة فصائل المقاومة وجمع كلمتها ضرورة وواجب شرعي يفرضه واقع الساحة الجهادية بالعراق وما حققته تلك الفصائل من انتصارات على الأرض. ... واستيعاباً للخطر المحدق بنا وببلدنا وأمتنا صار من الضروري تحقيق هذا الواجب وهذه الضرورة".
وكذلك قول الناطق باسم القيادة العامة للقوات المسلحة–الجيش العراقي الفريق الركن أبو سيف: "من المبادىء الرئيسة في حرب التحرير الوطنية وحدة القيادة ووحدة الجهد وتحشيده ضد الاحتلال والجبهات التي ظهرت هي في هذا الإطار نعتقد أنها خطوة مباركة على طريق الجهاد".
وبعد سنتين من إنبثاق تلك الجبهات الجهادية، بدأت الدعوات والرؤى لقيام وحدة المقاومة نفسها بشكل عام. نذكر هنا ما جاء في خطاب عزت الدوري بتاريخ 2-11-2009. حيث أشار في مطلعه: "إن إنجاز الحسم الكامل والنصر المؤزر والتحرير الشامل يتطلب التوحد والتآلف بين فصائل المقاومة العراقية. لذلك ندعو إلى الوحدة الشاملة والتوحد لكل الفصائل على أُسس ثوابت التحرير والإستقلال".
وفي دراسة موسومة "العمليات المشتركة خطوة لتوحيد فصائل المقاومة". نشرتها مجلة كتائب ثورة العشرين (العددين:41-42، 2010) ركز كاتبها الدكتور عمر صلاح الدين علي على أهمية الواقع الميداني كونه "خطوة" رئيسية وأساسية في الإتجاه الوحدوي بين الفصائل المقاومة. إذ حسب تصوره، إن العمليات القتالية ذات الطابع الجماعي تشيد قوائم الوحدة الرصينة بين فصائل المقاومة جمعاء. ففي ذلك العمل تتظافر جهود كثيرة، قتالية وإستخبارية ومالية وإعلامية وإدارية وكل ما هو ضروري ولازم في إنجاح الهدف المشترك الذي ينقل المقاومة إلى مرحلة متقدمة ومتطورة على طريق التحرير، وبالتالي تشكل أرضية صالحة لعملية التوحيد ذاتها. ولقد ثمنتُ رؤيته الواقعية بمقالة نشرتها المجلة في عددها 42.
ورغم إيماننا بصدق النوايا حيال كل ما يُطرح في توحيد المقاومة، إلا أن الإبقاء على الأقوال دون الأفعال يجعل النظر إلى المستقبل محفوف بالقلق والظنون والخوف على المقاومة نفسها. خصوصاً وإننا نرصد تلك الدعوات الناتجة من داخل الميدان فقط. ربما أن رجال الميدان الأبطال لا يعتريهم هذا الهاجس، لكننا نحن الذين ننظر إليهم من الخارج لنا رؤيتنا التي قد تفيدهم. إذ حسب تصورنا، إن هذا التأخر العملي لإنبثاق وحدة المقاومة، سينتج عنه خللاً واضحاً بين زمنية تحقيق النصر وسببية تأخيره.
بمعنى آخر،
إن تسارع الأحداث والحراك الجماهيري عراقياً وعربياً، وما تزال وحدة المقاومة تلوح تباشيرها بعيداً في الأفق النظري لا الواقع العملي، فإن إستمرارية هكذا وضع يوحي إلى أن مستقبل العمل الجهادي في تحقيق النصر سوف تتخلله زمنية التأخير. وهنا – دون قصد– يمنح قادة المقاومة ملجأً زمنياً للأعداء يساعدهم في إعداد مخارج وقتية معينة في البقاء لأطول فترة ممكنة. ولذلك وجدنا كيف أن مسألة الإنسحاب العسكري الرسمي في 31-12-2011 بدأت إدارة أوباما بالألتفاف عليه. وإن مدة 100 يوماً التي قالها المالكي عن وزارته المترهلة هي من أجل سرقة العنصر الزمني ليس إلا. وبعد مضيء أكثر من 14 شهراً على الإنتخابات، مازالت حكومة الاحتلال الخامسة ناقصة؛ والمالكي نفسه مستمر في لعبة الزمن لكسب مزيداً من فسحة الوقت.
في حين، إن إنبثاق وحدة المقاومة في جبهة كبرى أو مجلس أعلى يضم في حناياها مختلف مكوناتها، فإن حتميتها ستؤدي إلى تقصير العامل الزمني عند الأعداء، وستقترب من خلاله المقاومة بشكل أسرع نحو إنجاز النصر المبين، بعون الله تعالى.
الإدارة الأمريكية القادمة
بعدما ضمن باراك أوباما ترشيح حزبه الديمقراطي لخوض الإنتخابات الرئاسية في العام القادم، وحسب رأي المحللين والمراقبين الأمريكييين، أن أوباما سيفوز بدورة رئاسية ثانية. ودون شك، إن هذه التوقعات ستزداد أكثر لصالح أوباما بعد عملية إغتيال رأس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن في باكستان، والتي أُعلن عنها في 2-5-2011. وبما أن الثورات العربية يتصاعد سعيرها، ولقد خسرت أمريكا لحد الآن حليفين مطيعين: حسني مبارك في مصر، وزين العابدين بن علي في تونس؛ لذا فإننا نتوقع، خلال الفترة الرئاسية القادمة، ستكون هناك إستراتيجية جديدة سوف ينتهجها أوباما تجاه البلدان العربية الثائرة. حيث سيعمل أوباما على كسب الشارع الشبابي العربي، لا لأنه المحرك الحقيقي للتغيير، فهذه بديهية صارت معروفة، بل لأن هؤلاء الشباب والرجال الذين أحتظنوهم قد قدموا لبلدان العالم ولعِلم الإجتماع درساً جديداً في التاريخ البشري؛ حيث القضاء على نظام الأستبداد المزمن، المدعوم غربياً، بسلوكية حضارية غير معهودة من ذي قبل. وبالتالي سيتوجب على إدارة أوباما التي تتتعامل معها وفق سياسة تتلائم وما سيتمخض عنه الواقع العربي الجديد.
وبما أن الوجود الإيراني داخل العراق قد نافس بل وتفوق أحياناً على المحتل الأمريكي، لاسيما مع الشخوص الذين يحملون ولاءً مزدوجاً بين طهران وواشنطن. لذا لو فرضنا وقلنا من مبدأ فلسفة "البراكماتزم" الذرائعية التي يؤمن بها أوباما، بأن إستراتيجيته القادمة ستميل للتفاوض مع المقاومة بغية إزاحة الثقل الإيراني من جانب، ومن جانب آخر، التخلص من شخوص الاحتلال الذين أصبحوا عالةً على المحتل وعلى الشعب العراقي الذي بدأ يتحرك سلمياً ضدهم. وهنا يكمن محورالسؤال المستقبلي:
تُرى مع مَنْ ستتفاوض الإدارة الأمريكية القادمة؟
في أسطنبول من عام 2009، جرت مفاوضات بين المجلس السياسي للمقاومة العراقية وإدارة أوباما. وكان لزاماً أن تنتهي هكذا لقاءات محدودة إلى طريق مسدود. إذ أن هذا المجلس لا يمثل كافة أطياف المقاومة العراقية، كما وإن المفاوض الأمريكي لايريد غير خرق وشق وحدة الجهاد في العراق. وعندما فشل المفاوض الأمريكي من مأربه، كانت فصائل المجلس الأربعة مستمرة في جهادها. ورغم أن هذه الصورة التفاوضية لم تتكرر، إلا أن المحتل إستطاع في عام 2008 من إحداث شرخ كبير بين صفوف المقاومة عبر ما يسمى مجالس الإسناد أو" الصحوات". ومع ذلك لم يحقق المحتل الأمريكي هدفه الرئيس بالإجهاز على المقاومة، وإن الصحوات إنتهت إلى قمامة التاريخ. وعليه فإن الدروس من تلك المرحلة يعيها الذرائعي باراك أوباما، ومن أجل الحفاظ على المصالح الأمريكية، والخروج المشرف من العراق، يعلم أوباما أن يتعامل مع المقاومة نداً إلى ند، وهذا الأمر ليس بمستبعد سياسياً أو فكرياً أو إجتماعياً. فالمَثل الغربي يقول: إذا لم تستطيع أن تغلبهم، شاركهم.
وبذا لابد من قيام وحدة جبهوية جامعة وشاملة لمختلف مكونات المقاومة الوطنية العراقية. إذ بالقدر الذي تُعجل فيه هذه الوحدة من تحقيق النصر وإتمامه، فإنها تمهد أيضاً للمحتل الأمريكي أن يعترف بها كقوة حقيقية تمثل إرادة الشعب وتطلعاته المشروعة في نيل الحرية والسيادة الكاملة. وبالتالي تمنح هذه "المقاومة الموحدة" إدارة أوباما فرصة الخروج الذي يحفظ لها كرامتها دون إهانة.
أما في حالة عدم وجود هكذا مقاومة موحدة، فإن إدارة أوباما المستقبلية، وبالضرورة، ستستمر بالتعاطي مع الواقع العراقي على ما هو عليه: سيطرة إيرانية متفاقمة، شخوص إحتلال منقسمين في ولاءآتهم، مقاومة متجزئة التكوين ومتعددة العقائد، وشعب يرزح ويئن تحت نير الواقع لكنه يستمد قوته من تاريخه وحضارته ويتواصل مع الحياة عبر تظاهراته وإعتصاماته من أجل الإنعتاق.
الخلاصة
إن تحقيق النصر وطرد المحتل الأمريكي والإيراني والقضاء على الخونة ومحاسبة من تلطخت يداه بدماء العراقيين الأبرياء، وبناء دولة العراق المنشودة بالعدل والحقوق والمساواة بين كافة المواطنين، كل ذلك وغيره، إنما يتوقف على جهود المقاومة المظفرة وقواها المدنية المناهضة للإحتلال. ورغم إن المستقبل يسير حثيثاً لصالح المقاومة، لكن الوصول إلى زمنية هذا المستقبل سيتأخر أكثر طالما كانت وضعية المقاومة متجزئة التكوين، ولم تصل بعد إلى تحقيق هدفها التحرري المشترك ضمن العمل الجبهوي الوحودي.
إن هذا الوضع إذا ما أستمر لفترة زمنية أخرى لا ترتقي فيه إلى متطلبات وحاجات الواقع، فإن الأمر سيخلق فجوة أو حدود رتيبة يقف حيالها كل طرف عن الطرف الآخر. وبصراحة تامة، هذا ما بدأنا نلاحظه بين هياكل مكونات المقاومة التي بدأت تبطأ رويداً رويدا تجاه عملية الإصطفاف الوحدوي. وهذا الوضع برمته ليس في صالح مستقبلية العمل المقاوم، من حيث إحراز النصر بإرادة كلية واحدة. وهنا نحن لا نُحَمّل أي فصيل أكثر من طاقته، ولا نطلب من الآخرين تنازل ما، ولكن بما إن وجود إتفاق واحد تجلى عن إرادة واحدة تلألأت في بيان 25 شباط، لذا نطالب من قادة هذه المقاومة ونحضهم على فعل شيء ينم عن هدفهم التحرري المشترك، وذلك بتحقيق وحدة المقاومة التي من خلالها فقط يتم تحقيق النصر بدلاً من تأخيره.
إن حتيمة الوحدة الجبهوية في المقاومة العراقية أمر لا مناص منه، ومسلك لا محيص عنه. وعلينا أن نوظف العمل المقاوم مع الأحداث والوقائع التي يصنعها الشعب، ليكون لدى الجميع حافزاً جباراً نحو تحرير الوطن اليوم وليس غداً.
في الأول من آذار/مارس عام 2009، إستلمت رسالة من المجاهد الدكتور ناصر الدين الحسني، جاء في مطلعها: "نحن في جبهة الجهاد والتغيير نود أن نبث لكم شكرنا وعرفاننا بجهودكم المتواصلة والثابتة والنابعة من إيمانكم في ضرورة إصطفاف كل القوى والشخصيات المناهضة والمقاومة للإحتلال من أجل الخلاص النهائي من الإحتلال وأذنابه وتبعاته". ولذلك أود أن أكرر دعوتي الخالصة لقادة المقاومة بالعمل على إنبثاق الوحدة ولو بحدودها الدنيا لتكون منبعاً هاماً وقوياً لكافة الوطنيين العراقيين، ولكل الأشراف من العرب والمسلمين. فالمرحلة التي يمر بها عراقنا وأمتنا، قادة الميدان أعلم بخطورة مداها، وما هو الواجب العملي إتجاهها. إن المقاومة الآن، حسبما نعتقد، تراوح بين تحقيق النصر وسببية تأخيره، وإن التكوين المُجزء مرحلة يجب تجاوزها وفقاً للأحداث والوقائع المتسارعة، وأن تنتقل المقاومة إلى طور التكوين الكلي الموحد، لكي تكون في صدارة التقادم الزمني بتحقيق النصر إنشاء الله تعالى.