تشكيل هيئة وطنية للتعويضات ضرورة ملحة ، دعوة للنخب !
د. عمر الكبيسي
منذ ان احتل العراق ونصبت عمليته السياسية القائمة على ركيزتي الطائفية والعرقية وتبين بوضوح فسادها وعدم جدواها ، ومنذ انطلاق فصائل المقاومة الوطنية المسلحة ومن ثم قوى وكتل وهيئات وشخوص المناهضة السياسية للإحتلال ، ضمنت هذه القوى في برامج إنطلاقها ومشاريعها المناهضة نصوصا واضحة بضرورة التصميم والتأكيد على مشروعية ان يكون تعويض العراق والعراقيين عن أضرار الاحتلال ودماره مطلبا وطنيا لا يمكن التنازل عنه سواء خرج الاحتلال بهزيمة او تفاوض .
أتحدى ان يكون لأي مكون سياسي مشارك في العملية السياسية ذكر في برامجهم الانتخابية او كتلهم السياسية لنص له علاقة بالتعويض عن أضرار الاحتلال كحق وطني وإنساني مشروع . وباستثناء مجموعة نواب التيار الصدري وخمسة نواب آخرين من الحوار والتوافق و وزيرة المرأة من التوافق بإجتهاد شخصي عارضت التوقيع على المعاهدة ورفضتها (وهذا موقف يسجل لهم ) صوتت حكومة المالكي وأغلبية أعضاء مجلس النواب والكتل السياسية على اتفاقيتي الذل والخذلان مع المحتل الأمريكي والبريطاني بما سميَّ بالمعاهدة الأمنية والتي لم تتطرق لقضية التعويضات بل شرعنت لحصانة قوات الاحتلال من أي مسائلة قانونية مع ان اعتراضات ونقاشات جماهيرية واعلامية وسياسية اثيرت بشأن تبعية وخذلان هذه المعاهدة وكانت قضية التعويضات عن اضرار الاحتلال على رأس نقاط الاعتراضات . لم تكتف الحكومة والبرلمان على تمرير الاتفاقية بل اهملت نصاً بوجوب إجراء استفتاء شعبي على المعاهدة خلال ستة أشهر ومرروا بهذا الاسلوب معاهدة الحقت اكبر الأضرار بسيادة وحقوق شعب كامل.
قبل ان تعقد ندوة التعويضات في عمان يوم 22 مايس طلب النائب المستقل السابق حسين الفلوجي وهو احد النواب الذين رفضوا التصويت على المعاهدة في حينها والمتحمس لموضوعة المطالبة بالتعويضات عن الاضرار مقابلة رئيس الحكومة المالكي لحثه على ضرورة تبني ملف التعويضات في ظل ما ستفرضه التسويات اللاحقة لما يسموه الانسحاب او التمديد مع الإدارة الأمريكية (مع أن كلاهما لن يغير من حقيقة و واقع السيادة المفقودة) ،بعد مقابلته لساعة جدل ونقاش حول الموضوع عاد يائساً من ردود فعل المالكي حول قضية التعويضات .
ان عقد ندوة التعويضات جاء بداية وأساس لعملية حث جماهيري وشعبي لتبني هذا الملف المهم بعد خيبة أمل في ان تفعل السلطة شيئ ، حضر الندوة التي انعقدت في عمان عدد من النواب الحاليين وخلالها اطلق الدكتور صالح المطلك لوسائل الاعلام المتواجده تصريحا مفاده ان الحكومة الحالية غير قادرة على مطالبة الإدارة الامريكية بتعويضات الاضرار التي الحقها الاحتلال بالعراقيين لأسباب عديدة وهذا التصريح لنائب المالكي جاء قراءة مؤكدة لما ذهب اليه رئيس الحكومة مع السيد الفلوجي ، كما لم تخف نائبة من القائمة العراقية في نقاش دار بالندوة ذكرها لإيجابيات واهية حققتها الاتفاقية المذلة واصفتها بانها همشت وجود الماكنة العسكرية في الشارع العراقي على أقل تقييم !!. فيما اعترف النائب حيدر الملا في محاضرته ان مجلس النواب الحالي غيب بشكل واضح (متأسفاً) البعد السياسي لموضوع التعويضات وبرر ذلك كجزء من صراع الكتل على السلطة ومحاباتها للموقف من الإدارة الأمريكية في هذا الصراع واعتبر هذا الموقف يعد نقيصة وطنية يرتكبها البرلمانيون والساسة . الفلوجي نفسه عندما طرح موضوع التعويضات امام الدكتور اياد علاوي لم يستطع ان ينتزع منه موقفا واضحا أوتصريحا منه بشأن التعويضات مع انه يعد نفسه معارضا للمالكي وسياساته , كل هذا يدلل بوضوح ان الحكومة ومجلس النواب وساسة السلطة الحاليين هم اوهن واضعف بل تنقصهم الشجاعة من أن يطلقوا تصريحا واحدا بصدد هذا الموضوع استرضاء ومحاباة لإرادة المحتل الغارقين حتى الهامة بامتيازاته وعطاياه .
كل هذه المؤشرات السلبية التي توضح تنصل وبتقصد كتل الشراكة في العملية السياسية عن المطالبة بالتعويضات يفترض ان تحث المهتمين ومنهم الأخ الفلوجي لفقدان الامل بهم والعمل نحو تبني فعل جماهيري و وطني بعيدا عن مؤسسات العملية السياسية حكومة وبرلمان ورئاسات بعد ان ثبت مفهوم ( لقد أسمعت لو ناديت حيا ) ولن أكمل !.
مطلب التعويضات وملفها قضية وطنية وقانونية وسياسية وشرعية تستوجب العمل الجاد والمتواصل وجهود خبراء وقانونيين وسياسيين واعلاميين متخصصين ليس لهم ربط او مصلحة بالإحتلال وادارته والتي كونها خصما لن ترعوي لهذه المطالب بسهولة وبالتالي فان كل من له مصلحة ومنفعة وارتباط بالمحتلين عن قرب او بعد من ساسة اليوم ومستشاريهم سوف تتقاطع مصالحهم ومنافعهم مع المطالبة بقضية يعتبرها المحتل إخلالا بمن تعاقد وتصالح معه في مشروعه الإحتلالي البغيض والظالم ممن هم يتصارعون على السلطة ويتسابقون لنيل رضا و ولاء المحتل .
التوصية التي خرجت بها ندوة التعويضات وفقا لإجماع المشاركين والباحثين بتشكيل هيئة وطنية جماهيرية تكرس الخبرة والكفاءة والعلمية والوطنية الجادة لتحقيق أمل إرغام وإقناع الخصم بما عليه من مستحقات ما أوقعه الإحتلال من أضرار وخسائر خاصة وعامة ، مادية وقيمية هي واجب كل النخب العراقية الوطنية المناهضة للإحتلال والمتطوعة للعمل المتشعب إبتداء من التثقيف الشعبي وكسب ثقة الجماهير والمتضررين وانتهاء بطرق كل الوسائل المتاحة من اعلام ونشر ودوريات وندوات وتلاحم ومراسلات منظمات عمل مدني وحقوق انسان وبرلمانات ومحاكم دولية وقانونية بكل عزيمة وإصرار وصبر وحكمة .
أخاطب كل كوادرنا القانونية والسياسية التي عملت في إطار ملف التعويضات والتي جابهت بعد حرب الكويت ادعاءات المطالبين بملف مشرف و وقفة مهنية و وطنية عالية وكل العاملين بحقل الاعلام والاجتماع وعلم النفس والتعليم والصحة والموارد والاقتصاد وعلم المال والنقد والمصارف والقانون الدولي والعمل الدبلوماسي بأن يتصدروا ويتطوعوا لتشكيل هذه الهيئة التي يجب ان تطعم كواددرها بشباب المستقبل الواعد الذي لن يستبعد ان يكون هو الشاهد والمحتفل والمستفيد من تحقيق الإنجاز ، معركة ملف التعويضات مع بديهية مشروعيته وضمانة نتائجة معركة طويلة لا تقل اهمية واستحضارا عن مشروعية المقاومة وملاحم التحرير الشامل, وكلي أمل ان تحضى هذه الدعوة باستجابة من يهمهم ويعنينهم ملف التعويضات بالاتصال للنقاش والتحضير من أجل الاسراع بتشكيل هذه الهيئة مع فائق الشكر والتقدير