عدد المساهمات : 3050 نقاط : 60683 تاريخ التسجيل : 14/10/2010 الموقع : http://www.ashairjanob.com
موضوع: من تواضع لله رفعه وأعزه.. ومن تكبر قصمه وأذله الأحد يوليو 10, 2011 5:52 pm
من تواضع لله رفعه وأعزه.. ومن تكبر قصمه وأذله
الكبر وآثاره
فضيلة الشيخ د. ناصر العمر..حفظهالله
من الأخلاق الرديئة، والذنوب العظيمة، والأدواءالدفينةداء الكبر،ذلك الداء الذي يجعل المرء يعيش الوهمبكل معانية، يحسب بسببه المرء نفسه في أعين الناس عظيما، وهو عندهم حقير ذليللكبره، داء له آثاره الوخيمة المدمرة،
التي من أبرزها ما يلي:
1- عدمقبول الحق،قال الله تعالى عن فرعون وملئه: "وَجَحَدُوا بِهَاوَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَعَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ" (النمل:14)، وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسولالله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". قالرجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسناً. قال: "إن الله جميل يحب الجمال،الكبر بطر الحق، وغمط الناس"(1).
2- ومن آثار الكبراحتقارالناس وانتقاصهم،
وقد قال الله تعالى عن استعلاء فرعون وقومه على موسى عليهالسلام وبني إسرائيل: "ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآياتِنَاوَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُواقَوْماً عَالِينَ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَاعَابِدُونَ" (المؤمنون:45-47).
والجزاء من جنس العمل، فإن المتكبر المحتقرللناس يحشره الله تعالى يوم القيامة تحت أقدامهم، فهو أقل قدراً منهم، بل هو تحتأرجلهم، تحقيراً له جزاءً على استعلائه وتكبره، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان،فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار،طينة الخبال"(2).
ومما يحكى أن هارون الرشيد أمير المؤمنين،والحاكم على معظم بلاد العالم، حتى أنه كان يقول للسحابة أمطري حيث شئت، فسيأتينيخراجك، خرج يوما فلقيه يهودي، فقال له: يا أمير المؤمنين اتق الله. فنزل هارونالرشيد من فرسه، وسجد، ثم قال لليهودي، ما حاجتك؟ فقضى له حاجته، فلما قيل له إنهيهودي، أجابهم قائلاً: أخشى أن أكون ممن قال الله فيهم: "وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِاللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْأِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَالْمِهَادُ" (البقرة:206).
هذا هارون الرشيد يتواضع مع اليهودي، فكيف بمنيتكبر على المسلمين؟! "روي أن مطرف بن عبد الله بن الشخير رأى المهلب بن أي صفرةيتبخر في طرف خز وجبة خز فقال له: يا عبد الله ما هذه المشية التي يبغضها الله؟! فقال له: أتعرفني؟ قال نعم أولك نفطة مذرة وآخرك جيفة قذرة وأنت فيما بين ذلك تحملالعذرة فمضى المهلب وترك مشيته، فنظم الكلام محمود الوراق فقال: عجبت من معجببصورته وكان في الأصل نطفة مذره وهو غداً بعد حسن صورته يصير في اللحد جيفة قذرهوهو على تيهه ونخوته ما بين ثوبيه يحمل العذره"(3) ولما قال أبو ذر الغفاري رضيالله عنه، لبلال بن رباح رضي الله عنه، يا ابن السوداء، قال النبي صلى الله عليهوسلم لأبي ذر: "يا أبا ذر أعيرته بأمه إنك امرؤ فيك جاهلية"(4). ولا يصح أن يقولأحد عن أبي ذر رضي الله عنه أنه جاهلي، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في أبي ذررضي الله عنه: "ما أظلت الخضراء، ولا أقلت الغبراء، أصدق من أبي ذر"(5)، وقال فيهالنبي صلى الله عليه وسلم: "رحم الله أبا ذر، يمشي وحده، و يموت وحده، و يبعثوحده"(6).
ولكن ما قال أبو ذرٍّ رضي الله عنه، لبلال رضيالله عنه هو من كلام الجاهلية، وأولئك القوم لهم سوابق، وأعمال مكفرة لما وقع منهم،وجهاد محاء، وعبادة ممحصة، فكيف بمن نقلت مع عثرته توبته في حينها كأبي ذر رضي اللهعنه، غير أن كثير من أهل الخير اليوم يشتكى منهم، ويخشى أن يكون هذا الداء فيهم،فبعض المنتسبين إلى التدين قل أن يبتسم في وجوه الناس، ومنهم من لا يبدأ الآخرينبالسلام، وهذا من الخطأ العظيم. وعجباً كيف تكون الابتسامة أثقل على بعضهم من جبلأحد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر التبسم.
3- من آثار الكبرسوء معاملةالناس، والغلظة معهم،
وهذا يخالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانيحسن معاملة الناس، حتى الأشرار منهم، قالت عائشة رضي الله عنها: "استأذن رجل علىرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ائذنوا له بئس أخو العشيرة أو ابن العشيرة"،فلما دخل ألان له الكلام، قلت: يا رسول الله قلت الذي قلت ثم ألنت له الكلام؟ قال: "أي عائشة إن شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاءفحشه"(7).
4- من آثار التكبرأكل حقوقالناس بالباطل،
وذلك لشعوره بألا أحد يقوى عليه، أو يستطيع الاقتصاص منه،وقد يكون من يأكل أموالهم من الضعفاء، فتدعوه قوته إلى ظلمهم.
5- اتخاذ الناس سخرة،
وهو استخدام الناس استخداماً بشعاً كما فعلفرعون، وكثير من الناس يسيء معاملة الأجير، وهو ليس عبداً مملوكاً، وإنما هو حُرٌله حقوق الأحرار كاملة، وكثيراً ما تطلق على هؤلاء الأجراء عبارات قاسية، وقد قالعمر رضي الله عنه لعمر بن العاص رضي الله عنه: متى استعبدتم الناسَ وقد ولدتهمأمهاتهم أحراراً(8). وقد بين نبينا صلى الله عليه وسلم أن لهؤلاء الأجراء حق لا بدمن مراعاته فقال: "إذا جاء خادم أحدكم بطعامه فليبدأ به، فليطعمه أو ليجلسه معه،فإنه ولي حره ودخانه"(9).
وفي حديث آخر قال رسول الله صلى الله عليهوسلم: "إذا كان لأحدكم خادم قد كفاه المشقة فليطعمه، فإن لم يفعل فليناولهاللقمة"(10). وقد أمر الله تعالى بحسن معاملة عموم الناس فقال: "وَقُولُوالِلنَّاسِ حُسْناً" (البقرة: من الآية83)، "وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِيهِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَلِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً" (الإسراء:53). هذه بعض آثار هذا الداء العضال،والواحدة منها تدعو إلى تجنب الكبر والتحلي بالتواضع، فإن من تواضع لله رفعه وأعزه،ومن تكبر قصمه وأذله عياذاً بالله من أسباب غضبه وسخطه.