لنتذكر يوم 8 / 8 / 1988 الخالد في تاريخ العراق وجيشه وشعبه
قامت ثورة عجيبة بشكلها غريبة بطورها يوم قدمت طائرة فرنسية وحطت في مطار طهران ليترجل من على متنها قائد ثورة (( أسلامية بإطار حديث يحمل ترف شارع الشانزيليزيه وعطر الشانيل وترف شاليهات باريس )) ترجل قائد الثورة (( ألإسلامية )) ولا يزال الشاهنشاه محمد رضا بهلوي متأنقاً بلباس الشاهنشاهية وممتشقاً سيف ألإمبراطورية الفارسية البهلوية ، شيء خارج التصور والمألوف في حياة الشعوب والأمم أو الثورات !
في اليوم التالي يركب الشاهنشاه وعائلته طائرة تنقله إلى مصر كبلد منفى ليقضي فيه ما بقي من عمره . شيء ولا في الأفلام المصرية كما يقولون ، لا بل هي مسرحية حقيقية عاش فصولها أغلبنا ، وما هي من ذاكرة الزمان ببعيد .
هكذا وبقدرة القادر العظيم جل في علاه تحولت إيران البهلوية من النظام الملكي ألإمبراطوري البهلوي الشاهنشاهي إلى (( نظام أسلامي أثنا عشري ، وأعلن خميني نفسه وليا للفقيه معلنا تصدير ثورته بإطارها الجديد إلى الخارج وخصوصاً للغرب من حدود جمهوريته بالقوة العسكرية المسلحة )) . هكذا انتهت صفحة من صفحات الجوار العراقي الإيراني لتبدأ صفحة جديدة في مشوارها الذي فرضته على تاريخي البلدين لا بل على المنطقة برمتها .قدر العزيز الجبار أن تكون إيران جارةً للعراق وهي التي قال بحقها فاروق ألأمة وخليفة سيدنا رسول الله صلى الله تعالى عليه وعلى آله (( يا ليت بيني وبين فارس جبل من نار ، وفي حديث آخر أللهم أجعل بيني وبين إيران جبل من نار )) .
الحمد لله على إرادة رَبِ العِزَةِ والجلال في هذا القَدَر و ألامتحان تمحيصاً لعباده فيما أراد لهم من قَدَرٍ وتَقدير فالحمد لله ثم الحمد لله .
بادرة القيادة السياسية العراقية لتهنئة الجارة ونظامها الجديد بما تفرضه ألأعراف الدبلوماسية والصيغ البروتوكولية وكتعبير عن حسن النية تجاه هذا النظام الجديد بإرسال برقية تهنئه (( إلى القيادة الجديدة في الدولة الجارة ألإسلامية )) فكان الرد صلفاً حاقداً فيه ما لم تألفه الأعراف السياسية والصيغ الدبلوماسية ولا حتى ألأخلاقية ، فهو الحقد مع الصلف
بدأت العلاقات ألدبلوماسية والسياسية بين الجارين بالتأزم بشكل متسارع جداً ، فها هو نظام الملالي في إيران يعلن إلغاءه لمعاهدة الصلح والتصالح لعام 1975 ومن طرف واحد والمباشرة بأعمال عسكرية طالت الحدود والمخافر فيها بقصف مدفعي ثقيل واحتلال أراضي عراقيه (( زين القوس وسيف سعد )) وصولاً لغارات جوية طالت العاصمة الحبيبة بغداد وكان من نتائجها إسقاط الطائرة المغيرة وأسر قائدها .
لا أريد أن أسوق من بدأ الحرب فهذا موضوع مستقل وليس في هذا المكان من متسع ، ولمن يرغب في معرفة ذلك الرجوع إلى التاريخ والإحداث في موسوعات من الكتب كتبها عدة من المتخصصين بالشأن الدولي والقانون الدولي والعلاقات الدولية .
المهم في ألأمر والذي لا يخفى على الجميع أن النظام الجديد أعلن مباشرته بتصدير ثورته ( ألإسلامية إلى الخارج وبأتجاه الغرب ... ليش يعني مو للشرق مثلاً والله ... ما أدري ) وهيأت لهذا الأمر خرائط ومخططات طبعتها ونشرتها ، فيها اتجاهات الحركة لقواتها مخترقةً العراق وعبر بغداد وكربلاء متوجةً إلى القدس ... وما ذلك بالتجني على إيران ولا هو بالادعاء ، فهذا الأمر أصبح من البديهيات التي يعلمها الغالب إن لم نقل الجميع ، وما هم بالخجلين منه ولا يخفونه ، بل فخورين به ) ، وهذا ألأمر يعني احتلال العراق وإسقاط حكومته الوطنية وتأسيس (( الحكم ألإسلامي الشرعي فيه وبما يتوافق ونظرية ولاية الفقيه ، هذه الخطة الخمسينية التي وضعوها وأعلنوها على الملأ وبدأوا بتنفيذها )) نسأل الله تعالى أن يمكن لم أمراً ولا يحقق لهم مقصداً .
يتخذ العراق قرار الرد على ألاعتداءات الإيرانية والمباشرة بالعمل العسكري في 22 / 9 / 1980 دفاعاَ عن أرضه ورداً على ألاعتداءات التي أعلنت في حينها ويعلم بوقائعها من أنار الله بصره وبصيرته ، وتمضي السنوات في أتون حرب طاحنه طالت مدن العراق لتصبح جزء من ساحة العمليات متجاوزة خط الحدود ، فطال بغداد الحبيبة العديد من صواريخ أرض – أرض موقعة العشرات من الشهداء والمصابين فيها ، ناهيك عن الأذى الذي أصاب الممتلكات الشخصية من دور ومحال تجارية ومصالح شخصية ، كما كان نصيب البصرة الفيحاء تلقيها الكثير من قذائف المدفعية الثقيلة التي أحدثت الكثير من الشهداء بين صفوف مدنيين آمنين وخسائر طالت ممتلكاته الشخصية .
جوبهت كل المبادرات بوقف أطلاق النار بالرفض سواء تلك التي بادر بها المؤتمر الإسلامي أو التي تضمنتها قرارات مجلس ألأمن أو مبادرات دول ورؤساء ، كلها ذهبت أدراج الريح ولم يصغي لها عقل الخميني بشيء .
تتوالى ألأيام وتتابع السنوات والعراق وجيشه ما ضين في كفاحهم ودفاعهم عن ألأرض والعرض ، مؤمنين بقدر الله ، فتمضي سنوات ثمان ثقال صعاب فيهن نزف العراق الكثير الكثير من خيرة الرجال و الكثير من ألأموال ، وفي صباح يوم مبارك ينطلق صوت المذيع مقداد مراد رحمه الله ( اللهم أرحمه بواسع رحمتك ) ليصدع بصوته الجهوري معلنا قبول الخميني قرار وقف إطلاق النار واصفاً موافقته تلك بتجرعه كأس السم .
أنه بيان النصر العظيم ، بيان البيانات الخالد في ذاكرة العراقيين الشرفاء صبيحة يوم ألاثنين الموافق 8 / 8 / 1988 .
أنتصر الحق بفضل من الله وهمة الغيارى من قيادته وجيشه وشعبه وصبرهم جميعاً وتلاحمهم ، وأندحر الظلم والظلال .
أنه يوم ليس كمثله يوم ، سيبقى خالداَ في ذاكرة الشعب العراقي وجيشه الباسل ما أشرقت شمس وتعاقب ليل على نهار .
بدأت الحرب وانتهت فهل من دروس أفرزت وعبر ؟!!!
نعم ، كان فيها الكثير من الدروس المفيدة والعبر على الصعيدين القومي والوطني والعسكري
على الصعيد القومي :
1. أفشلت مشروع طائفي توسعي احتلالي يمكن وصفه بألا كبر أراد حكام قم وطهران تصديره عبر العراق بالقوة ليغرق الوطن العربي بحرب طائفية مهلكة بعد إسقاط ألأنظمة فيه .
2. أثبتت هذه الحرب للجميع أن العراق بوابة الشرق العربي الحصينة المنيعة وأن العراق حقاً هو جمجمة العرب وبيت الرجال .
على الصعيد الوطني :
1. انتماء الجيش كان وبمختلف شرائحه والقوميات التي فيه والمعتقدات يدين لله ثم الوطن وأستماته في الدفاع عنه .
2. أثبتت هذه الحرب الضروس متانة ألاقتصاد العراقي ونجاح خطط الطوارئ التي أعدتها الحكومة الوطنية .
3. التفاف الجيش والشعب حول قيادته السياسية والعسكرية وإخلاصه لها .
4. وجود قيادة عسكريه حقيقية بمهنية عالية قادرة على التخطيط ألعملياتي والسوقي وإدارة الحرب في مختلف الظروف وألاحوال وسبق النظر بالحوادث وألاحداث وتوقع النتائج وفق معطيات حقيقية من الدراسة والتحليل .
5. فحص منظومات القيادة والسيطرة والخطط العسكرية وأساليب المناورة بالشكل العملي والواقعي وتحقيق أساليب التعاون الصحيح بين الصنوف المقاتلة والساندة والخدمات .
6. أعداد جيش مهني قادر على المطاولة وممارسة دوره و العمل في مختلف الأحوال والظروف .
عاش الجيش العراقي الوطني الباسل وكل قياداته العسكرية و الوطنية الرافضة للاحتلال ومن قدم معها ، وندعو الله مخلصين صادقين بطلب الرحمة لشهدائه ألأبرار ممن اغتالتهم يد الاحتلال و الغدر ومن قدم معهم ونسأله تعالى أن يكون عوناً للأسود الرابضة في أقفاص ألأسر وأن يفك أسرهم عاجلاً غير آجل .
اللهم أنصر العراق والعراقيين الصادقين المخلصين ممن أبقوا أيديهم طاهرة من التعاون مع المحتل وفلوله وأعوانه .
اللهم أنتقم وأهلك من كان ضداً للعراق وشعبه من محتلين صفويين وأمريكان ومع أعانهم وكان لهم الظهير والسند .
اللهم سدد رمي المجاهدين وبارك لهم في عدهم وعددهم وأرحم شهدائهم وعافي وشافي جرحاهم وشد من عضدهم وكن لهم الناصر والمعين وأحفظهم بعينك التي لا تنام وركنك الذي لا يرام .
اللهم أهلك جيش الاحتلال ألأمريكي ومن قدم معهم وأهلك الفرس المجوس والصفويين الذين أعانوهم وتعاونوا معهم وسهلوا لهم مقصدهم وأمرهم ومن أشترك منهم في أذى العراق والعراقيين .
أللهم أجعلهم جميعاً لنا وللمسلمين آية ًولا ترفع لهم راية .
أللهم أجعل كيدهم بينهم وشتت رأيهم ولا توفق بينهم .
أللهم وعدك الذي وعدت ووعدك الحق ، النصر النصر يا الله .
غريب في وطنه
8 / 8 / 2011