فضائيات أم جمعيات خيرية
عماد رسن
الحديث عن الفضائيات العربية في شهر رمضان حديث ذو شجون. فهي أشبه بسوق كبير تجد فيه ماتشاء, من ضحك وحزن وإشتهاء لأطعمة وأشياء أخرى. أما الصائم المسكين فإنه يتحصر على طبق شهي تعده سيدة في إحدى القنوات وخصر يهتز طربا ً في قناة أخرى. جميل هو التنوع في تقديم البرامج والمسلسلات, لكن هذا التنوع يكون في رمضان على حساب النوع والضحية بالطبع هو المشاهد الذي ينفق من الوقت الطويل على ذلك. فبعض القنوات الفضائية تقدم الذ وأشهى الأطباق من الطعام في ستوديو يحتوي على أحدث الأجهزة الكهربائية والتي لايتم الطبق من دونها, أو يكون طبق اليوم من أغلى الأطعمة والتي لايستطيع أغلب الناس من الفقراء وأصحاب الدخل المحدود والمتوسطي الحال توفيرها.
إن البرامج التي تقدم الأطعمة هي للأغنياء فقط وتؤدي للسمنة ولاتراعي الشروط الصحية والبيئية, وماهي إلا ودعاية لأصحاب شركات بيع الأجهزة الكهربائية التي تستخدم في إعداد الطعام. أما مايفترض بأنها مادة ترفه عن المشاهد والصائم فالكثير منها هي عبارة عن تهريج وضحك على النفس والمشاهد. لابد أن نفرق هنا بين الكوميديا التي ترسم البسمة على وجوه المشاهدين وبين التهريج الذي يقلل الإحترام ويسخر من بعض الناس ولايحترم عقل وذوق المشاهد. فالكثير من هذه البرامج هي دعاية رخيصة لبعض المنتجات وللقناة الفضائية لأجل الكسب من خلال الإعلانات والإتصالات التلفزيونية. لكن الأغرب من ذلك كله هو تحول القنوات الفضائية إلى جمعيات خيرية, وهنا أتحدث عن الكثير من القنوات الفضائية العراقية التي تستغل فقر وحاجة المواطن العراقي في هذا الشهر الكريم.
جميل جدا ً أن تقوم بعض المؤسسات الغير حكومية, ومنها الكثير من الفضائيات, بإعانة ومساعدة الفقراء, وبالخصوص في شهر رمضان طلبا ً للأجر والثواب. ولكن, أن يتم إستغلال هؤلاء الفقراء وحاجتهم الماسة بعناوين رخيصة وهدايا ذات قيمة متدنية من أجل الدعاية لتلك القنوات وأصاحبها وتوجهاتها السياسية والأيدلوجية فذلك بالتأكيد عمل فيه الكثير من الإنتهازية. لايستطيع أحد أن يقنعني بأن القنوات الفضائية هي جمعيات خيرية تفتح أبوابها للفقراء والمساكين ولمساعدة الناس, فكل القنوات الفضائية بلا إستثناء تقف خلفها أجندات سياسية وهذا بالطبع حق مشروع. ولكن, أن يستخدم ويستغل ويستثمر الإنسان العراقي الفقير لتمرير تلك الإجندات فتلك الإنتهازية بعينها. إذ تقوم بعض القنوات من خلال برامج المسابقات بالضحك على المشاهد وماهي إلا دعاية وكسب للمال من خلال الإعلانات والإتصالات التلفونية. وهناك قنوات كثيرة أخرى تجول في المناطق الفقيرة بحثا ً عن الفقراء لإعطائهم مكواة كهربائي أو جهاز منزلي رخيص السعر ورديء المنشأ مقابل كلمتين يقولها الفقير لهذه القناة أو تلك. وهناك قنوات أخرى تجهد في تقديم مالذ وطاب من طعام لإفطار عوائل فقيرة ليتم عرضهم من على شاشة التلفزيون دعاية للقناة وللمنتجاة المقدمة خلال البرنامج والذي لايخلو من رسالة سياسية خفية تمثل وجهة نظر تلك المؤسسة الإعلامية التي تتبنى هذه القناة وتلك.
نعم, يمكن لأي كان أن يساعد الفقراء والمحتاجين وهم في العراق كثر. ولكن, تلك المساعدة يمكن أن تكون بشكل خفي حفاظا ً على ماء وجه أولئك الفقراء. ويمكن أن تقدم المساعدات من خلال البرامج التلفزيونية كوسيط لجمع التبرعات لمساعدة الفقراء من دون ذكر أسمائهم وعرض ظروفهم الصعبة بشكل مذل. ولكن الذي يبدو هو أن كل شيء في العراق أصبح رخيصا ً حتى الإنسان الذي أصبح وسيلة لتمرير كل شيء ومن أجل الكسب الغير مشروع. إن تغافل مؤسسات الدولة وغياب الدور الرقابي لأجهزة الدولة على تلك القنوات جعل تلك القنوات تستغل تلك الظاهرة الغير إنسانية. لكن الذي يبدو هو أن مؤسسات الدولة مشغولة عن تلك المسائل لتعطي الأولوية لأشياء أقل أهمية, فحالها كمن يداوي الناس وهو عليل في صمتها, فهي المسؤولة الأولى عن كل فقير ومحتاج في البلاد. أو أن تلك المؤسسات غارقة بالفساد الذي أصبح العراق يحتل مرتبة الصدارة في قوائمه. فكل يوم يكشف عن صفقة وهمية تضيع فيها أموال الفقراء وما خفي كان أعظم. فحقوق أولئك الفقراء التي تتصدق عليهم تلك القنوات الفضائية في كروش السياسيين الذين هم يعترفون بالفساد المستشري فيما بينهم إضافة لرواتبهم التي لاتتناسب مع بلد يراد منه أن يكون ديمقراطيا ً. فتقليل الهوة بين الغني والفقير هي ميزة من ميزات الديمقراطية الحقيقية من خلال مبدأ المساواة في تكافؤ الفرص في الحياة. فالحكومة هي المسؤول الأول عن الفقراء وهي المسؤولة عن معالجة الفقر في البلاد, ليس من خلال التصدق كما تفعل الكثير من المؤسسات الحكومية وتفعل الفضائيات, بل من خلال إعادة حقوقهم المسلوبة بتوفير فرص العمل والسكن والماء والكهرباء, أي الحد الأدنى من العيش الكريم.