اميركا وصفحة العراق
وليد الزبيدي
بتسليم ملف العراق إلى وزارة الخارجية الاميركية، الذي تم الإعلان عنه مطلع سبتمبر (ايلول) الحالي بصورة مفاجئة، يتحقق ما قاله الرئيس الاميركي باراك اوباما العام الماضي، عندما كان يتحدث عن الانسحاب الاميركي، وقال ان صفحة العراق قد انطوت، ومن المعروف ان تخلي طرفين رئيسيين عن ملف العراق، هما وزارة الدفاع الاميركية ووكالة المخابرات المركزية، ينهي حقبة من الشراكة في إدارة الملف العراقي، على طريق إغلاق الكثير من الملفات التي يمتد بعضها إلى تسعينات القرن الماضي عندما بدات الادارة الاميركية استحضاراتها لغزو العراق، وكانت البداية من المخابرات الاميركية التي وظفت عملاء لها من العراقيين، الذين لا ينكرون ذلك على الاطلاق، كما عمل مع دوائرها وسفاراتها في المنطقة عدد اخر من الجواسيس، الذين يزودون وكالة المخابرات الاميركية بالمعلومات والخرائط، اما الجهة الأكثر فعالية وتأثيرا وساهمت في تقديم المعلومات للمخابرات الاميركية، كانت لجان التفتيش التابعة شكليا للامم المتحدة في حين ارتباطها الرئيسي بوكالة المخابرات الاميركية والبنتاجون، ولكي نقف على اهمية التحول في السياسة الاميركية وتخلي وزارة الدفاع رسميا عن الملف العراقي، واختفاء دور المخابرات الاميركية شكليا من الواجهة، لا بد من التعرف على طبيعة الصراعات والنزاعات التي طفت على السطح قبيل الغزو الاميركي في مارس (اذار) عام 2003 وبعد ذلك، وتحديدا بين وزارتي الدفاع والخارجية، ففي الوقت الذي اراد كولن باول الامساك بملف العراق وتم تعيين السفير زلماي خليل زاد مسؤولا عن ما يسمى المعارضة العراقية، التي عملت مع الاميركيين في وضع ترتيبات غزو العراق، وجرى التعاون في السر والعلن بينهم، وبدون شك ان مؤتمر لندن عام 2002، من ابرز الادلة على هذا التعاون والتنسيق، واجرى زلماي لقاءات واتصالات مع المتعاونين مع الاميركيين، والتقى المتعاونون بصورة علنية وسرية مع جميع الاطراف الاميركية، واعلنوا في وقتها انهم يتعاونون ويتعاملون مع اي طرف بهدف تحقيق هدفهم القاضي بإسقاط نظام الحكم في العراق، ولم يطف الخلاف بين وزارتي الدفاع والخارجية على السطح، الا بعد الغزو الاميركي وعندما اصبحت الكعكة العراقية جاهزة للقضم، وتحول الأمر من تخليص العالم من الخطر العراقي المزعوم إلى دور الشركات الاميركية في العراق، واخذ الصراع يتصاعد بحجة تقديم المساعدات الانسانية للعراقيين بعد الغزو، فقد اشتعل الخلاف للمرة الاولى بين دونالد رامسفيلد وزير الدفاع وكولن باول وزير الخارجية عشية دخول القوات الاميركية مطار بغداد الدولي في الثالث من ابريل (نيسان) عام 2003، وكان ذلك الحدث قد حسم نتيجة الحرب لصالح الولايات المتحدة، اذ ان وصول القوات الاميركية إلى المطار يعني الكثير في قضية الحرب وادارة الصراع الاميركي العراقي، وفي يوم الخميس المصادف 3 ابريل (نيسان) 2003، اي قبل ستة ايام من دخول القوات الاميركية إلى قلب بغداد واسقاط التمثال الشهير للرئيس الراحل صدام حسين، قالت وسائل اعلام اميركية بأن معركة بيروقراطية كبيرة مستعرة بين البنتاجون ووزارة الخارجية حول الإشراف على المساعدة الإنسانية للعراق بعد انتهاء الحرب. والخلاف الرئيسي يتعلق بمن سيكون مسؤولا عن فرق المساعدة العاجلة التابعة للوكالة الاميركية للتنمية الدولية (يو اس ايد) وهي تحت اشراف وزارة الخارجية. الا ان وزير الدفاع الاميركي ونائبه ديك تشيني اصحاب شركات النفط المعروفة يريدان استحواذ وزارة الدفاع على شؤون العراق.
وقال مسؤول في وزارة الخارجية الاميركية في حينها، ان هذا الخلاف دفع وزير الخارجية كولن باول إلى توجيه رسالة إلى وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ذكره فيها بأن فرق المساعدة العاجلة تابعة لوزارته من خلال الوكالة الاميركية للتنمية الدولية.
وتنافست الوزارتان على تسيد الموقف في الملف العراقي، لكن سرعان ما حصل التحول الكبير بعد السنة الاولى من الاحتلال وظهور تباشير الهزيمة الاميركية، فحاولت وزارة الخارجية التنصل من مسؤولية الملف العراقي، وفي بداية عام 2005 قدم باول استقالته (26 يناير 2005)، وبعد ذلك بأقل من سنتين قدم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد استقالته ايضا، وتلاشى حضور زلماي خليل زاد، واستقال مهندس حرب العراق الاول اليهودي البولندي بول وولفويتز احد ابرز المحافظين الجدد ونائب وزير الدفاع الاميركي اثناء الغزو الاميركي للعراق 2003، وانتقل لرئاسة البنك الدولي ليخرج منه عام 2007، بفضيحة اخلاقية هزت الأوساط السياسية والاعلامية داخل اميركا وخارجها.
تراجع الصراع بين وزارتي الدفاع والخارجية بدرجات تتساوق وحجم تدهور اوضاع القوات الاميركية في العراق، كما خفت صوت وكالة المخابرات الاميركية، التي تبين ان معلوماتها عن امتلاك العراق اسلحة دمار شامل تهدد الامن الدولي عبارة عن اكاذيب كبيرة، وتحول اهتمامها إلى التحقيق مع العراقيين وتهديدهم بأن الذي لا يكشف ارتباطه بالمجاميع المسلحة (المقاومة العراقية) التي تستهدف قواتهم يوميا، فإنهم سيحولونه إلى محققي (الموساد الاسرائيلي المتواجدين معهم في القواعد والمعسكرات)، وهذه الحقيقة تحدث بها الكثير من المعتقلين العراقيين، ويقولون انهم تعرضوا للتعذيب على ايدي محققين اسرائيليين.
وبعد اكثر من ثماني سنوات تطوي الادارة الاميركية مرغمة ومهزومة الملف العراقي، وتوكل امره إلى السفارة الاميركية ببغداد، واضعة في حساباتها طي صفحة السفارة الاميركية ايضا، ولا يستبعدون جميع الصور والاحتمالات.
صحيفة الوطن العمانية