بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
صدَّقنا خطاب الانسحاب، وما بعده من عقاب لنا فيه حساب
د.عمر الكبيسي
دعونا نفرح بهزيمة العدوان وانسحاب الغزاة ولا تفسدوا على العراقيين فرحة اعلان الانسحاب حتى وإن كانت على مضض!.
نريد ان نفرح بهزيمة ورحيل من افسد وقتل وشرد ويتم وفرق ودمر لتسع سنوات بانسحاب اعلنه اوباما رسميا في خطابه، فلماذا يفسد ساستنا علينا هذه الفرحة ويكتب اعلامنا بشكل مكثف عن تنبؤات لفترة ما بعد الانسحاب تثير القلق والغموض لمستقبل لا يفرح،دعونا نفرح لاننا ذقنا مرارة الاحتلال ولم نجد منه اشد وطأة ومحنة ولا تفزعونا بما ستحمله لنا قوادم الأيام فلنا يقين بالله اننا شعب نبيل لا يستحق كل ما ناله من ويلات وعذابات.
صدقنا اوباما مع انه لم يصدق معنا، حاله كحال سابقيه، ونريد ان نفخر بانه اعلن انسحابه وهنأ قواته وعوائلهم الذين لم يهنأوا بوجود ابنائهم بالعراق ولن ينسوا خسائرهم فيه وهم سوف لن يصدقوا يوما بجدوى هذه الحرب التي انكشف كذب وافتراء دوافعها المعلنة والتي قتل بسببها الالوف منهم وصرفت البلايين من دولارات ضرائبهم دون ان يجدوا لها منطقا ومبررا وسيبقى شعبه يكذّبه حتى وان اعلن انتصاره في ليبيا بمقتل القذافي كما كذب من سبقوه من صناع الحروب التي تستهدف الشعوب وثرواتها ولا تحسم بقتل الزعماء او موتهم.
نصدق اوباما لنفرح بانسحابه ونفخر بهزيمته مع اننا نعرف جيدا ان سابقه لم يصدق على شعبه حينما اعلن نهاية الحرب في خطاب النصر المزعوم في مايس عام 2003 بعد الغزو بشهرين لتستمر تسع سنين بعد اعلانه وسيبقى اوباما ومن سياتي بعده يخصصون البلايين من الدولارات في ميزانيات الدفاع لبقاء من سيبقى او من سيوكل ليلعب الأدوار القادمة.
صدقنا اوباما ولكن شعبه يعرف جيدا انه لم يكن صادقا حين لم يذكر في خطابه جملة واحدة يدافع فيها عن نفسه ولو لغرض انتخابي تشير الى خطأ او عدم جدوى الحرب التي شنها بوش والمحافظون الجمهوريون على العراق، صدقناه مع انه لو كان صادقا لأعتذر للعراقيين فيما فعلت الحرب التي شنوها بهم من محن ومصائب ونكبات ولو بكلمة واحدة لكنه لم يقلها
صدقنا اوباما فرحا بهزيمته بالرغم من انه لم يصدق لا هو ولا وزيرة خارجيته السيدة كلنتن عندما تعهدوا باستمرار حمايتهم للعراق وتوثيق علاقتهم به وهو يعرف انهم كاذبون بادعائاتهم لأن احتلالهم للعراق لم يحميه من جيرانه الذين امتدت ايديهم وطائراتهم وجيوشهم وميليشياتهم لتدمير العراق وقصفه ومحاصرته والتضييق على موانئه عندما كانت قواتهم موجودة فيه بمئات الاف وفشلوا في ذلك فهل سيحمي العراق ويدافع عنه بضع الاف من المدربين والفنيين ورجال المخابرات والشركات الأمنية التي ستوكل لها هذه المهمة؟. صدقنا الانسحاب العسكري لكم ماذا بعد الانسحاب من عقاب ولماذا نفرح على مضض؟
كل الامم التي احتلت عندما تنزح عنها جيوش المحتلين يتطلع قادتها الى مستقبل أفضل بإعمار وتنمية لبلدانهم المنكوبة فتتوجه الى شعوبها بخطاب الوعي ونداء المصالحة ورفع الهمم وتصفية الاجواء والصفح عن الاخطاء والاطراء على شعوبها بما قدمت من مقاومة وفداء من اجل التحرير لتفخر بفعل شعوبها وتحقيق الأمن والسلام مع جيرانها، وتعم الفرحة والإستبشار بنزوح الاستعمار وتحقيق السيادة والإستقلال، لماذا نحن من دون كل الشعوب تكون مناسبة انسحاب القوات المحتلة واعلان انسحابها عقاب لشعبنا ومصدر تفزيع وتخويف وتجريم للناس وتهديد بقطع الأرزاق والاعناق؟ يتم توقيت مناسبة الإنسحاب إيذانا بما نلمسه اليوم من إجراءات وتصريحات؟
لماذا تتم اليوم إجراءات الأعتقال والتشريد بالضباط ورجالات العهد السابق؟ ألم يكفي ما تعرضوا له لفترة تسعة اعوام من عذاب وتنكيل؟ ولماذا يتم التشديد المكثف على ضرورة تنفيذ عقوبات الاعدام بقادة الجيش السابقين قبل المباشرة بالانسحاب؟
لماذا يتزامن هذا الإنسحاب مع اعلان قوائم الإجتثاث للكفاءات ورجال التعليم الذين اسهموا بشكل لا يقبل الشك انهم ربّوا وعلّموا وخرّجوا أجيالا ممن سيبنوا ويشيدوا العراق من جديد بالرغم من سنوات الحروب والحصار الطويلة العجاف؟
لماذا تتبادلون الشتائم والتشكيك والتفكيك كشركاء في عملية سياسية وتصاغ اكذوبة مبادرة اربيل ومن قبلها مجلس الرئاسات وترشيحات الوزراء الامنيين في حكومتكم وتبدون رؤياكم منفرطة ومواقفكم رجراجة حتى في قضية انسحاب القوات في وقت كان يجب ان تكونوا فيه موحدين وفخورين بتحقيق هدف وطني؟ ألا تشعرون بالخجل ان يعلن اوباما لشعبه انسحاب قواته من العراق وكأنه قرار طرف واحد قبل ان تقفوا كشركاء وقادة وساسة سلطة مجتمعين تهنئوا شعبكم وتبشروه بالخلاص من الاحتلال ان كانت لكم فعلا ارادة تمثيل شعب أجمع على تحقيق هذا الإنسحاب؟
لماذا تعلن اليوم تصريحات وتكثّف أجراءات وتغيّر مسؤوليات وإدارات هيئات وقوى عسكرية وأمنية ومخابراتية تؤسس لدولة حزب واحد وفرد واحد وتوجه واحد بشكل يكشف اكذوبة الشراكة والمصالحة الوطنية التي طالما تزامطتم بها من قبل لتبدوا صيحات الاجتثاث والأقاليم والتقسيم والإنفصال والاجندات الطائفية والعرقية بين الشركاء عالية ومكثفة تزامنا مع اعلان الانسحاب الامريكي؟
لماذا عقود النفط توقع وعقود الغاز تبرم وقوانين النفط تتعطل ولماذا ميناء مبارك كبير وسريع الانجاز فيما مخططات مشروع الفاو تكبح بسبب صعوبة التمويل؟ ولماذا يهدد اكراد العراق بالانفصال واعلان الدولة الكردية وهم لا يشكلون سوى 10 بالمئة من اكراد المنطقة؟ ولماذا بدأت صيحات الطائفيين سنة وشيعة تهدد بالاقاليم والتقسيم؟ ولماذا يثار العنف وتتصاعد التفجيرات وتشتد أزمة الساسة على السلطة وتغمس ملفات الفساد وتتفاقم مشكلة الكهرباء وتبرز مشكلة المياه والمناطق المتنازع عليها وقضايا ترسيم الحدود وتعطل هيئات النزاهة وتحل مفوضية الانتخابات فيما تتهافت صيحات جميع الكتل السياسية على ضرورة تعديل الدستور؟
لماذا تثار ادوار قوى اقليمية فاعلة في العراق منذ حدوث الغزو اليوم على نمط مشاريع بديلة او موكلة لإكمال دور الإحتلال كالمشروع الايراني او التركي او الصهيوني ببواطن ودوافع طائفية أو توسعية فيما تكرر الادارة الامريكية وتشدد على دورها المستمر لمهمة حماية العراق؟.
لماذا لا يذكر دور قوى المقاومة الوطنية والقوى المناهضة للإحتلال التي اسهمت بتعجيل الانسحاب الامريكي وتحقيقه بفخر واعتزاز وكأنكم لا تريدون ان يقال عن شعبكم انه قاوم المحتلين؟ هل ان مقاومة الغزاة والمحتلين عيب ام ان العيب في ان لا يذكر دورها ولا يكرم شهدائها ورموزها ولا يعفى عن سجنائها ومطارديها؟
لقد صدقنا اوباما على مضض لأننا نريد ان نقنع الدنيا كلها اننا هزمناه كعراقيين وافشلنا مشروع امريكا والغرب الكبير ونريد ان نفرح بهذا الإنجاز بالرغم مما قدمنا من ارواح ونالنا من محن ومصائب سيؤطرها التاريخ لنا بفخر وسيدفع المحتلون ثمنها حين تلزمهم شعوبهم وشعوب العالم بدفع تعويضات ما دمروه عاجلا ام آجلا، لكننا لا نصدقكم أيها الساسة والقادة المنصبون ما لم تكفوا عن إيذاء شعبنا وقهر كفاءاتنا وتهجير أبنائنا وتهميش مقاومتنا وقوتنا، لا نصدقكم لأنكم جعلتم من الانسحاب الأمريكي عقاب وحساب وضعف وإرهاب واجتثاث وتنكيل عنف وصراع وسباق على المناصب والسلطة والمكاسب ومدعاة للتقسيم والانفصال وابتزاز وتهديد ووعيد بصراعات قادمة ونذر أشد ويلاً وثبور من فعل الغزاة والمحتلين.
حسابنا لمثل هذا العقاب أن وعي الشعب اكبر وحراكه أقوى وعزمه أمضى وخطى الانسحاب الامريكي ستتوالى وتتعاقب بكل أشكاله وأدوار المشاريع الإقليمية المفتعلة والبديلة ستتساقط بكل اغطيتها الطائفية والعرقية والتقسيمية والعراقيون سيثبتوا بصدق انهم الأجدر بوحدة الكلمة ولملمة الصفوف واعلان المشروع الوطني الجامع وترسيخ ركائز الحراك الشعبي من أجل التغيير وبناء العراق واعماره وتحقيق نهضته.
