الأقاليم : خطاب الساسة الفاشلين وهدف الاحتلال والمفسدين وفتنة الدستور المهين
د. عمر الكبيسي
يتفنن قادة الكتل السياسية واركان السلطة والحاكمون في ظل الاحتلال في العراق المنكوب في إطلاق التصريحات وإثارة الفتن واصطناع الأزمات وتلفيق الإحصائيات وتزوير الوثائق والشهادات من اجل تمرير ما في أذهانهم من اجندات او تبرير ما في أدائهم من فشل أو فساد لخدمة مصالح المحتلين وتحقيق اهداف مشروع غزوهم التقسيمي .
ثلاث تنظيرات لا يمكن انكارها تتعلق بغزو العراق وتبعياته ثبتت حقيقتها :
اولها : أن تقسيم العراق كان واحد من اهم اهداف الغزو وان هذا الهدف الذي سيطول دول المنطقة كلها تم اشهاره منذ ستينات القرن الماضي كهدف استراتيجي امريكي صهيوني وان مجلس الشيوخ الأمريكي اقر مشروع بايدن التقسيمي البغيض عام 2008 ، كما إن دستورالعراق اليوم الذي تم تمريره والإقرار عليه بضغوط معروفة واساليب ملتوية لم يكتب على عجالة وانما ترجم ومرر بعد ان تم التاكد من انه كتب بصيغة خبيثة متقصدة تضمن عدم امكانية تغييره بتوافق وعدم امكانية ان يحقق هذا النص الوفاق كي يبقى مصدر اثارة صراعات ونزاعات وليكون ضمانة لتحقيق هدف التقسيم والتشضي .
والثانية: هي ان أمريكا غزت العراق لتبقى مهيمنة على ثرواته وموارده لا لتتركه عراقا قويا مستقلا لأهله . في نهاية عام 2006 وامام ضربات المقاومة العراقية الباسلة والخسائر التي منيت بها قوات الغزو جسديا ومعنويا وماديا كانت قيادة قوات الغزو على وشك ان تجبر الادارة الامريكية وحلفائها على سحب قواتها من العراق وإيقاف مشروعها التفتيتي للشرق الاوسط الجديد لولا نجاح القائد العسكري الجديد باتريوس من خلال عملاء عراقيين جاءوا مع الاحتلال في ابتداع تشكيل مجالس الصحوة في حواضن المقاومة وساحاتها بدعم مباشر من بوش واسناد من احزاب السلطة الطائفية مما أدى الى انكماش فعل هذه المقاومة في أوج نجاحاتها بسبب هذا الاختراق مما مكن الغزاة على اعادة النظر في حسابات اسبقيات مشروعهم وبقائهم في العراق لغاية اليوم .
الحقيقة الثالثة : بالرغم من النجاحات التي حققها مشروع تحرير العراق البغيض المتمثلة بتحطيم الدولة وانهيار النظام وحل الجيش ونهب واستغلال الموارد والثروات , لكنه حقيقة اصطدم فيما لم يحسب له حسابات بصمود المقاومة العراقية الباسلة التي كلفته ثمنا باهضا في الارواح والتكاليف والحقت به اشد الخسائر ومن ثم بتنامي وعي شعبي بوجه الطائفية والتقسيم بالرغم مما روج له بكثافة في الساحة من حرب طاحنة طائفية راهن الغزاة عليها في حينها كنواة لحرب طائفية ماحقة لم تحدث ، وعلى ضوء ازمة الولايات المتحدة الاقتصادية وصعوبة ادامة حروبها المتعددة وانكفاء صفحاتها العسكرية وجدت ان تكليف من يقوم بدورها بالإنابة لتحقيق اهدافها هو افضل وسيلة لإدامة دورها فسمحت بالنفوذ الإيراني والميليشيات بتفعيل الملف الطائفي واشعال فتيله واناطت بالحكومات المتعاقبة الفاشلة والفاسدة من خلال تبني الاحزاب الطائفية نهج ادارة الدولة بشكل طائفي يثير الحقد والتهميش ويستقطب بالاذلال مكونات معينة كي يثير فيها اليأس ويدفعها للمطالبة بالانفصال والتقسيم في حين يشكل ضغط الادارة الامريكية على تشكيل حكومة شراكة تتصدر فيها قائمة غير مؤهله انتخابيا بقيادة حزب طائفي مرجعي وبرلمان تنعدم فيه المعارضة ومن خلال شراكة هزيلة تحمل جميع الشركاء فيها مسؤولية الفشل حكومة وبرلمانا ورئاسات كي تصبح هذه المواقع ملكية نفعية لشاغليها والمتشبثين بها فيتجردوا لقاء ذلك من هموم الرعية ومصالح الشعب ويكرسوا الدور السياسي من خلال الفشل الحكومي لترويج مشروع التقسيم .
ما اردت ان اؤكد عليه من خلال هذه المقدمة هو ان ما صدر وسيصدر من بعض ساسة الاحتلال وقيادات بعض الكتل السياسية سواء كانوا بمناصب حكومية او ادارية او مجالس محافظات من تصريحات ودعوات للترويج للأقاليم او تفعيل نصوص الدستور البغيض بالفدرالية (وكل هذه المفردات تقسيمية) ، تشكل فعل سياسي وتحرك احتلالي وصفحة من صفحات مشروع التقسيم يتعاقب على تنفيذه بالنيابة الساسة العملاء الذي نصبهم واوكل اليهم مهمة الدور السياسي الذي لا تقل خطورته عن الصفحة العسكرية التي لا يزال يقتل شعبنا بسلاحها . هولاء الساسة لو سمع الناس ما يدعون اليه هولاء العملاء لغرقت محافظاتنا بالدماء ولتقاتل أهلنا قتال حرب البسوس على الماء او ربما على سمكة أو عقد مقاولة تنظيف شارع ! ولا اقول على المناصب والمقاعد والمقاولات فذلك بديهي !.
حين يصرح المالكي وعلاوي والناطقين باسم التيار الصدري والفضيلة والمجلس الاعلى برفضهم للفدرالية والاقاليم وبانهم ليسوا انصارا او مؤيدين او دعاة للفدرالية بالرغم من دستوريتها، وان الاقاليم ستغرق اهلها ببرك الدماء كما صرح المالكي ، لا أدري كيف يبرر ساستنا استمرار ادراج نصوص الاقاليم في الدستور وهي بهذا السوء ؟ بل كيف تبنوها ودعوا لها واعتبروها مطلبا شرعيا لمكونات يدعون تمثيلها بالتعاقب ؟ . لو كانت هذه القيادات صادقة فيما تطلق من تصريحات، كيف تقبل العمل في ظل دستور يروج لهذه الاقاليم ومخاطرها ، مع انهم وعلى رأسهم السيد المالكي الذي اطلق تصريح برك الدم كان من ابرز المساهمين بكتابته ، واذا اتضح من خلال الممارسة ان هذا الدستور فيه خلل واتضح انه اسفين للفتن ، لماذا لا يعدل أو يعلق على أقل احتمال العمل بمواده المخلة ؟ بل لماذا خالف البرلمان نصوصه بوجوب التعديل خلال اربعة اشهر ولم يعدل ؟ ولم تحسب هذه مخالفة ، لكن تعليق العمل بالفدرالية والاقاليم يحسب مخالفة ؟. كيف تنبري قيادات من هذه الكتل ومن ضمن تنظيماتها وقوائمها ومن مجالس المحافظات من المحسوبين عليها بالتثقيف لهذه الاقاليم في لقاءاتهم وخطبهم لغاية اليوم بل ويتقدموا عن محافظاتهم بطلبات ما ضمنه الدستور لهم ، ماذا يعني هذا ؟ الا يدل هذا النمط من العمل السياسي السائد في مجالس البرلمان والكتل على نوع من التلاعب باحاسيس ومشاعر الشعب دون خجل ؟ ماذا يعني ان يطلق احدكم في امسية تجمع قيادات كتلته بانه لم يعد خجولا او مترددا بالمناداة بالإقليم ويلقى نداءه هذا التاييد والإسناد من الجالسين ثم لا يلبث هذا السياسي في صباح اليوم التالي أن يتنكر لما قاله في المساء من على شاشة الفضائيات ويعلن عكس ما دعى اليه .
اذا كنتم جميعا مقتنعون وانتم الاكثرية في البرلمان فلماذا لا تعلقوا العمل بمواد الاقاليم وتدفعوا عنا الفتن وبحر الدماء وهذا اقل ما يمكن ان تفعلوه بدلا من تحقيق النص الدستوري بضرورة التعديل الذي لا تجرؤون ولن تستطيعوا ان تعدلوه لانكم اجرمتم بحق شعب ذبحتوه بنصوص وشروط للتعديل لايمكن التوافق عليها وكان دستوركم قرآن لا يتغير مع انكم تعترفون بأخطائه وهفواته ومقالبه . وإذا كان تحالفكم الحاكم بالاجماع لا يقبل بفرضية التمديد لبقاء القوات لماذا كل هذا الكم المتناقض من التصريحات وتبادل التهم والأدوار بين من هو مؤيد للتمديد اليوم ورافض له غداً ؟ كفاكم إسفافا وتهريجا بمشاعر العراقيين وفروا ان كنتم صادقين لهم الأمن والأمان والعمل ولقمة العيش بدلا من مزيد التشاحن والبغضاء والفتن وكأنكم لا تدركون حقيقة ما يعرفه شعبنا عنكم بانكم لا تملكون السيادة والارادة والقول الفصل إلا بما يؤذن لكم ، مهما زايد بعضكم على البعض الآخر بالأقاويل والتصريحات .
شعبنا يدرك بعمق ان بقائكم وشراكتكم وفشل حكومتكم وسلطتكم واستمرار العنف والفساد وفقدان الامن والخدمات وتوغل النفوذ الاجنبي والإقليمي والطائفي كلها وسائل ضغط امريكية لإبقاء هيمنتهم و وصايتهم على دولة فاشلة لا تستطيع تامين مصالح وحماية وموارد وامن شعبها المنكوب حتى تضعفه وتقسمه على مضض ليصبح كالمستجير من الرمضاء بالنار.
كل دعواتكم ونداءاتكم وابتزازاتكم وتبريراتكم للقبول بالاقاليم اوالتمديد لبقاء قوات الاحتلال والتشبث بحمايتها وتواجدها ، شعبنا يدركها ويعرف انها مجرد تفعيل أدوار مكلفون بتمثيلها مدفوعة الثمن بما تحضون به مال وجاه وحمايات ، لكن الله والتاريخ سوف لن يرحم من جاءنا واصطف مع هولاء الغزاة دليلا ذليلا او عميلا و وكيلا ، ولن يرحم من مررَّ هذا الدستور الذي اسس لدمار العراق وتقسيمه وسلبكم ارادة تغييره وتعديله وانتم الذين تدعون كتابته و وافقتم عليه . سنة الحياة تقضي بما سطرَّه التاريخ ، الشعوب باقية والاوطان لا تتبخر ولكن الطغاة زائلون والغزاة راحلون وحينئذ لن يجدي الندم .