بقلم: زيد الحلي
المؤلف أكرم طاهر حسان
كتاب سياسي خطير عن العراق يكشف فيه مؤلفه أكرم طاهر حسان خبايا مسيرة تسع سنوات من تاريخ العراق المعاصر، وهو تاريخ مليئ بالأحداث الجسام، غيّر من تاريخ المنطقة والعالم، وقد ركز المؤلف على الأعوام من ــ 2003 / 2010 ـــ باعتبارها سنوات حددت هوية وملامح التحولات التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية.
وعند قراءتي لصفحات الكتاب، سمح لي الكاتب بمطالعتها أثناء دوران ماكنة الطباعة ، لاحظت أن صعاباً عديدة جابهت المؤلف في تصديه لهذه الحقبة المهمة، أبرزها ندرة المصادر المتاحة وعزوف شهود المرحلة عن الحديث لأسباب لا تخفى عن احد، إلاّ انه نجح في تسليط الضوء عليها بدأب ومثابرة واستقصاء استمر طويلاُ، وفق رؤية منهجية إستقرائية عالية المستوى، جعلت الكتاب ينحو منحى علمياً، مدعماً بمعلومات كانت قبل ان يخوض فيها المؤلف طي الكتمان، وبذلك وفر للقارئ فرصة ليكون في صلب الاحداث.
الكتاب كان يحمل عنواناً هو "العراق في زمن التحولات الكبيرة 2003 / 2010" إلاّ أن المؤلف أرتأى كما عرفت اختيار عنوان جديد هو "العراق ... أحداث وتحولات" وفي الحالين يبقى الكتاب حاجة ضرورية لكل مثقف.
عندما قرأت الكتاب زدتُ دراية مثلما زدتُ معرفة بأمور كنتُ أعتقدها بديهة، لكني كنتُ واهما، ففي مسيرة السنين التي تصدى لها المؤلف، وجدتُ حقائق كانت خافية ومعلومات كانت "مغيبة"!
ثمانية أبواب ضمها هذا الكتاب، صبّت في مجملها على بيان الأرضية التي تشكلت بموجبها خارطة العراق في ظل الاحتلال وما قبله وما بعده، والمؤلف يشير في مقدمته الى معلومة استقاها من تصريحات واستبيانات للجنرال "ويسلي كلارك" القائد العسكري الأميركي في أوروبا الذي أكد فيها قناعته من أن جورج دبليو بوش الابن، خطط لاحتلال العراق قبل انتخابه رئيساً للولايات المتحدة الأميركية. والمؤلف يستنبط من قناعة "ويسلي كلارك" بأنها قناعة ليست مبنية على تحليل المواقف فقط وإنما هي حقيقة من خلال حصوله بحكم موقعه الاستراتيجي الحساس على معلومات رسخت قناعته تلك وقال الكاتب بهذا الصدد، بعد مرور السنين، وضح بطلان كل ادعاءات بوش وإدارته في مبررات غزو العراق واحتلاله خلافاً للقانون الدولي وخروجاً على إرادة مجلس الامن، وتسربت معلومات كثيرة تؤيد وجهة نظر "كلارك" ولربما تصريحات بعض المسؤولين في إدارة البيت الأبيض بهذا الاتجاه على ندرتها. أوضحت أموراً عدة لا تنجي بوش وفريق إدارته من المسؤولية التاريخية والقانونية والانسانية للغزو الذي وصفه "كوفي عنان" الأمين العام السابق لمنظمة الأمم المتحدة بأنه عمل غير قانوني ولم يحظ بالشرعية الدولية.
وكمثال يؤكد مسؤولية الولايات المتحدة ورئيسها وإدارته من دون لبس عن دماء أكثر من مليون عراقي وتخريب بلدهم ونهب ثرواتهم ومقتل حوالي خمسة آلاف جندي أميركي وضياع مئات المليارات من الدولارات وتفجر الزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة، وتراجع وضعها الأستراتيجي في العالم.
• ماذا قال الناطق الرسمي الاميركي؟
وينقل المؤلف تصريحاً مهماً لـ "سكوت ما كليلان" الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض الأربعاء 12 يناير/كانون الثاني 2005 ما يؤكد عدم شرعية الغزو الاميركي للعراق حيث قال في ذلك التصريح إن حكومته "قررت التوقف تماما عن عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية وان العراق لا يملك أسلحة دمار شامل". وأضاف مستدركاً بـ "أن الرئيس بوش لم يكن يتوقف عن احتلال العراق حتى وأن كان لا يملك أسلحة دمار شامل لأن القرار قد اتخذه".
وأكد الناطق الرسمي الاميركي وجود أسباب أخرى عندما قال: "إن الامر يتعلق بحماية الشعب الاميركي وأن الحرب سبيل للديمقراطية"، ويتوقف الكاتب عند هذه الجزئية، ليقول: "هذا الكلام يزيد قناعة الجنرال كلارك صدقية ويضيف اليها مفاهيم منافية للشرعية العالمية لحقوق الانسان ولكل المواثيق الدولية التي تنظم العلاقات بين البلدان فضلاً عن ميثاق الأمم المتحدة".
الباب الأول من الكتاب ضم أربعة فصول، تناولت محاور بكيفية تسبب العراق في ضعف القطبية الواحدة وإشكالية الموقف في واشنطن وبغداد وعزلة الأحزاب الوافدة والأحزاب والتطورات في الساحة السياسية. وفي هذا الباب، يسلط المؤلف الضوء على حالة جديدة، طفحت على سطح الحياة في ما يسمونه "العراق الجديد" وهذه الحالة هي هيمنة وفدت من الخارج، وهي هيمنة غير مبنية على الاختصاص أو الكفاءة، إنما جاءت بقوة الانتماء للأحزاب المتحالفة مع القوات المحتلة والإدارة الاميركية. وتسلمت المجموعات المذكورة وأغلب أعضائها من مزدوجي الجنسية، معظم المسؤوليات القيادية وخاصة رئاسة الوزراء وكذلك الوظائف القيادية الأخرى مثل وكلاء الوزارات والمدراء العامين وقيادات في بعض الاحهزة الأمنية والعسكرية.
وتعود مسألة استيلاء وهيمنة المجموعات الوافدة على الوظائف القيادية والمفاصل الرئيسة في هيكل الإدارات الحكومة الى القناعة التامة بسياسة إقصاء الآخرين حتى وأن كان الآخرون من المهمشين والمتضررين خلال فترة ما قبل الاحتلال، ووصلت درجات الإقصاء الى حد اعتماد سياسة الإجتثاث والتصفية والقتل والتدمير ضد الحركات والأحزاب الوطنية والقومية والدينية وقصف قرى ومدن بكاملها، والنجف والفلوجة وسامراء والكوفة وبعقوبة ومدينة الصدر أمثلة لا تحتاج الى دليل عدا الكثير من القرى في المحافظات ومناطق وأحياء سكنية في بغداد على جانبي الكرخ والرصافة.
وبتركيز شديد، لكنه واف أشار الكاتب الى السمة الخطيرة في هيكلية الاحزاب الوافدة وهي "الطائقية" فأكد إن هذه الأحزاب مارست الطائفية كل على طريقتها، في وسائل إعلامها وفي مجالات عملها وبخاصة في الوزارات التي استوزر لها قياديون من تلك الأحزاب وعملت صحفها ووسائل أخرى تعود لها على إثارة الروح الطائفية بين العراقيين، وتطورت تللك الممارسات من بعض الأحزاب الوافدة الى عمليات قتل بعض من الرموز والشخصيات الدينية والسياسية والأكاديمية وتفجير جوامع وحسينيات بهدف إشعال نار الفتنة الطائفية والنبل من الوحدة الشعورية العامة للشعب العراقي ومصيره المشترك إلاّ ان التدارك المسؤول للعديد من الرموز والمرجعيات الدينية والسياسية ووعي عموم العراقيين بأن هذه الاحداث تتناقض مع حياتهم الطبيعية التاريخية ولا تخدم مستقبلهم فيما تنسجم مع أهداف أسرائيلية ترمي الى تشتيتهم وخرق ثقافاتهم الوطنية وتقطيع جذورها التاريخية لتدمير لحمة مجتمعاتهم ونسيجها المبني تراكمياً على مدى عشرات القرون من الزمان، هذا الوعي تمكن من الحد من المخططات الاستراتيجية للطائفية الاّ ان الممارسات اليومية ما زالت تبدر من الاجهزة الامنية المبنية على اسس طائفية والوزارات التي يسيطر عليها ممثلو الاحزاب الوافدة او شخصيات تعمل على وفق الرؤى والافكار الظلامية والاحتلالية بتشجيع من مراجع اقليمية.
ويشير الشعور الشعبي العام بهذا الخصوص الى أجهزة الامن الاسرائيلية وجهاز أمن كويتي وأجهزة ومؤسسات دينية إيرانية ولكل واحد من هذه الأجهزة مصلحة في أن يكون العراق ضعيفاً، مشرذماّ داخلياً حتى وان ظل موحداً جغرافياً في هذه المرحلة، ولربما يتغير الأمر في المرحلة القريبة القادمة.
وأشار الكتاب بطريق إيحائية الى مغزى زيارة مثال الآلوسي الى إسرائيل وهو نائب احمد الجلبي في حزبه "المؤتمر الوطني العراقي" ومصافحة الدكتور اياد علاوي لوزير خارجية اسرائيل في الدورة 59 للجمعية العمومية للامم المتحدة ولقاء ومصافحة جلال الطالباني للجنرال أيهود باراك خلال مؤتمر الاشتراكية الدولية يوم أول يوليو/تموز 2008 ومصافحة هوشيار زيباري وزير الخارجية لوزير العمل الاسرائيلي. ويؤكد ان كل ذلك حقق للاسرائليين علاقات مهمة اقتصادية واجتماعية، وبحسب غرفة تجارة عمان فقد بلغت التجارة الاسرائيلية الى العراق ما يقرب ملياري دولار خلال سنتين بعد الاحتلال.
ويدخل المؤلف الى جذور الاحزاب الوافدة ، ويضعها على طاولة التشريح العلمي وبمنظور سياسي نأى بنفسه عن الأحكام المسبقة، فقال إن الأحزاب الوافدة مع قوات الاحتلال، تنقسم الى أحزاب سياسية وأخرى دينية سياسية، وباستثناء حزب الدعوة الإسلامية، فإن هذه الأحزاب لا جذور تاريخية لها في المجتمعات الشعبية العراقية، أما الأحزاب الدينية السياسية فلها وضع آخر، ولكن لكل حزب واقعه ومريديه، فحزب (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) الذي غير اسمه لاحقاً الى (المجلس الإسلامي الأعلى) توسع بعد دخول ميليشياته المسماة "فيلق بدر" ثم عودة مؤسسه السيد محمد باقر الحكيم الى العراق من ايران، وكذلك حزب الدعوة بأجنحته المختلفة الذي يعد في مقدمة الأحزاب الدينية السياسية المعارضة قبل الأحتلال وأكثرها تنظيماً، وهكذا بالنسبة للحزب الاسلامي العراقي الذي أعاد نشاطه بعد الأحتلال أثر توقف دام عدة عقود من السنين، وتوسعت هذه الأحزاب في الثلث الأول من تاريخ الاحتلال نتيجة الفراغ السياسي الذي خلفه، نظراً لعدم وجود أحزاب سياسية بحكم الأنظمة والقوانين السابقة حيث لم يسمح لأي حزب بالعمل في الساحة السياسية العراقية قبل 9/4/ 2003 الاّ أن السياسات التي اتخذتها إدارة الاحتلال ونفذتها الاحزاب السياسية الوافدة ومعها الحزبان الكورديان: الديمقراطي والاتحاد الوطني، قد عجلت ببلورة حركات وأحزاب سياسية ودينية ومنظمات ونقابات مهنية ومؤسسات مجتمع مدني مناهضة للاحتلال على الرغم من سياسة الأقصاء للاخرين.
ثم يعرج المؤلف الى جانب محاذ لرؤيته التي أشرنا اليها، ليقول: ومن جانب آخر، فإن حركة المقاومة العملياتية بدأت تستسعر تحت الأرض، ولقد كانت سياسة عدم القبول بالآخر التي انتهجها مجلس الحكم الانتقالي المنحل والوزارة التي شكلها السفير بريمر وصلت حداً كشف عزلة مجلس الحكم عندما تأكدت الإدارة المؤقته للاحتلال أن مجلس الحكم لا يحظى بأهمية عند الشعب العراقي لذا "أصر بريمر على حل المجلس وعدم اعطائه (دوراً خاصاً) لحين سن الدستور على الرغم من مطالبة أعضائه بالبقاء في السلطة". ويلاحظ في هذا الصدد ص 17 وص 22 من كتاب السيد احمد الدفاعي "العراق تحت الحتلال" المتضمن محاضر مجلس الحكم.
ويخلص المؤلف بعد قراءته الموضوعية للواقع السياسي العراقي الى القول "تتقاسم السياسة العراقية إتجاهات حزبية منها: الإتجاه الإسلامي ويضم العقلاني والمتطرف والطائفي والتوحيدي، والأتجاه القومي الذي يضم أحزاباً وفئات، قسم منها له جذور تاريخية في العمل السياسي كحزب البعث بمختلف اتجاهاته ومراجعه والتيار القومي الذي يضم عددا من الاحزاب الناصرية، وقسم آخر تشكل حديثاً فيما يشكل الاتجاه الماركسي الذي ينقسم الى عدة احزاب شيوعية منها يحمل الاسم التاريخي ــ الحزب الشيوعي العراقي ــ الذي أصبح بعيداً كل البعد عن النهج الماركسي ناسفاً تاريخه النضالي منذ مؤسسه وقائده يوسف سلمان ــ فهد ــ حتى سكرتيره السابق عزيز محمد بعد أن تراصفت قياداته الحالية مع قوات الغزو الأميركي، فيما حافظ الحزب الشيوعي العراقي / القيادة المركزية / على توجهه الرافض للاحتلال. اما الليببراليون فهم نخبة بقيت ضمن إطار محدد جعلتها الأحداث اليومية قبل الاحتلال وبعده غير قريبة من نبض الناس وآمالهم وواقعهم، وتشكل الفيدرالية اتجاهاً يطغي على اهم حزبين كورديين في العراق وهما الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الكردستناني اضافة الى المجلس الإسلامي الأعلى.
ومثلما ذكرنا سابقاً، فان الكتاب ضم ثمانية أبواب، استوعبت رؤية معمقة للأحداث القريبة التي مرت في العراق، رؤية بانورامية، ما أن يقرأ القارئ عناوينها الثانوية حتى يسرع في البحر بها، منها مثلا العراق يتسبب في ضعف القطبية والواحدة وأشكالية الموقف في واشنطن وبغداد وعزلة الأحزاب الوافدة ومعضلات امام الوحدة الوطنية وانقلاب الاحزاب الاسلامية على نظريتها والانتخابات ومأزق الموعد وتداعيات الموقف والنتائج قبل إغلاق صناديق الأقتراع والتفجير الثاني لمئذنتي الامامين والتوظيف الحزبي للخطة الامنية وإشكالية تمثيل العراق في جامعة الدول العربية والصراع على كركوك في الموصل و.. و.. والكثير من المحاور الجديدة التي تهم العراق وطناً ومواطنين.