بسم الله الرحمن الرحيم
جامع شهداء الفلوجة لانصب شهدائها
بقلم: أ.دعبدالرزاق عبدالرحمن السعدي
كلُّ من يعرفني ويعرف عائلتي يعلم أني وأشقائي قد أمضينا زهرة شبابنا في مدينة الفلوجة، في عقدَي الخمسينات والستينات من القرن العشرين الميلادي المنصرم، ومعلومٌ ما تتركه مدينةٌ يعيش فيها المرءُ في باكورة حياته العلمية من آثار مطبوعة في الذاكرة ومن ذكريات يحتفظ بها الفؤاد، إذ كنا نتلقى علوم الشريعة والعربية في جامع الفلوجة الكبير، المطلِّ على نهر الفرات العتيد، ذلك الجامع الذي احتضن في جنباته المدرسة العلمية الدينية،بقيادة مدرسها وشيخها الأول صاحب السماحة فضيلة العلامة الشيخ عبدالعزيز سالم السامرائي عليه من الله الرحمة والرضوان، ومدرسها وشيخها الثاني نائبه،سماحة الدكتور فضيلة الشيخ عبدالملك عبدالرحمن السعدي رعاه الله ومدّ في عمره،درسنا عليهما أنواع العلوم والفنون، أيام كان طلب العلم للعلم،لانغادر المسجد إلا لضرورات الحياة،فأيامُ السنة ولياليها مليئةٌ بالدرس والحفظ والإعادة والمذاكرات،وقد عاصرنا في مدينة الفلوجة آنذاك رجالا وشبابا من أهل التقوى والمروءة والصلاح، فرحم الله الأموات منهم وحفظ الأحياء.
بعد هذا أقول: شاهدت من على بعض القنوات الفضائية تجمع سكان مدينة الفلوجة في يوم الأربعاء 13/12/2011م، ابتهاجا بنصر الله تعالى، وبخروج قوات المحتل الغاشم الذي احتل العراق عام 2003م ، فبفضل الله تعالى ثم بجهاد المخلصين خرج العدو خائبا مذؤما مدحورا، مطرودا كما طرد الله إبليس من الجنة، قال تعالى:(( قلنا اخرج منها مذءُوما مدحورا لَمَنْ تَبِعَكَ منهم لأملأنَّ جهنم منكم أجمعين)) الأعراف:18،إنه تجمع هزَّ المشاعر وحرك الوجدان، وأدمع العيون وأطرب الآذان، إنه تجمع خيرٍ وإيمان، ولقاءُ صدق وجهاد، برهن على قوة التلاحم وصدق العزيمة، من أبناء هذه المدينة، التي أعلن رجالها ونساؤها وعلماؤها أنه تجمع خالص لله ولرسوله وللوطن، لايحكمه عنوانٌ شخصي ولا حزبي ولا قبلي ولا سياسي، فبارك الله في الفلوجة وأهلها .
وإن واجب الدين والوطن يدعوني إلى أن أسجل ما أراه واجبا شرعيا تجاه أُخُوَّةِ الدين وحبِ الوطن، فأرجوا أن تنال ملاحظاتي استحسان من أحب الاطلاع عليها، وأن لايقلق من لايرتضيها، فالحق أحق أن يتبع، وما أردت إلا ذاك، والله يعلم السر وأخفى:
أولا – أدعو جميع العراقيين بكل أديانهم ومذاهبهم وأعراقهم وفي كل بلدة وقرية عراقية، أن يفعلوا كما فعل أهل الفلوجة ،فيتجمعوا ويعلنوا كلمة الحق: بأنَّ إخراج المحتل كان ولا يزال واجبا شرعيا مقدسا، ومسؤلية وطنية تاريخية، وبذلك يرسلون إلى المحتل وأذنابه رسالة من خلال تجمعهم : بأنَّ العراقيين أباةٌ للضيم وعصاةُ على العدو،لا تنام أعينهم عن محتل جاثم على أرضهم الطاهرة، ولا تهدأُ نفوسهم على ظالم نصَّبهُ المحتل ليتحكم في مقدراتهم، فالعراقي حرّ أبيّ لا يركع للظلم،ولايعطي الدنية والمذلة والهوان،والتاريخ شاهدعلى ذلك،وأنهم عراقيون موحَّدُون يرفضون تقسيم العراق إلى أقاليم ،فإنَّ ذلك إرادة أمريكية صهيونة علمها من علم،وليعلمها من جهل.
ثانيا – تمنيت كما تمنى كثير غيري ممن تعاطف مع هذا التجمع المبارك في مدينة الفلوجة المباركة بأهلها: أن يبقى شعار التجمع الذي رفعوه سالما من أي شائبة ليبقى ساميا في دلالاته ومعانيه، وهو شعارُ صفاءِ التجمع من الشخصنة، ومن أي توجه أوتكتل آخر، وأنه تجمع إيماني ووطني لا يقف وراءه شخص ولا يدفعه حزب ولا قبيلة – وهو كذلك إن شاء الله تعالى.
لكنَّ الإعلان عن قيام صرح لشهداء الفلوجة ضمن برنامج التجمع وباسم شخصي قلب بعضَ الشئ الموازين عند كثيرين ممن شاهدوا هذا التجمع العظيم ، ودفع من يتصيد في الماء العكر لأن يتقول بأن هذا التجمع تموله أوتقف وراءه جهة معينة أوجهات، مع أننا لانؤمن بمثل هذه التقولات بحكم معرفتنا بأبناء الفلوجة وأهلها وعلمائها من قوة الإرادة وصدق العزيمة، فأهل الفلوجة هم من جاهد وصبر وصابر ورابط في سبيل الله ،كما هو شأن الآخرين من أبناء العراق الصادقين المخلصين.
ثالثا – أكرم الله تعالى مدينة الفلوجة بعلمائها الأجلاء ومساجدها وقبائلها وعوائلها الكريمة، وهي واحدة من مدن محافظة الأنبار التي تتميز بالالتزام الديني والتمسك بتعاليم الشريعة الإسلامية الغراء، في مجال الحياة كافة، فقيام صرح تذكاري لشهداء الفلوجة أمر غير مشروع ؛ لأن الشهداء أعلى منزلة من نصبٍ يرتفع خمسة وعشرين مترا ،ولايعود عليهم بأجرٍ ولا ثواب، فالشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فرحين بما آتاهم الله من فضله، والنصب تقليد وافد ليس من شعائر ديننا.
ولكنَّ الأمر المشروع والعمل الصحيح أن يُشَيَّدَ جامعٌ على أرض بارزة في الفلوجة ، بتصميم خاص وتنفيذ ضخم يليق بمكانة الشهداء ويحمل اسم[جامع شهداء الفلوجة] ولا بأس بأن تُدَوَّن أسماء الشهداءعلى أحد جدران الجامع الخارجية تذكيرا لمن يرتاد المسجد لأداء العبادة من المسلمين والمسلمات بالترحم عليهم والدعاء لهم ،فذلك هو الصدقة الجارية والثواب الذي يفرح به الشهداء،فأرجو من إخوتنا علماء الفلوجة الأكارم ومن المتبرعين أن يحولوا مشروع النصب إلى جامع ليكونوا قدوة لغيرهم ممن يريد أن يعمل مثل ذلك .
تحية للفلوجة وأهلها الطيبين،وتحية لكل المخلصين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أ.د عبدالرزاق عبدالرحمن السعدي
الأربعاء:19/محرم/1433 هـ 14/12/2011 م