الجيش والمليشيات : دمج أم إحلال ؟
الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس
أكاديمي عراقي مقاوم
كان هدف حل الجيش العراقي احد أهم أسباب غزو العراق وكان احد أهم محاور نشاط معارضي النظام الوطني القومي العراقي الخاص منها والعام ونقطة ارتكاز في مفردات مؤتمراتهم التي رعتها الدول الغازية . وأهداف حل الجيش كمؤسسة وطنية ذات عقيدة سياسية وعسكرية وقوة غير تقليدية معروفه . فبقدر تعلق الأمر بالمعارضين للنظام الوطني فان بقاء الجيش يعني إن بقاءهم في السلطة التي سيشكلها الاحتلال مرحلي ومحدد بفترة بقاء الاحتلال لان جيش العراق الباسل لا يمكن أن يقبل بحكم العمالة والخيانة ولا بسلطة الأنذال والفاسدين. كما إن الأحزاب والقوى الأساسية الناشطة في مسلك إسقاط النظام الوطني بالاحتلال وهي الأحزاب الطائفية الصفوية التابعة لإيران من جهة والأحزاب الكردية من جهة أخرى كانت تمتلك ميليشيات كبيرة منها البيشمركة وفيلق بدر وميليشيات أحزاب الدعوة ومشتقاتها وهي تمتلكها كأحزاب وقوى معارضه ولا يمكن أن تفرط بها بعد استلام الحكم تحت ظل الاحتلال لأنها موضع ثقتها وخط حمايتها وتنفيذ برامجها القذرة.
وقد برزت مشكلة المليشيات في الأسابيع الأولى للاحتلال وتشكيل مجلس الحكم وصارت إحدى ممرات المد والجزر والتوافق والتناقض والتراضي والافتراق بين أطراف العملية السياسية الاحتلالية المخابراتية والى يومنا هذا واستخدمت كأحد أوراق الضغط بين فرفاء التوافق والتحاصص الطائفي ضمن اطر الأهداف المحتملة الآتية :
1- أن تكون احد أوجه التنفيذ التدريجي والمتصاعد لتبني النموذج الفارسي في السلطة والمعارضة الافتراضية للسلطة أو ما يعرف في إيران بتعدد الأقطاب .
2- استخدامها كأسلوب لتنفيذ التصفيات الجسدية للبعثيين والوطنيين والقوميين وأحرار العراق بما يجعل الجهات المنفذة مجهولة وضائعة بين أشباح المليشيات المتعددة والمتوافقة والمتناقضة في آن معا.
3- اعتماد المليشيات الصفوية التابعة لغيران كنواة لتشكيل الجيش البديل للجيش الوطني المنحل أي بصيغة الإحلال وليس الدمج .
4- تحقيق اكبر قدر من الفوائد المادية ودفع مليارات الدولارات لإفراد هذه المليشيات من أموال الشعب العراقي كمكافئة لها على مساهمتها في الحروب ضد العراق في قادسية صدام وام المعارك والحواسم .
وسنقتصر على النقاط أعلاه لكي لا نشتت التركيز على هدف هذا المقال. ونزعم أن المليشيات الصفوية بالذات قد أعدت لتكون البديل لجيش العراق وان الحديث عن الدمج هو محض فرية وتمويه إعلامي وسياسي يتوجب التنبه له . وكانت أول التشكيلات التي أعدت كبديل للجيش هي من عناصر هذه المليشيات وتم تغذيتها تدريجيا بطريقة طائفية محسوبة بإضافة ضباط يعادون إلى الخدمة بانتقاء محسوب واستعداد تام للعمل ضمن تشكيلات ذات طبيعة طائفية مليشياوية وليس جيش نظامي . دليلنا القاطع هو إن التشكيلات التي تم إعدادها لم تاحذ إلى الآن صفة الجيش وظلت المسافة بينها وبين تشكيلات الشرطة مثلا تكاد تكون معدومة وواجباتها لا تبتعد كثيرا عن واجبات الشرطة فضلا عن عدم بلورة الصنوف ولا الأسلحة المتعارف عليها للجيش النظامي رغم إنفاق مليارات كثيرة من الدولارات في وزارة الدفاع التي توسم رسميا من حكومات العملاء بأنها أهم مركز من مراكز الفساد في العراق بعد الغزو.
إن حل الجيش كان ضرورة للاحتلال وضرورة للكيان الصهيوني وضرورة لإيران. ولا يمكن الحديث عن إعادة تشكيله بعد قرار حله المجرم ما دامت أميركا تحتل العراق وإيران تشاركها الاحتلال والكيان الصهيوني يستثمر تدمير العراق وان الصفويين الفرس والأحزاب الكردية ستبقى تناور لإبقاء مليشياتها هي الكيانات المشكلة لوزارة دفاع الاحتلال.
أما الحديث عن دمج المليشيات في الجيش والعملية السياسية فهي مزحة ساذجة لكل بصر وبصيرة فجيش المهدي ومنه عصائب الحق هو تشكيل فارسي استخدم ولا يزال من الأمريكان ومن إيران بطريقة ذكية في اتجاهين احدهما صادق تماما وهو دعم الاحتلال والعملية السياسية والمشاركة الفاعلة فيها وفي إنجاحها وإدامتها, واتجاه كاذب تماما وهو الادعاء بالمقاومة فلا جيش المهدي ولا عصائبة قد قاومت الاحتلال بل قتلت العراقيين في الجنوب وبغداد وبقية المحافظات العراقية وقاتلت المقاومين الحقيقيين للاحتلال من العراقيين في الجنوب والفرات الأوسط وبغداد وديالى والموصل وكركوك وغيرها.
وهمسة عابرة في آذان البعض نقولها بثقة المجاهدين والمناضلين هي إن الاحتلال الأمريكي للعراق مازال قائم ولكن بعدد اقل من القوات وان الاستعجال في إصدار الأحكام التي بدأنا نقراها ونسمعها والتي تقول بخيالية تحليلاتنا من أن الخونة سيهربون في جلهم مع الاحتلال وعدم واقعيتها وتفاؤلها المفرط ...الخ هو ضرب من الاستنتاج المتعجل والتغيير العسكري والسياسي في بلد محتل لا يتم بمقالات ولا في زمن يسجل بساعة سباق الجري.