قائد فيلق القدس الإيراني يضع مصلحة بلاده فوق كل اعتبار طالما أن الغرب يلوح بالتصعيد. آخر ما يفكر فيه هو إحراج العملاء الصغار التابعين لطهران. هؤلاء يتدبرون أمورهم بما تيسر لهم من أكاذيب.
بقلم: موفق الرفاعي
لم يشأ قاسم سليماني تفويت الفرصة في ندوة "الشباب والوعي الإسلامي" دون استعراض عضلات بلاده في رسالة واضحة الى العالم بالحديث عن قدرة بلاده تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية في العراق وجنوب لبنان بهدف "مكافحة الاستكبار" حسب قوله، وليحرج "اصدقاءه" في تلك الدول امام معارضيهم الذين طالما اتُهموا بتبعيتهم لايران ونفوا ذلك.
اما ان يكون قاسم سليماني يكذب – وهذا مستبعد- او ان اصدقاءه يحاولون دفع تلك التهم عنهم حتى وان اضطروا الى الكذب وهذا هو الاقرب الى الصحة.
الملفت ان الحكومة العراقية ممثلة بقمة هرم السلطة - رئيس الحكومة- التي اقامت الدنيا واقعدتها بعد تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان التي دعا فيها زعماء مختلف الكتل السياسية والدينية العراقية إلى "الإصغاء لضمائرهم" للحؤول دون أن يتحول التوتر الطائفي في بلادهم إلى نزاع اهلي وعدتها تدخلا "سافرا" في الشأن الداخلي العراقي وتوعدت بتحريك الداخل التركي، لنجدها تتوقف مترددة امام تصريحات قاسم سليماني الاخيرة.
ذات الشخص الذي توعد تركيا – عزت الشابندر والنائب عن دولة القانون- يخرج علينا اليوم لا ليرفض تصريحات سليماني ولا ليتوعد طهران بتحريك الداخل كما توعد تركيا من قبل، انما ليطلب من سليماني فقط تفسيرا لتلك التصريحات وكأن سليماني كان يتحدث بلغة منقرضة وليس بالفارسية التي يتقنها الكثير من ساسة العراق بحكم اقامتهم الطويلة في ايران.
ولا يكتفي بهذا الرد البارد بل يبادر الى خلط الاوراق ويجمع كل دول الجوار – تركيا ايران سوريا السعودية - في سلة واحدة متهما اياها بالتدخل في الشان العراقي ويحمّل مسؤولية التدخل الايراني الى القائمة العراقية بسبب تأييدها لتشكيل الاقاليم وهو مطلب نص عليه الدستور الذي طالما اوصى رئيس الحكومة المالكي جميع الاطراف الى الاحتكام اليه في حل نزاعاتهم.
الغريب ان نائبا اخر ينتمي الى كتلة الاحرار هو حسن الجبوري يحذو حذو الشابندر في الرد على تصريحات سليماني ليصفها فقط بانها "غير مقبولة" وحين يريد رفضها فهو لا يتوجه الى رفض التصريحات "السليمانية" – نسبة الى قاسم سليماني- انما يكرر ما صرح به زميله الشابندر برفض اي تدخل كان سواء جاء هذا التدخل من ايران او تركيا او السعودية او "غيرها" ولم يذكر لنا من هذه الـ"غيرها" فلم يكن في هذا بـ"شجاعة" زميله الشابندر حين سمّى سوريا.
الوحيد من جاءت تصريحاته ادانة واضحة لسليماني هو النائب محمود عثمان الذي حين قال بالنص.. إن "تصريحات قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني تمثل تدخلا سافرا في شؤون العراق الداخلية"، وطالب جميع الكتل السياسية إدانة مثل هذه التصريحات كما طالب الحكومة "اتخاذ موقف حازم تجاه تصريحات سليماني شبيهة بموقفها من تصريحات رئيس الوزراء التركي رجب طيب اوردغان التي تحدثت بشكل اقل حدة بشأن العراق".
تأبى ايران الا ان تفضح اصدقاءها الذين طالما حاولوا رد تهمة ارتباطاتهم بايران وتلقيهم تعليماتها في ادارة الحكم وخلق الازمات السياسية التي تصب دائما في مصلحتها العليا.
المسؤولون في ايران كغيرهم من المسؤولين في دول العالم الاخرى يضعون مصالح بلادهم في المقدمة ويسعون دائما الى تحقيقها وتطويرها حتى لو جاء ذلك على حساب مصالح دول اخرى اذا تعذر التفاهم والتعاون فيما بينها، فالمصلحة الوطنية هي الاساس في العلاقات ما بين دول العالم.
وقاسم سليماني كغيره من المسؤولين الايرانيين يشعر هذه الايام ان اميركا والغرب واغلب دول الاقليم تعد العدة لمواجهة مع ايران وبخاصة فيما يتعلق بالجانب الاقتصادي، وهو على هذا يحاول امتلاك اوراق للضغط يفيد منها في الاقل لتخفيف وطأة العقوبات الاقتصادية وفي مفاوضاته المرتقبة مع تلك الدول. والعراق هو احد تلك الاوراق اضافة الى الورقة اللبنانية والورقة السورية التي توشك ان تُنتزع من يده اضافة الى ورقة تحريك مجاميع داخل منظومة دول مجلس التعاون الخليجي.
معنى ذلك ان دعم ايران لبعض المسؤولين في العراق لا يعدو كونه ورقة ترميها في وجه "الاستكبار" كلما ازدادت الضغوطات عليها وارادت تخفيفها، وهي على هذا الاساس مستعدة لان تضحي بهم لو تطلب الامر ذلك، فلعبة البوكر في العلاقات الدولية تقوم على هذا الاساس.
والا ما معنى ان يطلق الجنرال قاسم سليماني تصريحه في هذا الوقت التي تكثر فيها الضغوطات على ايران وتوشك ان تتعرض لحصار نفطي خانق من قبل دول الاتحاد الاوروبي واميركا؟
تصريح سليماني كان واضحا للجميع عدا عزت الشابندر الذي طالبه بـ"توضيح" فقد صرح بالنص: إن "إيران حاضرة في العراق والجنوب اللبناني، وإن هاتين المنطقتين تخضعان بشكل أو بآخر لإرادة طهران وأفكارها"، وأنه "يمكن للجمهورية الإسلامية الإيرانية تنظيم أي حركة تؤدي إلى تشكيل حكومات إسلامية هناك بهدف مكافحة الاستكبار"، والتصريح منقول عن وكالة "إيسنا" الايرانية وهي وكالة انباء شبه رسمية.
فهل ستلبي الحكومة العراقية مطالبة النائب محمود عثمان باتخاذ موقف واضح من تصريحات سليماني كما سبق واتخذت موقفا واضحا من تصريحات اردوغان الـ"اقل حدة"، ام انها ستميل الى رأي النائب الشابندر وتطلب من ايران ترجمة حرفية من الفارسية الى العربية لتصريحات قاسم سليماني لتعرف ان قال ذلك فعلا ام ان وكالة "ايسنا" اختلقتها ونسبتها له..!؟
في طبيعة الحال الموقف الاصوب هو ان تكذب الحكومة قاسم سليماني بشان خضوعها لـ"ارادة طهران وافكارها"، كما اعتادت ان تفعل في كل مرة حين يتهمها خصومها السياسيون العراقيون بذات التهمة.
ام ان سليماني لا يجوز الرد عليه بينما يجوز الرد على اياد علاوي وطارق الهاشمي وصالح المطلك..!؟
موفق الرفاعي