بسم الله الرحمن الرحيم
ما ستره المالكي سنوات
كشفه سليماني بلحظات!
علي الكاش
كاتب ومفكر عراقي
في البدء أرجو أن لايفهم من هذا المقال بإنه دفاعا عن الموقف التركي من العراق أو الدفاع عن نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي المتهم وفق المادة/4 إرهاب والتي لم تطبق لحد الآن ضد أي مسؤول شيعي ولا عنصر من عناصر الميليشيات الإرهابية التي يتحالف معها رئيس وزراء دولة القانون كجيش المهدي الذي وصف إرهابه بأشد من إرهاب القاعدة أو عصائب أهل الحق وفيلق بدر وغيرها. فهذه المادة المفخخة مخصصة لترهيب السنة فقط؟ وهي تجسيد حقيقي لمقولة بول بريمر" كل سُنّي بعثي، وكل بعثي صدّامي، وكل صدّامي نازي". لا الهاشمي ولا المطلك ولا النجيفي وغيرهم من شراذم العملية السياسية يعنون ليُ شيئا سوى معنى العمالة والرياء والنفاق فكراهيتي لحكومة الإحتلال تعمل وفق قاعدة الأواني المستطرقة، حيث تتساوى فيها نسب الكراهية للجميع.
عندما يقصف الأتراك شمال العراق وتتوغل قواتهم في العمق العراقي لملاحقة عناصر حزب العمل التركي. وعندما تقصف إيران قرى العراق بحجة ملاحقة عناصر حزب الحياة الحرة(بيجاك) المرتبط بحزب العمال الكردستاني المناهض لحكومة طهران، فإن كلاهما عدوان آثم ضد العراق وإنتهاكا صارخا ضد سيادته الأقليمية. وتدخلا سافرا في شؤونه الداخلية. لا فرق بين عدوان تركي أو عدوان إيراني. وهذا ما عبرت عنه منظمة (هيومن رايس ووتش) بوضوح التي إتهمت نظامي إيران وتركيا بإلحاق خسائر جسيمة بالمدنيين العراقيين.
لكن الملاحظ في هذا الأمر طريقة تعامل الحكومة العراقية مع العدوانين. فالعدوان الإيراني محظوظ للغاية تتجاهله الحكومة عمدا! في حين العدوان التركي تعيس الحظ تزلزل الحكومة أركانه وتبهذل أحواله. الأنكى من موقفها هو موقف حكومة إقليم كردستان حيث تتجاهل العدوانين معا. لذا فأن الحكومة العراقية تتعامل بمعيارين مختلفين أزاء عدوان واحد. وهو ذاته الذي تستخدمه مع ما يسمى بالربيع العربي. فهي تتباهي به بإعتباره إمتدادا لربيعها القارص. فهي من جهة ترفض ربيع سوريا ولكنها من جهة أخرى تؤيد ربيع البحرين؟
بالتأكيد إننا نرفض التدخل في الشؤون الداخلية للعراق من أي طرف كان. لكن الحكومة العراقية لا ترى في التدخل الأمريكي والإيراني ما يزعجها!في حين تقلب الأرض رأسا على عقب إذا كان التدخل من الجانبين التركي أو السعودي! أو بشكل عام من أي طرف سني أو محسوب على السنة سواء كان ذلك الطرف دولة أو حزب أو منظمة أو مسؤول عربي أو أجنبي.
البعض يستغرب من إن العدوان التركي المتكرر لم يستفز المالكي وحكومته بهذه القوة، رغم إنه بدأ منذ السنة الأولى للغزو. فما الذي أجج نيران المالكي الآن؟
هناك عدة أسباب منها أولها: العلاقات الإيرانية التركية ومؤثرات مدًها وجزرها على المنطقة عموما ودول الجوار خصوصا. والتي شهدت إنحرافا خطيرا خلال غزو العراق. فقد رفضت تركيا فتح مجالاتها الثلاثة أمام القوات الأمريكية رغم إنجرافها للمواقف الأمريكية والأوربية رغبة في الحصول على بطاقة دخول للإتحاد الأوربي. في حين ساعدت إيران قوى الإستكبار العالمي لغزو العراق كما صرح مسؤوليها. ولاشك إن الغزو جعل كفة ميزان القوى في المنطقة لصالح إيران. مع الأخذ بنظر الإعتبار إسقاط النظام السني في إفغانستان الذي تم أيضا بمساعدة إيران للشيطان الأكبر. حيث سنحت الفرصة لإيران لتلم ً ما سقط من سلة تركيا من ثمار، وعندما فطنت الأخيرة لفقدان ثمارها كان نظام الفقيه يمضغها بسلاسة وعلى مهل.
لاشك إن إستيلاء الشيعة والأكراد على الحكم في العراق وإنفرادهم به، وتهميش بقية الشرائح العراقية قد أجج مشاعر الرهبة والتوجس عند تركيا ولاسيما في شمال الاناضول حيث الغالبية الكردية. فإن إرتفاع حس أكراد تركيا من شأنه أن يهدد الأمن القومي التركي. ونزعة الإنفصال تراود مخيلة كل الأكراد حتى لو كانوا في الجنة. علاوة على الأقلية الشيعية في تركيا والتي يمكن أن ترفع سقف مطالبها.
ولايمكن بهذا الصدد تجاهل السباق الإيراني المحموم على السلاح النووي والذي من شأنه أن يثقل كفة إيران في ميزان القوى في المنطقة. وقد دفع هذا الأمر حكومة أنقرة إلى التراجع عن سياسة (الحياد النووي) التي كانت تنتهجها سابقا، رغم إدعاءاتها بأن إيران النووية لا تشكل تهديدا لها! فمثل هذا الطرح يكذبه منطق التأريخ والجغرافية ووقائع السياسة والعلاقات الدولية.
كما إن بوابتي تركيا للعالم العربي هما العراق وسوريا. وبوابيهما (بشار والمالكي) هما من ازلام الولي الفقيه في طهران. وتحاول تركيا لملمة خسارتها والعودة بقوة الى الملعب السوري والذي سينعكس حتما على الوضع في العراق. وهذا ما تخشاه حكومة العراق وقد عبرعنه بصراحة المالكي بقوله إن تدخلات تركيا في شؤون العراق من شأنها أن تشعل فتيل " صراع طائفي قد يؤدي إلى كارثة لاتسلم منها تركيا نفسها".- متناسيا بأنه من بدأ بإشعالها بعد إتهامه طارق الهاشمي بالإرهاب- جاء ذلك في أعقاب تحذير رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان من إن حكومة المالكي تعمل على " إذكاء التوتر بين السنة والشيعة والذي قد يمتد إلى العالم الإسلامي بأسره". وقد إستدعت وزارة الخارجية العراقية(يونس دميرار) سفير تركيا في بغداد وأبلغته عن قلقها من تلك التصريحات.
من المعروف إن الخامنئي هو الأب الروحي للمالكي فلا عجب أن تنعكس أشعة العلاقات الإيرانية التركية على الموشور العراقي سلبا أو إيجابا! فالعراق أمسى الباحة الخلفية لإيران، وهذه حقيقة لا يمكن أن ينكرها عاقل. كما سنرى لاحقا. وموقف المالكي من الربيع العربي مستمد على سبيل المثال من رؤية وليه الفقيه الذي شطره لفصلين متناقضين" فصل يحاول إسقاط أنظمة دكتاتورية موالية لأمريكا. وفصل تديره أمريكا وإسرائيل".
ثانيا: إن الموقف الإيراني المؤيد لحكومة بشار الأسد يقابله موقفا تركيا مؤيدا ومتضامنا مع الشعب السوري المنتفض على حكومته الدكتاتورية. الدكتاتوريات تحمي بعضها البعض وتحتضن إحداهما الأخرى. فإيران حليف إستراتيجي لحكومة بشار، في حين تركيا حليف إستراتيجي للشعب السوري. والشعوب هي من ينتصر في النهاية. لذلك تجاهلت تركيا رسالة التحذير الإيرانية من مغبة الإنجرار مع ما وصفته بالمخطط الأمريكي بشأن سوريا. والتجاهل التركي ناجم عن معرفة تامة بأنه لإيران علاقة جيدة مع الكيان الصهيوني والفقاعات الإعلامية سرعان ما تنفجر ولاتخلف شيئا خلفها. كما إن العلاقات الأمريكية الإيرانية على أفضل ما يكون وخير نموذج على ذلك إن سياسة البلدين لم تتعارضا في العراق طوال سنوات الغزو، ولم نشهد أزمة بينهما! بل لم نشهد خلال حقب الإستعمار القديم مثل هذا التنسيق والتناغم بين دولتين تستعمران بلدا واحدا! أما ما جاء في الرسالة الايرانية بأن سوريا من دول المواجهة للكيان الصهيوني فالجواب يكون بسؤالين! أولا: ما عدد الإطلاقات التي أطلقها الجيش السوري على قوات الإحتلال الإسرئيلي منذ إحتلال الجولان ولحد الآن؟ ثانيا: ماهو تفسير خروج تظاهرات داخل الكيان الصهيوني مؤيدة للرئيس بشار الأسد؟
بلا شك إن موقف حكومة المالكي من إنتفاضة الشعب السوري هو توأم الموقف الإيراني، موقف تابع وذليل. فنظاما طهران وبغداد يخشيان من سقوط نظام أسد ليس محبة بالأسد نفسه. ولكن خشية من تسلم السنة للحكم. والغريب إن المالكي وحزبه كانوا يتبجحون بمظلومية شيعة العراق لكنهم لايهتمون بمظلومية سنة سوريا! ويشكون من تسلط رئيس سني على أكثرية شيعية في العراق. لكنهم لا يهتمون لرئيس علوي يحكم أكثرية سنية في سوريا! علما بأن نسبة العلويون من السكان لا تزيد عن 12% من مجموع السكان وقد تعاونوا مع الإستعمار الفرنسي ضمن قوات المشرق التي كانت تساعد الفرنسيين في مهمة حفظ الأمن الداخلي. ولا ننسى في العام الماضي اتهم المالكي النظام السوري بتمويل وتصدير الإرهاب للعراق. وهدد بعرضه على مجلس الأمن! فكيف اصبح النظام السوري وطنيا يستحق التضامن معه وإرسال عناصر من الميلشيات الشيعية العراقية لنصرته؟ الجواب لأن المالكي يغير إتجاهاته السياسية حسب بوصلة الخامنئي. ولأن تركيا دعمت الشعب السوري وإستضافت مؤتمرات المعارضة السورية وبنت مخيمات للاجئين. فإن هذا الموقف يعتبر عدائيا من وجهة نظر ايران وعملائها في العراق ولبنان.
والسبب الثالث: يتلخص بالأزمة السياسية التي تعصف بالعراق حاليا وتنذر بعودة أيام الجاهلية التي قادها إبي لهب(إبراهيم الجعفري) فخسر العراق خيره شبابه بسبب التصعيد الطائفي بعد أن فتح الجعفري قفص الذئاب المسعورة على مصراعيه لتنهش بأجساد الأبرياء على الهوية. أمام موقف عربي ودولي غير أخلاقي ومثير للشكوك.
فقد أصدر القضاء المسيس مذكرة ضد نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي بتحريض من المالكي لتصفية خصومه من المعارضين للهيمنة الإيرانية في العراق. ففر سيادة النائب كالفأر المذعور لجحر الأكراد، لم يأوى بالطبع لوكر سني لأنه يعرف جيد بأنه خذل السنة وهو لا يمثلهم لا من قريب ولا من بعيد. كما إن المالكي لا يمثل الشيعة. ولبست قضية المالكي - الهاشمي ثوب صراع بين السنة والشيعة على الصعيد الداخلي. وصراعا إيرانيا- تركيا على الصعيد الخارجي. فالهاشمي شخصا غير مرغوب به من قبل إيران. فلطالما ندد بالتدخل الإيراني في شؤون العراق. وهو شخص مرغوب به من قبل تركيا لأن وجوده حتى لو كان صوريا أفضل من عدم وجوه، وهي رسمت له مستقبلا سياسيا في البلاد. لذلك صرحت بأنه يمكنه اللجوء إلى تركيا إذ رغب في ذلك! لكنها تفضل أن تحل الأزمة بحكمة من قبل الحكومة.
ثارت ثائرة المالكي وهو يرى إن تركيا ستأخذ الجمل بما حمل. بعد أن أعد خطته المحكمة بالتعاون مع وزارة الداخلية للحصول على إعترافات مفبركة من حماية الهاشمي، والقاضي مدحت المحمود الذي يسرجه المالكي كلما رغب التنزه في باحة القضاء الملحقه بقصره. ويخشى المالكي بالطبع لجوء الهاشمي لتركيا لأن الأخير يمتلك أيضا من الفايلات الخطيرة ما يفضح به المالكي وحكومته. إنهم مجموعة مافيات كل منهم يملك من وثائق الفساد ما يدين الآخر!
الواقعة الأخيرة هي أبرز مثال على ازدواجية المعايير عند المالكي. فقد إعتبر مجرد تصريح من القيادة التركية حول قلقها من صراع قادم بين السنة والشيعة جراء سياسة الحكومة بأنه يشكل تدخلا في شؤون العراق الداخلية فأقام الدنيا ولم يقعدها لاهو ولا وزارة خارجيته التي سكتت دهرا ونطقت كفرا. ولكن لم نسمع له حيص أو بيص عندما نشر الخبر الصاعقة الذي تناقلته وكالة إيسنا شبه الرسمية لقائد فيلق القدس الايراني الفريق قاسم سليماني خلال ندوة تحت شعار الشباب والوعي الاسلامي جاء فيه " ان ايران حاضرة في لبنان والعراق، وهما يخضعان بشكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها. وبإمكان إيران تشكيل حكومات إسلامية في هذين البلدين وكذلك تحريك الأوضاع في الأردن".
لو عقدنا مقارنة بحياد بين تصريحي اوردغان و سليماني. فأيهم بربًكم يشكل حقا تدخلا خطيرا في الشؤون الداخلية للعراق؟ وأيهما ينتقص من سيادة العراق؟ وهل العراق مستقلا سياسيا وإقتصاديا بعد تصريح سليماني؟ قارنوا بين ردة فعل المالكي اتجاه التصريحين واستخلصوا النتائج بأنفسكم! ولا تنسوا نصيب السفارة التركية في بغداد جراء تصريح رئيس وزرائها، حيث أمطرها حزب الله (الفارسي) بثلاثة صواريخ كاتيوشا. أليس هذا التصرف غير المسؤول يؤكد وصف (عمر جليك) نائب زعيم حزب العدالة والتنمية للمالكي بأنه " الأقل حكمة في تاريخ الشرق الأوسط،، وإنه لا يتحدث كرجل دولة و إنما كزعيم أحد التنظيمات" .
لكي لا نجانب الحقيقة فإن سليماني لم يأت بشيء جديد! على الأقل بالنسبة للعراقيين فهم أدرى من غيرهم بأن الشيطان الأكبر سلم إفغانستان والعراق لإيران على طبق من ذهب. وحتى إنسحابه من العراق فقد جيره نصرا لإيران. لذلك إرتفعت صور الخميني والخامنئي في جنوب العراق كأنهم هم من حرر العراق. حتى إنتصار المقاومة سرقوه وتبرعوا به لإيران.
كما إن سيطرة إيران على مقدرات العراق السياسية والإقتصادية والأمنية والثقافية والدينية معروفة للعالم الغربي أيضا. فقد أكدته صحيفة الغارديان البريطانية في تقرير لها خلال شهر تموز الماضي جاء فيه " إن العقيد سليماني هو من يدير العراق بصورة غير مباشرة". ونود الإشارة قبل أن نختتم الموضوع بأن المالكي قد إنتقد تصريحات تركيا في حديث متلفز لقناة الحرة " أصبح الحديث عن العراق يتجه وكأنه تحت سيطرة أو توجيه دولة أخرى"! لكن ماذا سيقول المالكي عن تصريحات سليماني بعد أن كشف عرواتهم أمام الملأ؟ الغريب في الأمر إن حزب الدعوة ما يزال يعاني من ألم الموسى التي ألقمها سليماني له. فلا هو قادر على بلعها ولا هو قادر على إخراجها.
وقد عبر عن هذا الوضع النائب حامد المطلك بتشكيكه من" قدرة الحكومة العراقية على محاسبة طهران لضعفها". على العكس من زميله( عزت الشابندر) القيادي في ائتلاف دولة القانون الذي صرح بإن" تركيا تنام على أطنان من المشاكل، وأن العراق يستطيع تحريك الأوضاع الداخلية بتركيا، كما تتدخل أنقرة بشؤونه". وصدق من قال" إن شرً البلية ما يضحك" يا شاه بندر.
علي الكاش
ما ستره المالكي سنوات