عدد المساهمات : 3050 نقاط : 60723 تاريخ التسجيل : 14/10/2010 الموقع : http://www.ashairjanob.com
موضوع: إيران عملاق في ثياب قزم أم قزم في ثياب عملاق الخميس أبريل 26, 2012 6:12 pm
19/04/2012
"قاوم" خاص - إن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة ليست بالسوء الذي يصوره الجانبان؛ ويمكن للقاريء غير المتعمق أن يقرأ الكثير من الاتفاقيات التي تبرم سراً بين الطرفين، ومتى يسخن الإعلام ومتى تهدأ القضية، وأوضح مثال على هذا هو فضيحة إيران جيت في عهد ريجان. ولعل كلمة البرازيل هنا تذكرني بسكوت الولايات المتحدة على صلف كوريا الشمالية مقابل إمدادها البرازيل بتكنولوجيا نووية لأن البرازيل تمد الجيش الأمريكي بقطع غيار عسكرية ... وهكذا فالدنيا في عالم السياسة مصالح لا أكثر!
-------------------------
قرأت مؤخراً لرئيس قسم الأبحاث بمعهد واشنطن؛ الباحث الاقتصادي الأمريكي المعني بقضايا الشرق الأوسط باتريك كلاوسون مقالاً بعنوان: ماذا عسى أن تربحه إيران من صفقة نووية؟ وقرأت قبله مقالاً لمبعوث الأمم المتحدة الشهير لسلام الشرق الأوسط دينيس روس عن نفس الموضوع؛ غير أنه تعمق أكثر في تأكيد حتمية الحل الدبلوماسي بدل أن تدخل المنطقة كلها في صراع شامل، وقرأت قبلهما مقالاً مطولاً يزيد على ستة آلاف كلمة، وأظنه كان حواراً بين مجلة فورين بوليسي ودينيس روس، لم أستفد منه أي شيء؛ مما يدل دلالة عميقة على أن ما أشعر به نحو إيران هو هو ما يشعرون به، وهو الضبابية والغموض حتى لكأنك أحياناً تشعر بإيران عملاقاً وأحياناً تشعر أنها قزم.
وما يعمق هذه الدلالة التي استنتجتها -وهي ظاهرة أيما ظهور- هو إعادة تعيين أكبر هاشمي رفسنجاني الرئيس الأسبق لإيران في منصب رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام رغم كونه صاحب وجهة مختلفة عن المرشد الأعلى علي خامنئي. فرفسنجاني يؤيد التفاوض مع الولايات المتحدة ويترك الباب نصف مفتوح فيما يتشدد خامنئي ويرى أن كل غاية الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة هي القضاء على الجمهورية الإسلامية.
بل ما يملؤك عجباً أن نجاد يصور نفسه أحياناً للغرب في بعض تصريحاته باعتباره المناضل المنفتح الذي يحارب راديكالية خامنئي ويسعى للتفاوض مع الغرب، لكن ما حيلته وهو مكتوف اليدين!
لكن دعنا من هذه المراوغات المعروفة عن إيران، ولندخل في تحليل حديث أخير للسفير الإيراني في البرازيل محمد علي غانيزاديج إزايلادي والذي استحث كاتبة برافدا الروسية ليزا كاربوفا لكتابة مقال بديع عن أن إيران كالعادة كائن مجهول بالنسبة لنا مهما حاولنا تحليله وذلك بسبب كم الصراعات والاختلافات المتداخلة في شخصية الجمهورية الإسلامية.
يقول إزايلادي إن بلادي مظلومة في التغطية الإعلامية المشوهة التي تخفي الحقائق عمداً. فنحن أمة من 70 مليون نسمة تمثل إحدى حضارات العالم الثلاث. النفسية الفرسية يعلوها فخار واعتزاز شديد بحضارة الفرس بل وينظرون من عل إلى العرب، وإذا حللنا هذا الكلام على بساطته سنجد أنه امتداد طبيعي للتعبير الذي صكه الخميني وأرهب به الغرب عندما سمّى الإيرانيين "أمة الشهداء" وصور للغرب أن الإيرانيين متأصل في طباعهم حب الموت في سبيل قضاياهم وأن بوسعهم تنفيذ عمليات استشهادية ضد الأصول والمصالح الغربية في أنحاء العالم وهو ما جعل الغرب يتأنى كثيراً قبل أن يصدر أي قرار بشأن إيران.
الحقيقة أن إيران لديها من الإنجازات على المستوى الفردي ما يؤكد أن الصورة ليست قاتمة بالدرجة التي يرسمها الغرب. نعم لإيران طموح قومي يتمثل في فرض الطابع الشيعي ومد تاريخ الفرس على المنطقة لكنها -مثلاً- حققت أبحاثاً متفردة في مجال النانوتكنولوجي جعلتها في المرتبة الثانية عشرة على مستوى العالم، والسادسة عالمياً في أبحاث الخلايا الجذعية، والدولة الإسلامية الوحيدة التي كان باستطاعتها إطلاق قمر صناعي في مداره.
أما نسبة التعليم؛ فثمة الآن أربعة ملايين طالب جامعي وقت أن كانوا قبل الثورة 150000 تلميذ، والمشكلة الأكبر أنه لم يكن متاحاً من قبل تعلم الإلكترونيات أو الفيزياء النووية أو بعض علوم الطب واليوم تعج إيران بأعداد ضخمة من الحاصلين على الدكتوراه في علوم الذرة والطاقة النووية.
يعترف إزايلادي أن برنامجه النووي لن يضف شيئاً سوى للأغراض السلمية والاقتصادية، وأنه كم من دولة كانت لديها آلاف القنابل الذرية ولم تشفع لها في منع انهيارها.
بل من العجيب أن 67 بالمائة من عدد الدارسين في إيران إناث يعملن في الجامعات والبرلمان، بل وفي قيادة الحافلات، وفي مختلف القطاعات، وفي أدق تخصصات تصنيع الأدوية، ومع ذلك توصف إيران بأنها ضد المرأة.
الحقيقة أن كلام الرجل يمثل كالعادة نصف الحقيقة؛ ففي إيران اضطهادٌ للسنة رجالاً ونساء على حد سواء، فضلاً عن سحل المعارضة، ثم هي لا تمثل الشيعة بالمعنى الحرفي بقدر ما تمثل مصالح النخبة الحاكمة الضيقة وعلى رأسها الحرس الثوري، بدليل تخليها عن شيعة أذربيجان، وهذا مثال شهير على الانتهازية السياسية والنذالة الإيرانية في بعض الأحيان.
وهو يرى أن السبب الأوحد في غزو العراق وأفغانستان هو طمع الولايات المتحدة والغرب في مواردها ونفطها، وأن إيران بجغرافيتها السياسية وكونها الثانية عالمياً في الغاز الطبيعي والأولى في النفط فهي محل طمع من الولايات المتحدة والغرب. بل إنه يؤكد أن إيران ليست بحاجة إلى قنبلة نووية بدليل أن العدد الهائل من القنابل النووية لدى الاتحاد السوفيتي لم يمنع من تفككه، وبالمثل فإن الترسانة النووية لجنوب أفريقيا لم تمنع من تحلل النظام العنصري فيها وبالتالي فإن تركيز الغرب الضيق على هذه المسألة يكشف زيفاً هائلاً.
وتعليقاً أقول: إن العلاقات بين إيران والولايات المتحدة ليست بالسوء الذي يصوره الجانبان؛ ويمكن للقاريء غير المتعمق أن يقرأ الكثير من الاتفاقيات التي تبرم سراً بين الطرفين، ومتى يسخن الإعلام ومتى تهدأ القضية، وأوضح مثال على هذا هو فضيحة إيران جيت في عهد ريجان. ولعل كلمة البرازيل هنا تذكرني بسكوت الولايات المتحدة على صلف كوريا الشمالية مقابل إمدادها البرازيل بتكنولوجيا نووية لأن البرازيل تمد الجيش الأمريكي بقطع غيار عسكرية (حسبما قرأته في دراسة شاملة لمعهد هدسون متاحة على موقع المعهد) وهكذا فالدنيا في عالم السياسة مصالح لا أكثر!
"هذا ليس ربيعاً عربياً بل صحوة إسلامية" تلك هي كلمة إزايلادي التي كررها أمام جمع غفير من الصحافيين والإعلاميين في السفارة الإيرانية في البرازيل. لقد أرادت الولايات المتحدة الإبقاء على مبارك وفشلت، فاستمسكت بهيكله وهو كبار الجنرالات الذين دربوا في الولايات المتحدة، والوضع في مصر صعب."
بالفعل صعب كما قال؛ لكن الذي يثير استغرابي أيضاً -في هذا الحديث المهم للسفير الإيراني- هو قوله: "إن ما تفعله الولايات المتحدة ضد إيران ليس إلا استراتيجية طويلة المدى لتحجيم التنين الصيني، وأن دورها في ليبيا وسوريا ليس إلا أكبر دليل على كونها لا تريد الخير بالعالم الإسلامي والعربي، بل تريد ومن أمامها اسرائيل تفتيت هذين العالمين إلى دويلات متناحرة.
أكثر من ستة آلاف جندي قتيل، وأكثر من سبعين ألف مصاب، وأكثر من أربعة تريليونات دولار تكلفتها الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، وهي تحاول مراراً لملمة أشلائها والتغطية على فضيحتها بتعميق الأزمة في سوريا وافتعال المشكلات مع إيران."
وتعليقاً على هذا الكلام أقول: أذكر ذات مرة -أثناء ترجمتي لدراسة أصدرتها راند- أني قرأت أن بشار الأسد كان يخدع الإدارة الأمريكية كثيراً فهو يظهر بمظهر الداعم للمقاومة ويقبض الثمن من الطرفين؛ بمعنى أنه يفتح الحدود مع العراق لإدخال المجاهدين لمحاربة الأمريكان مقابل الحصول منهم على ثمن، ثم يعطي بياناتهم ووجهاتهم للولايات المتحدة مقابل ثمن آخر!!!
يستطرد إزايلادي قائلاً: "إن إيران لم يحدث قط أن غزت أي دولة أخرى، ولم تدخل في حرب هي من بدأها، كما أن اليهود أنفسهم يعيشون فيها بسلام بل وينضمون إلى البرلمان (نسبتهم تزيد عن عشرين ألف)."
أما بقية الحوار فردود على أسئلة تتعلق بمجالات التعاون مع البرازيل وبخاصة في قطاع النفط، سيما ولإيران خبرة تزيد عن 110 سنة في مجال النفط ودراساته، وأيضاً أسئلة حول العقوبات الأخيرة؛ وعلى رأسها العقوبات التي هزت إيران بفرض قيود على البنك الإيراني المركزي. لكن اللافت قوله على سبيل التأكيد والقطع أن مستقبل مصر سيكون في قربها مع إيران وأن الدولتين بالفعل ستتقاربان.
وأخيراً؛ وعن التهديدات الصهيونية بمهاجمة إيران؛ يؤكد السفير أن بلاده سترد على الفور وربما تمسح الكيان الصهيوني من الخريطة كما قال نجاد ذات مرة، ولما راجعته السائلة أكد ببلاغة(Threats have to be answered with threats.) ويا ليت مبارك كان يطمح إلى هذه الدرجة؛ بل كان يسمع شارون في أوج تحسن العلاقات بين القاهرة وتل أبيب يقول: "سأنسف السد العالي" ثم يرد بعد إلحاح المصريين وقلقهم: "لا تقلقوا فقد اعتدنا على هذا التصعيد أيام الانتخابات في اسرائيل وهم يفعلون ذلك كسبا للناخبين". لكن ماذا عنا وعن كرامتنا يا حضرة الرئيس السابق ولو حتى على طريقة: أوسعتهم سبا وأودوا بالإبل!