وتتميز العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة بطبيعة الحال بدرجة عالية من السرية والخصوصية، حتى إن أحد أفراد هذه القوات مثل سبنسر أكيرمان كتب في إحدى ملاحظاته أنه يشعر بقيود ضخمة تمنعه من الكشف عن أية حقائق يرى حتمية أن يحيط بها الرأي العام .. وعلى الرغم من أن طاقم فريق العمليات الخاصة يحصلون على رواتبهم ومكافآتهم من دافع الضرائب الأمريكي إلا أن المواطن الأمريكي يظل محرومًا من معرفة أي شيء حول طبيعة الأنشطة والعمليات ..
-------------------------
لو كانت الأمور قد سارت كما خطط لها صانع القرار الأمريكي قبل سنوات لكان من الطبيعي أن تكون هذه المرحلة هي أفضل مراحل التاريخ الأمريكي من خلال تحقيق الانتصار العسكري على أكثر من جبهة، وقتل الأشخاص الأشرار والحصول على ضمانات بأن لا يظهروا من جديد في العالم.
لكن الواقع أن هذه الآمال العريضة لم تتحقق لواشنطن؛ بل إن الحروب الأمريكية اتجهت صوب نتائج اتسمت بالضبابية إلى حد بعيد، وقد ظهر جليًا في العديد من المقالات الصحافية الهامة في كبريات الصحف الأمريكية في الفترة الأخيرة أن إدارة الرئيس باراك أوباما تسعى بقوة نحو تركيز النشاط العسكري للجيش الأمريكي على العمليات المتزايدة للقوات الخاصة.
وتتميز العمليات التي تقوم بها القوات الخاصة بطبيعة الحال بدرجة عالية من السرية والخصوصية، حتى إن أحد أفراد هذه القوات مثل سبنسر أكيرمان كتب في إحدى ملاحظاته أنه يشعر بقيود ضخمة تمنعه من الكشف عن أية حقائق يرى حتمية أن يحيط بها الرأي العام، وأشار إلى أنه سيكون على المختصين البحث عن هذه المعلومات بطرق أخرى بموجب قانون حرية المعلومات.
وعلى الرغم من أن طاقم فريق العمليات الخاصة في الجيش الأمريكي يصل قوامه إلى 66 ألف عنصر يحصلون على رواتبهم ومكافآتهم من دافع الضرائب الأمريكي إلا أن المواطن الأمريكي يظل محرومًا من معرفة أي شيء حول طبيعة الأنشطة والعمليات التي تمارسها هذه القوات الخاصة، صحيح أن هذه القوات في أحيان معينة تختار وتقرر أن تعلن عن نفسها وعملها مثلما حدث في باكستان عندما نقذت عملية تصفية زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إلا أنه في أغلب الأحيان يبقى نشاط هذه القوات الخاصة طي الكتمان والسرية.
بمرور الوقت أصبح الحديث في الأوساط السياسية والعسكرية الأمريكية عن الحروب الشاملة وحملات الغزو حديثًا غير ذي معنى مع التركيز أكثر فأكثر على طرز جديدة من الحروب تعتمد على الطائرات الآلية التي تعمل بدون طيار، لاسيما في مناطق مثل أفغانستان وباكستان والصومال واليمن، بالإضافة إلى الاعتماد على الفرق السرية من عناصر القوات الخاصة التي تنفذ عمليات قنص وتفجيرات واختطاف وعمليات اغتيال.
المطلوب من الشعب الأمريكي الآن أن يشعر بالسعادة والاطمئنان مع هذا النوع الجديد من الحروب حيث يكون هناك مقاتلون آليون وأعضاء من فرق العمليات الخاصة وبالتالي فالمستقبل يحمل – وفق هذا المنظور – معارك بلا آلام وبلا خسائر، وتسعى الحملة الانتخابية لأوباما إلى أن تصور للمواطن الأمريكي أن هذه الحروب السرية القادمة ستحقق الأهداف وتمنع الأزمات.
والآن مع دخول الولايات المتحدة العقد الثاني من عصر "الحرب الدائمة" التي خططت لها وزارة الدفاع (البنتاجون) والتي كانت تحمل قبل سنوات اسم "الحرب ضد الإرهاب" ظهرت عوامل تفسخ القدرات العسكرية للامبراطورية الأمريكية على نحو متزايد ومستفيض، فبدون تحقيق النصر ومع عدم الرغبة في الاعتراف بالهزيمة ينسحب الجيش الأمريكي من العراق ويحاول جاهدًا الفكاك من أفغانستان.
وفي أماكن أخرى لازال الغرور الأمريكي مصر على فتح جبهات جديدة للقتال فعلى سبيل المثال في باكستان، ليبيا، اليمن، والصومال، تكافح القوات الأمريكية لخلق بؤر صراع جديدة متفجرة، كما تحدثت تقارير خطيرة عن محاولة واشنطن لتأسيس قواعد لانطلاق طائرات آلية في تونس والقرن الأفريقي وشبه الجزيرة العربية لتوسيع نطاق مثل هذه العمليات.
وقد وصفت صحيفة نيويورك تايمز هذه الاستراتيجية بأنها التمهيد الصريح لبدء عهد جديد هو عهد القوات الخاصة، ومع إغلاق جبهات؛ يجري التجهيز لفتح جبهات جديدة للحروب، لتستمر قصة الحرب واستنزاف الدولة ونهش الاقتصاد الأمريكي.
في عصر وزير الدفاع الأمريكي الأسبق دونالد رامسفيلد سادت نظرية "الصدمة والترويع" كأساس للعمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الأمريكي؛ حيث اعتمد على فكرة تنفيذ ضربات سريعة خاطفة سواء في الحرب التي استهدفت أفغانستان عام 2001 أو غزو العراق عام 2003، ولكن سرعان ما ثبت أن هذه الاستراتيجية عاجزة عن تحقيق التفوق العسكري على المدى الطويل لاسيما بعد أن تصاعدت قوة حركات المقاومة المسلحة.
ففي أفغانستان، ترك رامسفيلد النصر ينزلق من قبضته بعد أن كان قد حقق في الضربة الأولى درجة من النجاح، وكذلك في العراق تسبب سوء إدارته للحملة التي شنتها الولايات المتّحدة في التعرض لخسائر فادحة أمام ضربات المقاومين العراقيين.
وفي النهاية وبحلول عام 2006 كتبت شهادة وفاة لاستراتيجية "الصدمة والترويع" حيث فقد الرئيس جورج بوش ثقته في وزير دفاعه رامسفيلد وأطاح به من مصبه لتبدأ مرحلة جديدة من مراحل تطور الاستراتيجية الأمريكية في زمن الحرب.
بعد مرحلة رامسفيلد جاءت مرحلة الجنرال ديفيد بترايوس المنتخب الأخير والمتفق عليه من قبل البيت الأبيض والبنتاجون بعد الجنرال مكرستال.
وكان بترايوس هو الوحيد الذي سيؤدي المهمة التي أسندت إليه خلال ستة أشهر قادمة ـ حسب ظنهم ـ وهي هزيمة طالبان وتهيئة الجو المناسب لإدارة حكومة كابل في أن تدافع عن نفسها من جهة ومن جهة أخرى يمكن لأمريكا أن تسحب بعض قواتها العسكرية من أفغانستان بعد سنة، وخروجها بهذه الطريقة من البلد ، سوف لا يترك أثراً سلبياً عليها أمام العالم.
وأكد الجنرال بترايوس بعد وصوله إلى أفغانستان أنه جاء إلى لتحقيق هدف واحد وهو شن الهجوم على طالبان، وهو الوحيد الذي سيحقق أهداف أمريكا في أفغانستان، ولا يتوقع الوصول إلى هذا الهدف أحد غيره.
وكانت التكتيكات والجهود التي استخدمها هذا الجنرال تشير إلى أنه لم ينجح بالأساليب الحربية الجديدة في رفع معنويات الأمريكيين وقواتهم العسكرية، فمع توليه قيادة المعركة في أفغانستان زادت حملات المقاومين على القوات الأمريكية وأوردوها الخسائر الفادحة في الأنفس والأموال ما لا نظير لها في السنوات السابقة.
وتضمن نشاط بترايوس تكتيكًا يركز على قتل المدنيين الأبرياء؛ حيث سقطت أعداد هائلة من الضحايا المدنيين في منازلهم الطينية بواسطة طائرات قاذفة خاصة في منطقة كجكي وسنجين في محافظة هلمند وبمديرية زرمت التابعة لمحافظة بكتيا وفي المناطق الأخرى.
وكان هذا التكتيك الحربي الجديد لبترايوس، هو قتل المدنيين، يظهر مواقفه الوحشية ورغبته في مواصلة انتهاك كل المعايير الإنسانية والأخلاقية بسبب عجز جنوده عن الوقوف أمام المقاومين خلال معركة المواجهة.
• مصدر المقال المُترجم