المكتب الاعلامي
عدد المساهمات : 3050 نقاط : 60723 تاريخ التسجيل : 14/10/2010 الموقع : http://www.ashairjanob.com
| موضوع: عندما يضيع العراق بين حجيج تركيا وأيران د.مثنى عبدالله صحيفة القدس العربي اللندنية الأربعاء مايو 02, 2012 6:42 pm | |
| قالوا عاد العراق الى العرب لحظة أنعقاد مؤتمر القمـة العربية في بغداد مؤخرا. فأعترض بأسـتنكاف أركـان السلطـة من أصحاب الاقنعـة العربيـة قائلين، أن العرب هـم الذين عـادوا الينـا فنحن لسـنا في حاجة لهم. ولأن الاوهام تنفخ الاوداج وتبني قصورا من الرمال، وأن عروبة العراق باتت هماً يقض مضاجعهـم بســبب طبيعـة أفكـارهم الطائفيـة الضيقـة، التي لا يمكن أن تعيش وتنمـو الا في الميـاه الضحلـة، وتجـد في العروبـة أكبر تهديد على وجودهـا، فقد ولـوا وجوههم شطر تركيـا وأيران حال أنتهاء المؤتمر، بينما كان الكثير من المراقبين السياسيين يتوقعون بأن رئاسة العراق لمؤسسة القمة ستدفعهم للتحرك السريع على الدول الشقيقة التي لم يكن تمثيلها في المؤتمر على مستوى عال، كي يتحاوروا مع قيـادات الصف الاول فيها لتفعيل قرارات القمـة، ويناقشوا القضايـا التي لم يتم التطرق أليها، وكذلك لبث روح المبادرة وحسن النية والتوجه الصادق نحو خدمة الامة، وليثبتوا أنهم فعلا أهل لذلك. لكنهم أثبتوا مرة أخرى بأن المؤتمر لم يكن في نظـــــرهم سوى لافتة تمنحهم بعض الشرعية التي يحاولون نيلها، وأن كل ما زعموا ثبت أنه تقية سياسية باتت واضحة جدا من خلال هذا التدخل الفاضح والمعلن في الشأن العراقي من قبل دول الجوار غير العربيـــة، الذي أنطلـــــق سريعا بعد مؤتمر القمـة وبحدةٍ أكبر من السـابق، وبمشاريع أستراتيجيـة تهــدف الى مصادرة كيـان وهويـة هـذا البلد، وهي توجهات لم تكن ذاتية الحركة من قبل تلك الدول على الرغم من أنها كانت تسعى اليها، بل بدفع واضح من أطراف العملية السياسية الذين هيّأوا الاجواء لذلك، والظروف الذاتيـة المشجعـة على هذا التمـادي. فالطرف المتفرد بالسلطـة والذي يسعى الى تكريس تفرده بات يخشى الآخرين الذين أبتلع أسهمهم في التحاصص، ولم يعد التهميش والتجريم والاقصاء الذي مارسه عليهم وسائل يضمن بها كرسي السلطـة الى مايشـاء، فراح مهرولا الى أيران لتطوير تحالفاتـه الاقليميـة الى ماهـو أبعد من التنسيق الامني والسياسي المرحلي. فـداء العظمـة ووهـم الدولـة الاقليميـة القويـة التي يتصور أنـه صنعها في العراق، فرضت عليه النظر الى كـل من يعارض سياساتـه على أنـه قـوة أقليميـة معاديـة لقوتـه يجب التخلص منها، وأن الطريق الوحيد لذلك هـو ربط مصيره بين أسنان الفك الايراني كي يكفل به ردع الخصوم في الداخل والخارج، متخذاً من القضية السورية عظة له والتي لازال التخوف من العامل الايراني المتداخل فيها، سببا أساسيا في أستمرار الموقف على ماهو عليه. بل انه فسر أمتناع بعض الـدول العربيـة عن المشاركـة في مؤتمر القمـة في بغداد بتمثيلٍ عـالٍ أنما هو أعتراض عليه، وأن هذا الاعتراض أصبح سلاحا بيد خصومه يقاتلونه فيه، ولابد من مواجهة ذلك بالإرتماء في الحضن الايراني أكثر من قبل. وقد فهم الجانب الايراني رغبـة المالـكي فجـاء الرد سريعا على خصوم المالكي المحليين والعرب، على لسان نائب الرئيس الايراني محمد رضا رحيمي الذي دعى الى أتحـاد البلدين للـرد على مايصفهـا مـؤامـرات دوليـة يتعرضان لها بسـبب معتقداتهم. وبمـا أن الحكومة العراقية هي صنيعة الارادة الدولية التي لازالت ترعاها وتقدم الدعم المستمر لها، فإن من السذاجة التصور بأنها تتعرض الى مؤامرة دولية، وأن التفسير الوحيد لما يصفها مؤامرات بسبب المعتقد، أنما هي أشـارة واضحـة الى العامل الطائفي الذي يعتقد بأنه يربط العـراق وأيـران، وأنهم يتعرضون بسببـه الى مؤامرات من قبل المحيط العربي المسنود بقوى دوليـة وفق تصوره. بل أن القيـادة الايرانيـة ذهبت بعيدا في دعمـها للمالـكي، من خـلال محاولـة صنـع دور دولـي لـه في حـل المشكلات بينها وبين الغرب فيما يخص ملفها النووي، عندما طلبت نقل طاولة التفاوض الى بغداد، وهي رسالـة أرادت أن تمررها الى أطراف كثيرة. أولها دول الخليج العربيـة التي لـم يكن تواجـدها بالمستوى المطلوب في مؤتمر القمة، بما يعني أن عدم حضوركم لن يؤثر على المالكي في شيء، فهو أخذ الشرعية العربية من خلال رئاسة القمة رضيتم أم لم ترضوا، ونحن قادرون على أعطائه دور أكبر للتـحرك على الصعيـد الاقليمـي والدولـي. كما أنها رسالـة الى أحزاب الاسـلام السياسـي الشيعي المؤتلفين في التحالف الوطني، بأن المالكي هو رمزكم السياسي الذي لابديل عنه حاليا، وأن دعمه وموازرته واجب عليكم. كما أنها رسالة واضحة الى خصومه في القائمة العراقية والتحالف الكردي، مفادهـا أن تحركاتكـم لنزع الثقـة عنـه لاجـدوى منها لانـه بات رقما في المعادلـة الاقليمية والدوليـة. أما الاطراف الاخـرى المشاركـة في السلطـة والتي باتت تشعر بالخـوف من التفـرد الذي أصبـح يهدد وجودهـا، فبادرت هي الاخـرى الى تطوير تعاونهـا مـع ضامنيهـا الاقليميين والدوليين الاتراك والامريكان، للانتقال الى مرحلة أعلى مستوى من التنسيق والتعاون، لإستدرار الدعم القائم على بيع المصالح. فمســـعود برزاني ولى وجهه شطر البيت الابيض، للتأكد من مدى أستمرار الدعم الامريكي لـه وفق أتفاقيـة الدعـم مقابل الارض، التي يسير عليها الطرفـان منـذ العـام 1991 وحتى الوقت الحاضر، فأشار عليه أوباما بأن تطوير التعاون مع تركيا القوة الاقليمية الاقرب له هو السبيل الوحيد لموازنة الدور الايراني الذي يستند عليه المالكي، لأن الامريكان لا يريدون الآن إثارة الجانب الايراني، بل يريـــــدون أتمام الصفقة مع أيران التي ستعطي أوباما حـــظا أوفر في رئاسة ثانية. فرحبّت تركيا بذلك وأثنت على النصيحة وهي الراغبة في لعب الادوار بالنيابة لإستدرار العطف الغربي بدخول الاتحاد الاوروبي. أما الهاشمي الذي جعل من قضيته مظلومية (مكوّن) كما يدعي، فراح يتحرك هو والنجيفي لصنع تحالف (سياسي سني ) في المحيط يدعمهم، متناسين شعاراتهم الوطنية والقومية، بينما يبحث زعيمهم أياد علاوي في ملفاته القديمة علّه يجد من حلفاء الأمس من يواسيه بعد أن خرج خالي اليدين، وهو الذي أعترف بدوره الفاعل في احتـلال العـراق، من خـلال تعاونـه مع العديد من أجهزة المخابرات لإسقاط النظام السابق. وفي خضم كل هذه التحركات التي يشهدها الواقع السياسي العراقي، لابد من التساؤل أين هو العراق الوطن والشعب والكيان والهوية والوجود والمستقبل في كل هذا الحراك ؟ وسنجد الاجابة واضحة جدا وجريئة في أن مايجري ليس له أطلاقا أية علاقة بالمصلحة الوطنية، بل هو مزاد مفتوح لبيع مصالح الشعب والوطن، الى كل من يدفع أكثر لضمان المصالح الشخصية والحزبية والطائفية، لمجاميع من السياسيين الذين يعانون أميـة الوعـي السياسي الوطني والقومي، لكنهم يتحكمون بمصائر الملايين من النـاس ويتاجـرون بمآسيهم ويثرون على حسابهم، فتركيا وأيران كل منهما يدير منظومة سياسية وأمنية وأقتصاديـة وثقافيـة وحضاريـة وعسكريـة في المنطقة، الهدف منها بعث السلطتين العثمانيـة والفارسية، وسيكون العراق أول ضحايا هذا الانبعاث بحكم الجغرافيا والواقع السياسي البائس فيه .
' باحث سياسي عراقي | |
|