اذا صحت الحكايات التي يتم تداولها في الاوساط الدبلوماسية والاطراف السياسية ببغداد عن نشاطات وفد مجلس الشيوخ الامريكي برئاسة السناتور جون ماكين خلال زيارته الاخيرة للعاصمة العراقية وحواراته المتشنجة مع كبار المسؤولين فيها، فان ذلك يعني ان الامريكان بصدد اعادة تقييمهم لرئيس الحكومة حيدر العبادي وعدم رضاهم عن أدائه خلال الشهور الاربعة الماضية.
واستنادا الى مصادر دبلوماسية عربية التقت السناتور ماكين عقب اختتام زيارته لبغداد، فان وفد مجلس الشيوخ الامريكي عاد محبطا من العاصمة العراقية بعد ان اجتمع الى عدد من المسؤولين العراقيين واطلع على الاوضاع السياسية عن كثب، خرج على اثرها بانطباعات متشائمة عززت مخاوف الكونغرس من تدهور الحالة العراقية وانحدارها الى مستويات ليس من اليسير انتشالها منها في ظل عجز حكومة العبادي في التصدي للتحديات التي تواجهها على الصعد الداخلية والاقليمية والخارجية واخفاقها في تنفيذ اجزاء مهمة من برنامجها الذي بموجبه نالت تأييد البرلمان.
وقالت تلك المصادر للـ(العباسية نيوز) ان لقاء وفد الشيوخ مع العبادي كان عاصفا حيث وجه ماكين انتقادات لاذعة للعبادي وتحدث معه بلغة غير دبلوماسية وصلت في بعض مقاطعها الى التهديد وخصوصا عندما اعترف العبادي في معرض تبرير تأخره بوضع حد لقوات الحشد الشعبي وسحبها من المناطق والمحافظات السنية انه غير قادر على اتخاذ مثل هذه القرارات في الوقت الراهن لعدة اعتبارات دينية وامنية وسياسية اوضحها للمبعوثين الامريكيين ومنها ان الحشد الشعبي انتشر على الارض قبل ان يشكل حكومته وجاء تلبية لفتوى اصدرها المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني اضافة الى ان القوات المسلحة لا زالت تعاني من آثار سقوط الموصل وتحتاج الى مزيد من الاسلحة والتدريب لمواجهة تنظيم الدولة الاسلامية.
ويعتقد السناتور ماكين الذي يرأس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الامريكي ان كثيرا من الاسلحة والمعدات العسكرية التي تبرعت بها واشنطن الى حكومة العبادي خلال الاشهر الثلاثة الماضية ذهبت الى قوات الحشد الشعبي التي تصفها الدوائر الامريكية بانها مليشيات شيعية تتبع القيادة الايرانية وتتلقى الاوامر منها.
وحسب ما تتناقله هذه المصادر من معلومات يعتقد انها تسربت اليها من اوساط امريكية، فان ماكين وهو المعروف بتشدده السياسي ونزعته الهجومية حتى مع زملائه الجمهوريين، رد على العبادي بغلظة وقال له بصريح العبارة انك تحتاج الى ارادة وحزم في تسيير شؤون حكومتك وعليك ان تغادر ضعفك والا فان الولايات المتحدة الامريكية ليست في وارد تأييدك والاستمرار في تقديم الدعم لحكومتك وانت غير قادر على اتخاذ قرارات حاسمة تضفي قوة سياسية على شخصيتك وتعزز من ثبات حكومتك.
ووفق ما ترشح للمصادر الدبلوماسية العربية عن لقاء ماكين والعبادي، فان الاخير اشتكى للوفد الامريكي من مشاكسة نوري المالكي له شخصيا ولحكومته ايضا، ومما قاله بهذا الصدد ان المالكي يحرض عليه ويسعى الى تشويه سمعته في الوسط الشيعي، وانه ـ أي العبادي ـ تحدث بهذا الشأن مع المرجعية الشيعية في النجف التي طالبته بالصبر، وتكلم مع رئيس الجمهورية فؤاد معصوم الذي أحاله الى التحالف الوطني لكي يتخذ حلا لهذه المشكلة على اساس ان التحالف هو من رشح المالكي لمنصبه الجديد كنائب لرئيس الجمهورية وهو ما استغله رئيس الحكومة السابق لادارة صراعه مع العبادي.
ونقلت مصادر نيابية سنية على صلات مع السفير الامريكي في بغداد ستيوارت جونز الذي تعرض هو الاخر الى انتقادات من السناتور ماكين لتأخره في تقييم أداء العبادي وخلو تقاريره اليومية الى وزارة الخارجية من تفاصيل ما يجري الساحة العراقية وهدده بالنقل، ان وفد الشيوخ ابلغ العبادي بان الكونغرس الامريكي سينتظر لغاية نهاية شهر آذار المقبل ويراقب أداء الحكومة الحالية في مدى نجاحها باستمالة السنة العرب وحشدهم في مواجهة دولة البغدادي، وكيف تتصرف في قضية تشكيل الحرس الوطني في المحافظات السنية حصرا، وما هي اجراءاتها بصدد تقييد حركة المليشيات الشيعية ومنعها من ممارسة انشطتها الخارجة على القانون حسب الوصف الامريكي.
اما بصدد لقاء ماكين مع وزير الخارجية ابراهيم الجعفري الذي جرى في منزل الاخير بالمنطقة الخضراء، فان المعلومات التي حصلت عليها (العباسية نيوز) من مصادر في وزارة الخارجية ببغداد، تفيد بان السناتور الامريكي وبخ الوزير العراقي لان الاخير لا يداوم في مقر وزارته ولا يتابع اعمالها ويعتمد على سكرتيره وهو احد اقارب رئيس المجلس الاعلى عمار الحكيم في تسيير شؤون الوزارة، وينقل عن السفير الامريكي جونز الذي حضر اللقاء انه احس بالحرج عندما قال ماكين للجعفري وفي منزله : انت لا تصلح لتولي وزارة الخارجية في ظل الظروف الراهنة التي يمر بها العراق الذي يحتاج الى تطبيع علاقاته العربية وانت حجر عثرة في هذا الاتجاه ، وهو ما دعا الجعفري الى الدفاع عن نفسه مؤكدا ان دواع أمنية تمنعه من الدوام في الوزارة ولكنه يمضي يوميا عدة ساعات وهو يتابع اعمالها ويوقع بريدها، وهو ايضا يشجع رئيس الحكومة العبادي في سياساته العربية وليس له شخصيا مواقف سلبية مع أي بلد عربي.
وتتهم مصادر نيابية وسياسية شيعية شخصيات سنية (في اشارة الى النجيفي وسليم الجبوري) بانها قدمت تقارير مضللة الى ماكين وحرضته على القيام بزيارة ميدانية الى بغداد ليطلع بنفسه على التخبط الذي يرافق عمل حكومة العبادي وفشلها في تنفيذ برنامجها الوزاري وعجز رئيسها في تبني ورقة سياسية كان اتحاد القوى السنية قد قدمها اليه في وقت سابق قبل تشكيل حكومته الحالية.
وينسب الى نائب رئيس الوزراء بهاء الاعرجي انه ادلى بتعليق ساخر في معرض تقييمه لزيارة ماكين الى بغداد حيث قال : ان الزيارة نجحت سنيا وفشلت شيعيا، فقد ظهر السناتور الامريكي محاميا ودافع عن السنة بشراسة ولكنه اخفق في اقناع الشيعة بوجهات نظره ، وفي المحصلة فان الزيارة (نص نص) أي انها مناصفة بين النجاح والفشل!
للمعلومات فان السناتور جون ماكين المولود في 29 آب (اغسطس) 1936 في ولاية ايرزونا عسكري سابق منذ عام 1958 خدم في الاسطول الامريكي السادس في البحر المتوسط عام 1967 واشترك في حرب فيتنام ووقع اسيرا فيها وعندما اطلق سراحه في مطلع السبعينات اتجه الى العمل السياسي وانتمى الى الحزب الجمهوري واصبح واحدا من قادته.