أخذت معركة تحرير تكريت التي أعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي البدء بها يوم الاثنين الماضي مساحة كبيرة من اهتمام العراقيين وغيرهم نظرا لأهميتها الاستراتيجية والنتائج المترتبة عليها داخليا وخارجيا.
وتبرز أهمية هذه المعركة من كونها تقع في منطقة ذات ثقل استراتيجي واقتصادي ومعنوي كبير كون مدينة تكريت هي مركز محافظة صلاح الدين وتقع بين مدينة سامراء المقدسة للشيعة جنوبا وبين مدينة بيجي شمالا التي تضم مصفى نفط بالغ الأهمية لتزويد المنطقة الوسطى والشمالية من العراق بالمنتجات النفطية التي يضطر لاستيرادها من تركيا حاليا. كما يتفق المحللون السياسيون على أن تحرير تكريت سيوجه ضربة قوية لتنظيم «الدولة» وخطوة حاسمة للتقدم نحو تحريرالموصل. إضافة إلى رمزية مكانة المدينة كونها مسقط رأس الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
وثمة مؤشرات عديدة تستحق الإهتمام في معركة تكريت منها أنها تعتمد بشكل شبه كامل على قدرات وإمكانيات القوات العراقية المدعومة بالمليشيات ومقاتلي عشائر المنطقة دون تدخل الغطاء الجوي للتحالف الدولي، وهي تعتبر أول معركة يتفق ويشارك فيها جميع العراقيين لإدراك خطورة تنظيم «الدولة» عليهم جميعا، حيث قاتل الجيش والشرطة والحشد الشعبي والميلشيات إضافة إلى آلاف من مقاتلي عشائر صلاح الدين ضد التنظيم المتطرف مع ملاحظة أن بعض عشائر تكريت رفضت القتال تحت إمرة المستشارين الإيرانيين في هذه المعركة.
فلقد أثارت المعركة قضية حساسة لدى العراقيين وهي مشاركة إيران في إدارتها بشكل مباشر من خلال تواجد قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الإيراني ومستشارين وعناصر إيرانية أخرى وتدفق الدبابات والمدفعية عبر الحدود مع إيران، إضافة إلى الميلشيات وقوات الحشد التي يأتمر بعضها على الأقل بأوامر سليماني. العراقيون ليسوا وحدهم من تحفظ على هذه المشاركة بل اشتركت فيه عدة أطراف عربية ودولية منها الولايات المتحدة التي رفضت القتال في تكريت إلى جانب الميلشيات التي كانت تهاجم القوات الأمريكية عندما كانت موجودة في العراق. وأكد وزير خارجية أمريكا جون كيري أن»لديهم معلومات أن قائد فيلق القدس الإيراني (قاسم سليماني) يدير عمليات تكريت» معبرا عن خشيته من أن تثير المعركة نزاعا طائفيا من جديد في العراق. كما أعتبر وزير الخارجية السعودي معركة تكريت مؤشرا يثير القلق عن مدى تنامي نفوذ إيران في المنطقة حيث قال «أن إيران تستولي على العراق» .
وكشفت المعركة مدى هيمنة إيران على الميلشيات إضافة إلى التوجيه المباشر من قاسم سليماني لعناصر الميلشيات والحشد في المعركة وذلك عندما ظهرت في ساحة المعركة لدى الميلشيات أنواعا مختلفة من الأسلحة الثقيلة التي زودتهم بها إيران كالدبابات والراجمات والصواريخ والمدفعية والطائرات المسيرة مما أطلق تساؤلات ومخاوف من تنامي قوة الميلشيات وتكرار نسخة حزب الله اللبناني في العراق. كما يكشف أبعاد الحرب التي تشنها بعض القوى المتنفذة والميلشيات للتقليل من قدرات الجيش العراقي على مواجهة التنظيم ومعارضة تسليح عشائر المحافظات المنكوبة باحتلال تنظيم «الدولة». ويعتقد المراقبون أن سلاح الميلشيات سيكون ورقة ضغط إيرانية دائمة ضد أي جهة تتعارض مع مصالحها في العراق وخارجه.
ومن جانب آخر فقد أبرزت المعركة أن طرفي المواجهة يمتلكان قدرة عسكرية كبيرة قادرة على الحاق الخسائر بالآخر وأن استعدادات كبيرة جهزها التنظيم لمواجهة الهجوم الجديد خاصة وان عدة هجمات سابقة لإجتياح المدينة فشلت. وقد كشفت المعلومات من أرض المعركة سقوط أعداد كبيرة من القتلى بين طرفي القتال والمدنيين، حيث امتلأت المستشفيات القريبة من منطقة القتال بجثث القتلى والجرحى، ما دعا وزارة الصحة إلى طلب متطوعين من الكادر الطبي في المحافظات للتوجه إلى ساحة المعركة وتنظيم حملات للتبرع بالدم لإسعاف الجرحى. ووردت أخبار موثوقة عن تكدس شاحنات مبردة إيرانية على الحدود العراقية الإيرانية وهي محملة بجثث القتلى الإيرانيين الذين سقطوا في المعركة مما يعطي مؤشر عن حجم المشاركة الإيرانية فيها وشراسة القتال الدائر هناك.
ورغم تأكيد العبادي في أحاديثه على المشاركين في المعركة بالإبتعاد عن أي سلوك طائفي أو إنتهاكات ضد سكان مناطق المعارك، إلا أن نوابا وشيوخ عشائر من صلاح الدين أكدوا لوسائل الإعلام وجود العديد من الممارسات والسلوكيات الطائفية لبعض عناصر الميلشيات والحشد مع أهالي المناطق المحررة من التنظيم، كما أسفرت المعارك والقصف العنيف المتبادل عن حركة نزوح جديدة من مناطق القتال وصلت إلى 120 ألف نازح.
ومع استمرار المعركة للأسبوع الثاني، يبدو أن معركة تحرير تكريت لن تكون نزهة ومعركة سهلة الحسم كما أن تواصل المعارك سيؤدي بإيران إلى زيادة أشكال تدخلها بحجة محاربة التنظيم المتطرف الذي يعلم المطلعون أنها وشريكها في سوريا وجهات أخرى هي من خلقته في سوريا ونقلته إلى العراق لتحقيق أهداف منها نسف المعارضة المسلحة وتوفير الغطاء للتواجد الإيراني في دول المنطقة.