تعتبر مهارات التحليل السياسي فن ممزوج بالعلم، كونه علم لأنه يستخدم المفردات والطرائق المنهجية العلمية في اعداد البحوث بغية الوصول الى نتائج ومخرجات ناجعة في التحليل السياسي، وكونه فن لأنه يعتمد على قابلية التصور المسؤول بتطويع الخبرات المتراكمة للقائم بالتحليل، وكونه مهارة متقدمة لأنه يبرمج الجهده الذهني في عمليات التحليل والبحث، وسبر منظومة المعلومات وتصنيفها وتطويعها بغية الوصول الى الاستنتاجات والاحتمالات الواقعية الموضوعية لشكل التفاعلات ومسارات الاحداث في الواقع السياسي والمدرجة في موضوع التحليل المنطوي على فاعلية عناصر الواقع في العالم والإقليم، وكذلك الفاعلين المحليين وسيل الأحداث المرتبطة بها، حيث يجري تصورها ليجري تفسيرها بشكل منطقي علمي، كما ويفسر نوع العلاقات بين هذه القوى السياسية الداخلية والخارجية وتأثيراتها على الواقع السياسي موضوع التحليل.
الواقع السياسي
يعد الواقع السياسي بمثابة اللوحة المعلوماتية والعملياتية الواقعية المعقدة والمتشابكة والمتعددة الاوجه والقراءات، والتي يختلف في تحديد عناصرها ومخرجاتها المحللين والباحثين والمفكرين، وتستند في فاعليتها على طبيعة التفاعلات وشكل المتغيرات المختلفة التي ترتبط في مسارات متعددة متداخلة تلتقي في جوانب وتبتعد في جوانب أخرى، ولغرض القراءة الموضوعية المستندة على قيم معلوماتية دقيقة وتحليل دقيق لابد ان يقسم الواقع السياسي إلى واقع سياسي داخلي وآخر إقليمي متاخم وكذلك واقع سياسي دولي واسع، ويعتمد القائم بالتحليل في قراءة الواقع على المفاعيل المؤثره والخاملة الرسمية منها وشبه الرسمية كالنسق الدولي والمجتمع السياسي الدولي وجماعات الضغط والشركات المتعددة الجنسيات والمنظمات الآمرة في المسرح الدولي والدول الفاعلة والمتفاعلة، وكذلك الحروب والنزاعات والأزمات والظواهر وكل ما يحتويه الواقع السياسي، ولغرض التركيز والتصنيف والتحديد يجري تقسيم بيئة الواقع السياسي الى بيئة داخلية وأخرى خارجية.
عناصر الواقع السياسي
يشخص المحلل السياسي مفردات وعناصر الواقع السياسي ويصنفها حسب تأثيرها وحجم القوة الفاعلة في سير الأحداث سواء كانت ظواهر أو أزمات أو أشخاص أو رموز أو أحزاب ومنظمات أو تنظيمات مسلحة أو قوة مسلحة حاكمة أو منظمات أممية أو حكومية فاعلة مؤثرة في مسرح التفاعل السياسي ويمكن حصر عناصر الواقع السياسي بما يلي:
1 - النطاق الجغرافي – داخلي او خارجي
2 - النظام العالمي
3 - النظام الاقليمي
4 - النظام السياسي
5 - الدول الفاعلة الكبرى
6 - الدول المؤثرة في صنع وسير الأحداث
7 - الدول المشاركة
8 - الدول الفاشلة
9 - القانون الدولي
10 - النظم السياسية
11 - المؤسسات الدولية والإقليمية
12 - البيئة السياسية الداخلية من أحزاب ومنظمات فاعلة ومؤثرة
13 - المنظمات الغير حكومية
14 - الهيئات المستقلة
15 - الجيوش والقوات المسلحة
16 - الشركات الأمنية الخاصة
17 - التنظيمات المسلحة والمليشيات (القوى الغير متناظرة)
18 - جماعات الضغط
19 - جماعات المصالح
20 - الشركات المتعددة الجنسيات
21 - المافيات وعصابات الجريمة المنظمة
22 - العقائد والأفكار (حرب الأفكار)
23 - الاقتصاد
24 – الإعلام
25 - الدفاع والأمن
26 - الكوارث
27 – الأزمات
28 – الظواهر
29 - الأحداث السيالة الفجائية
30 - الأحداث النمطية التقليدية
31 - المال السياسي
32 - التمدد والنفوذ
33 - الاستعمار والهيمنة
34 - الرأي العام
35 – السكان
36 - التنوع الديموغرافي
37 - التحول الديموغرافي
38 - الحروب الديموغرافية
مفهوم البيئة السياسية
تعرف البيئة بأنها مجموعة العوامل أو المتغيرات والمؤثرات الداخلية والخارجية (سواء يمكن قياسها أم لا) والتى تقع داخل حدود الدولة الواحدة (أي البيئة الداخلية) أو( خارج الدولة أي البيئة الخارجية) والمؤثرة (أو التى يحتمل أن تؤثر) على فعالية وكفاءة الاستراتيجية للدولة في الداخل والخارج، والتى تم إدراكها بواسطة البحث والتحليل الدؤوب وصناع القرار.
تحت هذا العنوان يمكن التعرض للأدوات الضرورية للفهم والتحليل السياسي، وتتركز هذه الأدوات في إدراك البيئة السياسية ببعديها الداخلي والخارجي وما يتحكم فيها من مفاهيم وآليات تصيغ الأحداث وتُنشأ القرارات بكافة أنواعها لاسيما السياسية منها، ومعرفة البيئة المحيطة تتحكم فيه عدة مدارس معرفية ومنهجيات فكرية، لكن أقربها هي تلك "المدرسة الواقعية المعاصرة " التي تمزج البعد الجغرافي بأبعاده المسيطرة والمتحكمة الدولية والإقليمية والداخلية والتي تعد عوامل آمرة في آليات التحليل وصنع القرار، ووفقا لهذه المدرسة يمكن النظر للبيئة الاستراتيجية من ثلاث ابعاد اساسية:-
أولاً: - البيئة الداخلية (نطاق الدولة الجغرافي)
البيئة الداخلية يمكن رؤيتها من خلال عدة عوامل ثابتة ومتغيرة تتفاعل وتتجاذب لتشكل فيما بينها الصورة العامة والإطار السياسي والفكري للدولة والتي تبنى عليها الاطر الاستراتيجية والمتحكمة بالسياسة الدولية وهي:
1 - العقيدة والمذهب السياسي
2 - الاستراتيجية العليا الشاملة
3 - المصلحة الوطنية العليا
4 - شكل الدولة والنظام السياسي
5 - القدرة الأمنية والعسكرية
6 - التنوع الفكري والديني
7 - البيئة الديموغرافية
8 - التهديدات الخارجية
9 - التحديات الداخلية
10 - الظواهر الوافدة
ثانياً: عوامل البيئة الخارجية - الإقليمية (الجوار الجغرافي للدولة)
1 - الحدود السياسية
2 - المياه الإقليمية
3 - التسلح الإقليمي والانتشار النووي
4 - النزاعات المسلحة
5 - التهديد الأمني
6 - الاختراق الديموغرافي
7 - الظواهر السياسية المضطربة
8 - التدفق التجاري والتنمية الاقتصادية
9 - التحالفات الإقليمية
10 - العلاقات السياسية
ثالثاً: عوامل البيئة الخارجية - الدولية
1 - العامل الجغرافي
2 - الموارد الأولية
3 - التنوع الديموغرافي
4 - العامل العسكري
5 - العامل الاقتصادي
6 - التحالفات الدولية
7 - النسق الدولي
8 - المعاهدات والقوانين الدولية
9 - النزاعات والحروب والجريمة المنظمة
يعد التحليل السياسي المنهجي بمثابة الطريقة المثلى التي نحكم بها على الظواهر والأحداث والأزمات السياسية محلياً وإقليمياً وعالمياً، ولذلك يحتاج المحلل السياسي الناجح إلى فهم الواقع السياسي الدولي والإقليمي وعلاقة هذا الواقع بالسياسة الدولية والنسق الدولي والإقليمي حتى يتمكن من معرفة تأثيراته المحتملة على الواقع السياسي الداخلي، وعلى سبيل المثال لا يمكن أن تطبق قواعد الأحكام في التحليل على تجارب سابقة في بيئة مختلفة عن موضوع البحث، ويمكن أن نطرح مثال أن التوازن الديموغرافي في الولايات المتحدة الأميركية يختلف عن التركيبة الديموغرافية في روسيا، وكذلك تختلف الثقافات وتعددها في أوربا عن دول جنوب شرق آسيا، وأيضا تختلف عناصر التأثير في لبنان عن عناصر التهديد في العراق رغم تشابه أدواتها، ولهذا فإن التحليل السياسي هو رياضه فكرية ومهارة متقدمة متسقة بمتابعة مفردات الخارطة السياسية ويعد تحليل الواقع السياسي من أوسع مفردات التحليل لكونه متسع بعناصره، ولكن يمكن تقسيمه إلى اتجاهات ومحاور يجري متابعتها وتحليلها وفرز معطياتها بشكل انسيابي يؤمن قاعدة معلومات ترتقي للواقعية البحثية.
مقتطفات من كتاب (مهارات التحليل السياسي) – الدكتور مهند العزاوي