المكتب الاعلامي
عدد المساهمات : 3050 نقاط : 60723 تاريخ التسجيل : 14/10/2010 الموقع : http://www.ashairjanob.com
| موضوع: توريث الحكم في اقليم كردستان بين السلالتين! هيفاء زنكنة الثلاثاء أبريل 28, 2015 5:50 pm | |
| في رسالة إلى رئاسة البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية، دعا مسعود بارزاني، رئيس أقليم كردستان العراق، إلى الوقوف بوجه مثيري الفتنة والداعين إلى تقسيم الإقليم. وهي دعوة تحمل العديد من المفارقات المؤلمة فيما يخص العراق ككل والأقليم، كونه جزءا من العراق، بشكل خاص. لم تأت الرسالة، وفحواها مليء بالتحذير والتهديد والوعيد، من فراغ بل انها وليدة تراكمات قديمة ـ جديدة لصراع حزبين كرديين هما الديمقرطي الكردستاني بقيادة البارزاني والاتحاد الوطني بقيادة جلال الطالباني. كان الصراع قد وصل ذروته في التسعينيات حين تقاتل بيشمركة الحزبين، من أجل السيطرة على موارد التمويل والنفوذ، مما أدى إلى مقتل آلاف المواطنين، وكادت مدينة أربيل، عاصمة الأقليم، حاليا، والمعروف انها ضمن سيطرة حزب البارزاني، ان تسقط بيد الاتحاد الوطني لولا لجوء مسعود البارزاني إلى صدام حسين، رئيس النظام السابق، مستنجدا وطالبا المساعدة ضد غريمه الطالباني. وهو ما تم فعلا في 31 آب/ أغسطس 1996 حيث إحتل الحرس الجمهوري أربيل خلال ساعات، وفر الآلاف مما يسمى بالمعارضة العراقية الممولة أمريكيا، وتمت تصفية المئات منهم ومن أنصار الطالباني قبل إنسحاب الجيش العراقي وتسليم المدينة إلى البارزاني. وكان للوصاية الأمريكية ـ البريطانية، دورها في إجبار الحزبين على التوصل إلى نوع من المصالحة السياسية العامة في إتفاق واشنطن في أيلول 1998 وخلق محمية آمنة وان بقي الأقليم مقسما، إلى حد ما، من ناحية توزيع النفوذ والمناصب والعقود، بين الحزبين. وبقي للفساد يد طولى وكأن الأقليم ملك صرف للسلالتين، ساعدهما في ذلك الهيمنة التدريجية على اجهزة الأعلام وحملات التخويف والترويع من «الآخر» القادم من خارج «حدود الأقليم». واذا كان النظام العراقي، الحالي، منخورا من الداخل بالطائفية والفساد مما وفر الفرصة السياسية الذهبية للقوميين الكرد بشتى تياراتهم، للاقتراب من تحقيق طموحهم بالانفصال، فإن الفساد مقيم في الأقليم مغذيا طبقة من اقطاعيات فاسدة تتحكم بالعقود والمناصب عبر الانتماء إلى سلالات عائلية تترأسها سلالتا البارزاني والطالباني، على مدى عقود. هذا الفساد المتبدي بمظاهر عديدة ظاهرها وأبرزها عقود النفط وتهريبه، مع غياب الأنتاج الأقتصادي، واحتلال افراد عائلتي البارزاني والطالباني واقاربهما الوزارات والمناصب الرئيسية بحكومة الأقليم، لم يعد خافيا على الناس، اذ بدأت، في السنوات الأخيرة، همسات التذمر ترتفع لتتحول إلى صرخات احتجاج وتظاهرات. كان أهم مؤشرات ذلك حصول حزب التغيير المعارض، حديث التأسيس، على 25٪ من أصوات الناخبين في الأنتخابات الأخيرة في خريف 2013، متفوقا على كل من كتلة الطالباني والتيارات الإسلامية الثلاثة (حوالي 18 ٪ لكل منهما) وبالتالي توفر الجبهة المعطلة لأي من الحزبين على حدة وبالتالي يفرض عليهما التوافق ضد المعارضة الفاعلة الجديدة. وكان تحول تيار التغيير إلى حركة مؤثرة شعبيا في المحافظات الثلاث وخارجها، وإستقرار أصوات التيارات الإسلامية الثلاثة مقابل تراجع الشيوعيين والإشتراكيين، قد فاجأ الحزبين، لكنه لم يدفعهما إلى اجراء تغيير سياسي واقتصادي حقيقي أو تحقيق تقارب جدي فيما بينهما لمواجهة هذا التطور الشعبي، مما يشير إلى تجذر الصراع بين الحزبين، وهو التجذر الذي غذاه الإرتباط التاريخي الإقليمي لجماعة الطالباني بإيران والبارزاني بتركيا. وإلى جانب ذلك استشراء الفساد الذي يتمحور على هيمنة «السلالة» في كل معسكر والمشاركات التجارية الخارجية والداخلية من جهة أخرى. وبقيت العملة السائدة سياسيا، خاصة من قبل البارزاني ومع تهميش الطالباني بسبب المرض، هي التهديد بالانفصال أو الإستقلال (إذ يعتمد استخدام هذا المصطلح أو ذاك على الجهة التي تنتمي اليها) ومحاولة الاستحواذ على اقصى ما يمكن الحصول عليه من « المناطق المتنازع عليها». واذا كان هذا هو المطلوب من قبل الكرد عموما، فما هو سبب رسالة البارزاني التي حملت تعابير تذكرنا بخطب وتهديدات القذافي (وهو واحد من نماذج عدة)، على غرار: أعداء الوطن والشعب الكردستاني، ظهور طرق دنيئة، الوقوف بوجه شعب كردستان، إثارة الفتن وإحياء التفرقة وتقسيم الإقليم، المحاولات ماهي إلا خيانة للشعب والوطن، وتنفيذا للأجندات والسياسات التي ينتهجها اعداء كردستان؟ السبب هو انتهاء الفترة الثانية لرئاسة مسعود البارزاني للإقليم، مما يعني انتخاب رئيس جديد اذا ما كان نظام الحكم في الاقليم ديمقراطيا يطبق الدستور، الذي حدد فترتين لرئاسة الإقليم لا يجوز تمديدها. إلا ان هذا لا يتماشى مع رغبة حزب البارزاني الذي يريد منح رئيسه فترة ثالثة عبر تغيير الدستور. أي ان يتم تفصيل الدستور وفق رغبات حزب حاكم أو رئيس متنفذ وكما يحدث في العديد من الدول العربية لتوريث الزعامة لأبناء الحاكم وعائلته وان كان النظام جمهوريا. مع التذكير بإختلاف جوهري، يبدو مغيبا في رسالة البارزاني وخطبه، وهو ان أقليم كردستان لم يصبح دولة أو جمهورية بعد بل لايزال جزءا من العراق. الأدهى من ذلك، هو توجيه «السيد الرئيس» اتهاماته بالخيانة والعمالة إلى أجهزة الأعلام والصحافة التي تجرأت على مناقشة صحة تمديد فترة الرئاسة للفترة الثالثة ومخالفتها للدستور، وحاولت ضمن النقاش الدائر طرح حلول بديلة، من بينها العودة إلى اسلوب الحكم بأدارتين أحداهما في أربيل والثانية في السليمانية. مما يبرز إلى السطح النزاع القديم حول تقسيم السلطة بين الحزبين والذي لم يتمكنا من ايجاد حلول جذرية له، خاصة بعد فشلهما باقناع الناس بان سبب المصائب والفقر والتمايز الطبقي هو وجود العدو الخارجي وكل من يجرؤ على الاحتجاج او الدعوة إلى التغيير معرض للاتهام بالعمالة وتهديد « الأمن القومي والوطني». لقد أثبت مسار حكم الحزبين الكرديين، منذ التسعينيات، وحتى اليوم، فشلهما في الخروج من حلقة الصراع على النفوذ والمصالح الحزبية والشخصية ناهيك عن تحقيق وعود الديمقراطية وحرية التعبير عن الرأي، على الرغم من تمتعهما بالحماية الامريكية ـ البريطانية، ونظام الفيدرالية، ووجود حكومة محلية ذات برلمان ودستور، ونسبة في الميزانية العامة لم تتح لسكان المنطقة من قبل، بالاضافة إلى عائدات عقود النفط والتهريب. لقد نجحت رئاسة الأقليم، حتى الآن، في استثمار عامل التخويف من «الآخر»، لاستقطاب سكوت المواطنين على واقعهم، الا ان الدلائل تشير إلى ان الرئاسة المتمثلة بمحاصصة الاقارب، ستكون بحاجة إلى ما هو أكثر من ذلك لتجاوز الصراع الداخلي المتجدد. | |
|