المكتب الاعلامي
عدد المساهمات : 3050 نقاط : 60683 تاريخ التسجيل : 14/10/2010 الموقع : http://www.ashairjanob.com
| موضوع: جينات العنف لدينا وجينات السلام لديهم! /هيفاء زنكنة الثلاثاء أغسطس 02, 2011 5:58 am | |
| جينات العنف لدينا وجينات السلام لديهم! هيفاء زنكنة
القدس العربي
2011-07-15
|
حدثني صديق، طالما كتب عن كارثة الاحتلال الامريكي للعراق، قائلا انه يشعر بالاحباط لأن الشعب العراقي لم يسلك كالشعبين التونسي والمصري طريق المقاومة السلمية، وان روح الربيع العربي، كما تبدو له، من التظاهرات التي لايتجاوز المشاركون فيها المئات في بغداد، مخيبة للآمال. واختتم حديثه بحسرة قائلا، بانه اذا كان الشعب، المبتلى بوضع قلما يشهد له العالم مثيلا لا يخرج الى الشوارع الآن مطالبا بتغيير النظام، فمتى سيفعل؟ في جوابي، لست بحاجة الى القول باننا نواجه اقوى قوة عسكرية في العالم تضخها بالسيناريوهات المتكيفة مع كل متغير جديد مراكز بحوث ودراسات وجيش من الاكاديميين العاملين بخدمتها، فالصديق متابع جيد ويعرف ذلك. ولست بحاجة الى التحدث عن وحشية المحتل فابو غريب والفلوجة والنجف وتلعفر وحديثة، وكل المدن التي حوصرت وقصفت، شواهد حية في ذاكرتنا. ولست بحاجة الى التوضيح عن استخدام المستعمر الجديد للمنظمات الدولية كقناع واق للجرائم وكمبرر للتدخل 'الانساني' وغيره من الذرائع، فالصديق يعرف ذلك. مع ذلك، سأكرر بعض جوانب المحاججة لأنني أعرف ان تسارع الاحداث قد ينسي اقوانا ذاكرة احداثا ذات مؤشرات مهمة، كما يمسح أحداثا اخرى ويؤدي بنا فيضان المعلومات، عبر اجهزة الاعلام المختلفة وشبكة الانترنت، الى الفشل في غربلة المعلومات وربطها ببعضها البعض. علينا التأكيد اولا على حقيقة ثابتة وهي اننا نعيش وضعا مختلفا عن بقية الدول العربية لذلك لن يتكرر ربيع تونس ومصر فيه، كما لم يتكرر في ليبيا واليمن والبحرين، لخصوصية وضع كل بلد طبقيا واقتصاديا وسياسيا وان توحد الهم العام والرغبة بالتخلص من انظمة استبدادية همها الاول والاخير اهانة المواطن وقتل روح الحرية في داخله. فالعراق 'الجديد' يكاد يختنق، اليوم، في تابوت من الفولاذ مزدوج الجدران. الأول هو تابوت الاحتلال النيو كولونيالي المتمثل بالقوة العسكرية بالاضافة الى تكيفاتها المجتمعية من مشاريع عسكرية/ مدنية ومنظمات دولية ومنظمات مجتمع مدني تتغدى على ميزانيات وزارة الخارجية والدفاع وما يتفرع عنهما أمريكيا. الثاني هو تابوت 'الحكومة' العراقية الجاثم على انفاس ابناء الشعب بالنيابة عن المستعمر، والطبقة السياسية التي نمت وتنموعبر إذكاء الأحقاد الأجتماعية الطائفية والعرقية، وتصفية الكوادر والمهارات التقنية، وتغذية الأطماع الشخصية. فاذا كانت شعوب المنطقة تعاني من حكام مستبدين يستقوون بالاجنبي ويرطنون بالديمقراطية لارضائه ظاهريا بينما يستخدمون كل ادوات القهر والقمع المتوفرة لديهم بلا مساءلة او محاسبة، نجد ان الشعب العراقي يخضع منذ الغزو في عام 2003 تحت سلطة المحتل العسكري بطبيعته الوحشية وبـ ' حكومة' تخدمه حماية لمصالح بقائهما المشتركة. ماذا عن المقاومة السلمية التي يقال بانها لم تزدهر في العراق كما في مصر وتونس؟ هل السبب، كما يتم تدريسنا الآن، في مدارس ' النيو ليبرالية' الغربية، هو نزعة العنف التاريخية في الشخصية العراقية، المتوارثة أبا عن جد، الى حد تحولها الى جينات تسري في عروقنا وتقودنا الى الاقتتال الدائم؟ وهل صحيح ان دماءنا ستتنقى من جينات العنف هذه اذا ما قبلنا بالأمر الواقع (حكم المحتل ومستخدميه) وواظبنا على حضور اجتماعات الجمعيات والمنظمات (المؤسسة من قبل منظومة الاحتلال ولكن المتعامية عن وجوده)، لنتعلم منه ومنها 'ثقافة التسامح والسلام'، على غرار ما يجري في فلسطين المحتلة؟ ان القاء نظرة سريعة على مجريات الامور في عراق ما بعد الغزو يبين لنا ان العنف والقتال المستشري بين 'ابناء الشعب انفسهم' تضليل قد تم تصنيعه من قبل المحتل ومستخدميه وبات العلامة الفارقة للمحاصصة والنزاعات الطائفية والعرقية لحكومات الاحتلال المتعاقبة. أما فيما يخص انعدام المقاومة السلمية فلنذكر: قد يبدو للبعض ان التظاهرات والاعتصامات في ساحة التحرير ببغداد بالاضافة الى بقية المدن (بضمنها السليمانية وأربيل) منذ 25 شباط /فبراير، بدأت تأثرا بنجاح الثورتين التونسية والمصرية، على أهمية هذين الثورتين، الا ان الحقيقة هي ان أول تظاهرة واعتصام سلمي شعبي عراقي، كان في مدينة الفلوجة، يوم 28 نيسان/ ابريل 2003، اي بعد عشرين يوما فقط من الغزو العسكري. اذ ظن اولياء امور التلاميذ في مدرسة ابتدائية هناك ان التظاهر السلمي، سيقنع قوات الاحتلال الامريكية بمغادرة المدرسة التي حولوها الى مقر عسكري، ليعود الاطفال لمواصلة التعليم. غير ان رد القوات على التظاهرة السلمية (حسب العديد من شهود العيان من الصحافيين الاجانب) كان متماشيا تماما مع طبيعة العنف الذي يشكل جوهر الاحتلال، فاطلقوا النار على المتظاهرين ليستشهد 17 مواطنا من بينهم اطفال. وعاد الأهالي بعد يومين للتظاهر، سلميا أيضا، للمطالبة بمعاقبة المجرمين، فتم اطلاق النار عليهم، ثانية، في مذبحة جديدة شاركت فيها قوات الاحتلال بالاضافة الى القصف بواسطة مروحية قتالية، بشهادة كريس هيوز، مراسل صحيفة 'الديلي ميرور' البريطانية والذي ركض مع المتظاهرين ومعه مصور الجريدة بحثا عن ملجأ يقيه رشاش القتل من قبل 'حاملو جينات السلام'. وكما هو معروف، قاد رد فعل الهمجي على التظاهرة السلمية مع الزمن الى تهديم 70 بالمئة من مدينة الفلوجة وقتل المئات من سكانها، وحسب منظمة ' احصاء الجسد العراقي' التوثيقية، كان نصف القتلى تقريبا من النساء والاطفال. على الرغم من ذلك، واصل ابناء الشعب العراقي (ذوي العنف التاريخي)، خروجهم الى الشوارع تظاهرا واعتصاما سلميا. ولعبت المرأة دورا متميزا في الاعتصامات المطالبة باطلاق سراح المعتقلين أو المعلومات عن اماكن تواجدهم او كونهم احياء او امواتا، امام المعتقلات ووزارة حقوق الانسان وغيرها من المؤسسات، لتواجه قسوة المحتل ومستخدميه ومطالبتها بدفع الرشوة المادية وتعريضها للمضايقات الجنسية. ولدينا قوائم بمئات التظاهرات والاعتصامات السلمية التي جوبهت بالعنف الدالة ان العراقيين ادركوا، منذ ايام الاحتلال الاولى، أهمية العمل بكافة مستويات المقاومة السلمية والثقافية والسياسية فضلا عن المسلحة وهي حق قانوني وواجب اخلاقي. وتدل استمرارية التظاهرات في ساحة التحرير والبيانات التي تصدرها مجموعات من المتظاهرين بانها ستبقى، مهما حاولت حكومة الطوائف، المستقوية بقوات المنطقة الخضراء، قمعها. وممارسات القمع من قبل حكومة الاحتلال ومستشاريها (من الامريكيين المسالمين) هائلة. حيث منع التجول، نقاط التفتيش، مصفحات قوات الامن والقوات الخاصة التابعة لمكتب جواد المالكي نفسه، القوات الامريكية وغطاؤها الجوي، اصدار الفتاوى (بالنيابة) عن المرجعية بحجة المحافظة على حياة المتظاهرين، منع وصول المتظاهرين الى بغداد من باقي المدن، شرعنة اعتقال المتظاهرين حسب المادة 4 ارهاب مادام المالكي قد صنفهم باعتبارهم من مجموعة ' باق' أي ' بعثي، ارهابي، قاعدة'، اعتقال المتظاهرين وتعذيبهم واهانتهم لترويعهم وارهاب الآخرين. وللاطلاع على اسلوب نشر حكومة المالكي لثقافة ' التسامح وحقوق الانسان' بين ابناء الشعب العراقي ' العنيف'، انصح بقراءة تقرير منظمة ' هيومان رايتس ووتش'، الصادر بتاريخ 30 حزيران/ يونيو. يبين التقرير كيفية هجوم ' عصابات موالية للحكومة على متظاهرين سلميين في بغداد يوم 10 يونيو/حزيران 2011. وقال شهود إنها كانت جماعات مشكلة بالأساس من شبان، مسلحين بالعصي الخشبية والسكاكين والمواسير الحديدية وأسلحة أخرى، قاموا بضرب وطعن المتظاهرين وتحرشوا جنسياً بالمتظاهرات... كما اعتدى المهاجمون على ثماني متظاهرات على الأقل، بالضرب والإمساك بأجسادهن في محاولة لخلع ثيابهن، مع سبهن بأنهن 'عاهرات' واستخدام ألفاظ جنسية أخرى جارحة'. وكان مصدران رفيعا المستوى بوزارة الدفاع، أحدهما ضابط رفيع الرتبة، قد اخبرا المنظمة، كل على حدة: 'بوجود قرار وزاري بانزال أكثر من 150 رجل أمن في ثياب مدنية، في ساحة التحرير لاختراق تظاهرات 10 حزيران/يونيو'. وقال جو ستورك، المتحدث باسم المنظمة : 'على حكومة المالكي الالتزام بحماية الأشخاص الذين يمارسون سلمياً حقهم في حرية التعبير وحرية التجمع... كما ينبغي على الولايات المتحدة وغيرها من الحكومات التي تزعم مساندة الإصلاحات الديمقراطية والمحاسبة، الضغط على الحكومة العراقية كي تكف عن هذه الاعتداءات التي لا يمكن تبريرها'. وما تجدر الاشارة اليه هو ان هذه المنظمة هي ذاتها التي وجهت نداء الى الرئيس الامريكي اوباما مطالبة اياه باجراء تحقيق مع الرئيس السابق بوش فيما يخص جرائم التعذيب في العراق وافغانستان والتي مورست تحت ادارته. ويشير الناشطون الأمريكيون الى البديهية الواضحة بأن لا مصداقية لمطالبة بلدان العالم الأخرى بالتزام بحقوق الإنسان الا بالتزام أمريكا بها وتنقية أجواء الأنتهاكات المتوالية. واثارة هذه المسألة من قبل منظمة حقوقية دولية، خطوة مهمة بحد ذاتها. وهي ذات الخطوة التي يجب اخضاع مسؤولي حكومات الاحتلال العراقية المتعاقبة، ايا كانت جنسياتهم، اليها. وان يتم تقديمهم الى العدالة لمحاكمتهم، على جرائم لا تعد ولا تحصى، مست حياة المواطنين جميعا. يومها، ستسقط اقنعة الطائفية والتمزيق الديني والتقسيم العرقي التي ارتدوها لتسويق مصالحهم المتشابكة مع القوات الغازية التي استباحت الوطن، ليستعيد الشعب العراقي امتلاك شوارعه وساحاته ومدنه وثرواته. حينئذ، قد نقوم بدعم جمعيات ومنظمات مجتمع مدني تقوم بعقد ندوات وورشات تدريب حول نشر ثقافة اللاعنف والسلام الحقيقي في ألولايات المتحدة الامريكية نفسها، حيث اثبتت عقود محاربتها للديمقراطية الوليدة (غير المستنسخة عن ديمقراطيتها) في جميع انحاء العالم، بان الادارة الامريكية والشعب الامريكي هما اللذن بأمس الحاجة الى تنقية جيناتهم من العنف.
' كاتبة من العراق
|
| |
|