الثقافة و النظام الديمقراطي.. الحل و الخلاص
هنا
لا نتحدث عن ديمقراطية العنف والعسكرة التي جاء بها الاميركيون الى العراق
، على الرغم من ان الديمقراطية كنظام ومفهوم وثقافة مجتمعية تعتبر مطبقة
بشكل صحيح في الولايات المتحدة الامريكية مقارنتاً بدول الشرق والعالم
العربي إلا ان غيابها من السياسة والسلوك الخارجي للإدارات الامريكية واضح
ونموذج العراق لا يزال حاضر وبقوة ، لكن حينما نتحدث عن الديمقراطية نقصد
المفهوم الكامل لها كنظام وثقافة ، أي بمعنى اخر مالم يطبق في مجتمعنا
ونفتقده ، فغياب الدولة المؤسساتية ودور المجتمع في صناعة القرار والتضييق
على الحريات وتقييد الاعلام والصحافة وتسيسها وعدم احترام الانسان
والالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بحقوق الانسان، وضعف
المواطنة وتغليب الدين والعرق والطائفة عليها، ناهيك عن ملامح غياب او عدم
قيام الدولة المؤسساتية المدنية والذي يعد ماذكرناه جزئاً منها أضف على
ذلك ظاهرة الفساد المالي والاداري للمسؤولين وغياب مبدأ العدالة
الاجتماعية وعدم استقلالية القضاء والجيش والشرطة والاجهزة الامنية وفقدان
الامن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بغياب التنمية السياسية
والاقتصادية والاجتماعية وضعف دور منظمات المجتمع المدني وفرض القيود
عليها وتفشي ظاهرة الفقر والبطالة والدعارة وتعاطي المخدرات وحبوب الهلوسة
وانتشار الجريمة على نطاق واسع وغياب او ضعف القانون لمكافحتها والحد منها
في المجتمع وتغليب المصالح الشخصية والحزبية والعرقية والطائفية على
المصلحة العليا للوطن ، لذا فأن هذه الامور وغيرها تمثل الملامح العامة
والاساسية لغياب مفهوم الديمقراطية وبالتالي غياب او عدم قيام الدولة
المؤسساتية المدنية في ظل عدم وجود المقومات والركائز لها .
كما
ان غياب الدولة بمفهومها الذي ذكرناه يحملنا بالقول ان غياب الديمقراطية
كمفهوم وثقافة ونظام أدى لحدوث الكوارث والمآسي التي نعيشها في العراق
واوصلتنا الى المأزق الذي نمر به ومعظم دول المنطقة وتحديداً الانظمة
الجمهورية منها وذلك من خلال التقليل من حجم الاشكالات والتحديات السياسية
والاقتصادية والمجتمعية التي نعاني منها وعدم التعامل معها بالشكل الصحيح
الامر الذي ادى مع مرور الزمن بتفاقمها وتكوينها لمواطن الخلل وتشكيلها
لمفاصل الازمة التي ادت بتراكماتها الى الانفجار بالشكل الذي مررنا ونمر
به اليوم من ثورات وانتفاضات شعبية نجحت غالبيتها بأحداث تغييرات جذرية
لبعض الانظمة الحاكمة .
وبما
ان التجربة القومية في العراق على مدى عقود من الزمن أثبتت فشلها الى حداً
ما ببناء دولة مؤسسات مدنية ونظام مستقر وايضا فشل التجربة الدينية من
خلال الاسلام السياسي فشلاً ذريع وأكدت هذه التجربة بما لا يقبل الشك
اطلاقاً على عدم قدرة الاسلام السياسي بشتى مسمياته على بناء او إدارة
دولة بشكل صحيح ودون اخفاقات كارثية قد تؤدي لخطر الاقتتال والحرب الاهلية
مروراً بكارثة التجزئة والانفصال وتقسيم البلاد دينياً وطائفياً .
اذن
فمن المؤكد ان حاجتنا الملحة والنابعة من واقع الحال الذي نمر به على
مختلف الصعد والمستويات وبعد فشل التجربتين سالفة الذكر فأن تطلعاتنا
للمستقبل تتجه في ظل الظروف الحرجة والمأزق الذي يمر به العراق ودول
المنطقة نحو ضرورة بناء دولة مؤسسات مدنية رصينة والعودة الحقيقية لمفهوم
المواطنة وتذليل كافة المسميات والمفاهيم الطائفية والعرقية الضيقة
ومغادرتها الى الابد بتعميق روابط الانتماء والولاء للوطن وتفعيل دور
المجتمع المدني في صناعة القرار وتوفير مقومات البناء الرصين للدولة
المدنية الفاعلة التي تحترم الانسان وتقدس المواطن وتضمن حقوقه كاملة دون
تفريقاً او تمييز ونشر الثقافة الديمقراطية واحترام الاخر بغض النضر عن
الاختلاف والخلاف الفكري والسياسي وتنوع الخلفيات الدينية والعرقية دون
المساس بالاديان والقوميات مع الاخذ بعين الاعتبار ضرورة الفصل التام
لثقافة الفكر الديني والقومي المتعصبين عن السلطة والحكم والاستفادة من
الامور الايجابية من الثقافة القومية والدينية في التشريعات المدنية
للدولة ومساهمة التيارات المعتدلة منهم والتي تستند على قواعد جماهيرية
شعبية في إدارة الدولة المؤسساتية المدنية والمشاركة في تنمية المجتمع
وبناءه بالشكل الصحيح بما لا يتقاطع مع المفهوم والثقافة الديمقراطية
وبناء الدولة المدنية المتحضرة .
محمد الياسين