بأي ذريعةٍ تستكثرون على الأطباء العمل السياسي وتبيحوه لغيرهم
د. عمر الكبيسي
رد على مقال اطباء تورطوا في وحل السياسية
كي يفي هذا الرد بشكل واضح على فرضية ان يبتعد الأطباء عن السياسة وفقا لمقال الاخ محمد الدليمي المنشور في القدس العربي وبمواقع عديدة أود ان أضمن ردي عليه بالملاحضات التالية :
أولاً : مقولة ان الطب مهنة انسانية هي حقيقة لكنها مؤطرة غير مطلقة إذ ينبغي ان تكون سمة مهنة الطب في تطابق متكامل مع إخلاقيات المهنة ونصوص قسم ابقراط المهني بكل ماتضمن من إخلاقيات او النصوص المستوحاة منه التي يرددها خريجي كليات الطب لمزاولة المهنة وأكد جالينوس على اهمية التمسك بها وإلا تحولت مهنة الطب الى وسيلة عيش حالها حال اي مهنة عيش أخرى بل ربما ادت مزاولتها متجردة عن إخلاقياتها الى كوارث بدلا من ان تكون مهنة عناية ورعاية وعطاء . واقعا تتواجد من بين الاطباء نسبة ليست ضئيلة تورطت واساءت لمهنة الطب بل تورط الطب باحتواء هذه النسبة الممتهنة ولهذا يبقى الانسان رهينة لمغريات النفس سواء ابدع في مهنته او اساء ، الابداع في القدرة الذهنية لا يعني دائما انه إبداع انسانياَ او مفيداَ وعندما جاءت مجموعة من الأطباء من خلال تنظيمات سياسية شاركت بالعدوان على العراق واحتلاله ودماره وما زالت مشاركة بهذا الفعل فانها ضمن اخلاقيات قسم ابقراط تكون خرجت عن إخلاقيات الطب وتورطت لكن عندما يدرك أطباء اخرون ان خطر الإبادة التي يتعرض لها العراقيون بالسلاح والامراض والتلوث والجوع والغذاء والدواء الفاسد بشكل متقصد من سياسات الاحتلال واعوانه ويقف هولاء الأطباء متصدين للإحتلال لوقف هذه الإبادة البشرية بكشف مخططاته و منع إبادته والحث على مقاومته وخروجه ، هل تشكل هذه المواقف حماية الإنسان اختراق لقسم أبقراط او لمهنة الطب الإنسانية ؟ وهل يصح ان يقال عنهم انهم ساسة تورطوا في وحل السياسة ؟ هل يلغي امتهان الطب احساس الطبيب بهموم الأمة ويحرم عليه الاسهام بمناهضة المحتلين ؟
ثانياً : يعتقد الكثير من المخططين والمنظرين في مجالات التعليم ان استحواذ واحتواء مهنة الطب لمعظم اصحاب القدرات الذهنية في أي مجتمع راق او متخلف يحسب كارثة تخطيطية كبيرة وبالتالي فان معظم المهن من غير الطب هي مهن انسانية فالتعليم والادب والعلم العسكري والاقتصاد والسياسية والكيمياء والفيزياء وعلم النفس كلها تهم الانسان وسياقات اسعاده او عيشه في هذه الحياة ومن غير المعقول وفقا لهذه النظرية ان يستمر حشد الطاقات الذهنية المتفوقة في مهنة الطب لتترك كما يحدث في مجتمعاتنا حشد الطاقات المتدنية في المهن العسكرية والعلوم الانسانية النظرية . مسؤولية ضابط صغير يقود فصيلا وعلاقته بمصير افراد فصيله امر انساني خطير يستوجب انتقاء من ندخله في الكلية العسكرية بمستويات وقدرات ذهنية متفوقة ايظا تمنح القائد العسكري اداء انسانيا لا يقوم على التهور والايذاء والعنف والمجازفة التي ربما تكون الخلفية الدارجة من تسلط هولاء القادة بمصير الامم والشعوب وإحداث نكباتها طالما ان الهيمنة والسلطة وقهر الاخرين وزجهم في السجون كما حدث للاطباء الساسة الثلاث في سوريا كما اشار الكاتب محمد الدليمي هي معيار النجاح والفشل .
ثالثاً : السياسيون الاكاديميون الذي تورطوا ميدانيا وليس اكاديميا بسياسات الامم والشعوب وفشلوا في معايير الأداء الميداني السياسي يشكلون الغالبية الكبرى من بين جميع القادة السياسيين في شعوب الأرض والامم المتقدمة منها والنامية ولم يشكل الاطباء الساسة الفاشلون بمعايير التقييم الا جزأ يسيراً من بين الاطباء الذين امتهنوا السياسة في كل شعوب الأرض وإلا لما اصبح قادة امم اطباء وحكماء مضرب الامثال مثل صن يات مؤسس دولة الصين الحديثة او مهاتير محمد باعث نهضة ماليزيا او جيفارا التحرري وكاسترو المقاوم لكن الكاتب استعمل معايير مختلفة لما تستعمل الامم الاخرى لتقييم نجاحات او اخفاقات قادتها ولهذا يحسب مشاركة الاتاسي والقدسي وزعين وماخوس والرافعي وجورج حبش والسرطاوي ومنيف الرزاز و وديع حداد والرنتيسي والظواهري وفي العراق تحسين معله وفؤاد شاكر وفائق البزاز ومحمود حياوي ورحيم عجينه وعزت مصطفى ومجيد القصاب وسامي شوكت و نزيهة الدليمي ومحمود عثمان ورياض حسين وكريم هاني و راجي التكريتي وشامل السامرائي وغالي والشماع وكثير من الاطباء الساسة قد تورطوا وفشلوا بمجرد انهم عدوا ضحايا لسياسات خاطئة او تصفيات غادرة او فترات نضالية متئزمة لكن الحقيقة هي غير ذلك فهولاء الاطباء يذكرها التاريخ بسبب ما انجز اصحابها من نجاحات سياسيا وليس مهنيا مع ان منهم فطاحل في اختصاصاتهم وانسانيتهم .
رابعاً : لماذا يحسب للطبيب الفنان المبدع مثل خالد القصاب او علاء بشير او ابراهيم ناجي الشاعر وغيرهم إن إبداعهم الفني فضيلة فيما يحسب للاطباء السياسيين اسهامهم تورط وعيب ونقيصة وهروب من مهنة انسانية الى مهنة كالسياسة يعابون عليها .
خامساً يقال ان (غلطة الحكيم بألف) لكن هذه الحكمة يجب ان لا تحسب على السياسيين الاطباء فقط والذين ذكر أسمائهم الكاتب الدليمي بل تنسحب على كل اهل الحكمة في كل الاختصاصات والسياسة واحدة من المهن التي تتطلب الحكمة وبهذا المفهوم ربما يكون الاطباء والحكماء هم أولى بالسياسة من غيرهم كأن يكونوا ضباطا او اقتصاديين او اداريين او مهنيين إذ ليس في مواصفات الطبيب الملتزم ما يمنعه ان يكون نائبا او وزيرا او رئيساً.
سادساً وحيث ان واقع الحال لاداء السياسيين العرب المعاصرين قادة وزعماء يشكل كارثة انسانية ميزتها التسلط والعنف والفساد أو ليس أولى بنخب الاطباء والمهن الانسانية الاخرى ان يكونوا اولى بمعالجة ومناهضة هذه الكوارث السياسية الانسانية بما يملكون من قدرات ذهنية متفوقة اهلتهم ليكونوا اطباء انسانيين قبل ان يكونوا ساسة ممتهنين خصوصا حين تشهد وتجمع مجتمعاتهم عليهم بالحكمة والنزاهة والحلم ؟ .
سابعاً الدارج من القول ان السياسة هي فن الممكن تتحكم فيها المصالح بل قيل في السياسية ماهو افجع من ذلك وأمر، وعدت سلوكاياتها مبررة بنبل الغاية ومن هذا المنطلق تنطلق دعوات وجوب تعفف الاطباء عن هذه المهنة لكن واقع الحال عند التقييم يستوجب ان لا تحسب سياسة كهذه وسيلة ناجحة لتحقيق غايات نبيلة وسامية كالعدل والمساواة والحرية ، فكما لا يصح ان يكون جميع الساسة مفترسين ومقتنصي فرص يصح ان يقال ان نجاح المقتنصين للفرص والمتفرسين بالقيادة يستوجب ان يكون لهم باع في السياسة .
ثامناً الاطباء الذين ذكرهم الكاتب محمد الدليمي امثلة من الذين جاءوا مع الاحتلال لغزو العراق لا يشكلون قاعدة يقتدى بها للخروج بنتيجة خطيرة كالتي توصل اليها الكاتب لأن هولاء الأطباء كان بامكانهم أن يبقوا ممتهنين للطب خارج العراق قبل قدومهم لعيشوا هانئين مترفهين لكنَّ هولاء الأطباء تورطوا بمشروع إحتلال وعن غير حكمة او حلم قبلوا ان يكونوا ادلاء بل دعاة لقدوم الجيوش الزاحفة والمدججة والعدوة الى وطنهم دون ان يكون لهم اي مشروع معلن مع من جاءوا معه غير السلطة التي من خلالها حققوا مصالحهم وطموحاتهم النفعية التي لا سقف لها ولا حدود الا بما يقدمون للمحتل من خدمات لقاء ما يقبضون هولاء الساسة الاطباء لا يشرفهم كما اتضح بعد هذا الاغراء ان يعملوا بصفة أطباء حتى في خدمة المحتل الذي جاء بهم كونهم فقدوا اهليتهم لمهنة الطب منذ ان نقضوا بقسم ابقراط ومضامينه وقبلوا أن يكونوا عملاء وليس أطباء هولاء يجب ان لا يقارنوا بغيرهم من أطباء السياسية الذين أبلوا بلاءً حسنا منذ أيام تشكيل الدولة العربية والإسلامية . انصح القارئ بالعودة الى قراءة المقالتين اللتين كتبتهما لمعالجة نفس الموضوع :
1.الطب والسياسة كلاهما علم وفن لايستقيما الا بالأخلاق (كتابات)
2.الأطباء الذين جاءوا مع الإحتلال (القدس العربي).