الأحزاب السياسية العراقية منذ دخولها العراق بعد سقوط النظام الدكتاتوري "2003" بتنوعاتها وتشكيلاتها لم تستطيع أن تُفعَل ممارسة العمل السياسي داخل منظوماتها الحزبية ولا ضمن إطار المجتمع, ولكون الاحزاب السياسية تشكل حجر الزاوية في الأنظمة الديمقراطية, و وجودها في المجتمع ينشط الحياة السياسية ويحرك الفضاءات الراكدة. والأحزاب كمفهوم فلسفي وسلوك سياسي تساهم في تحقيق التنمية السياسية والثقافية وتعزز الأمن والإستقرار وهذا من أبرز أهدافها, فضلا عن تنافسها وإيمانها بالتداول السلمي للسلطة. ولكن مانراه في سلوك بعض الأحزاب السياسية العراقية للأسف سلوك تخريبي يفتقد الحس السياسي التنموي. فالاحزاب وزعماءها وأعضاءها يركنون الى الأعلام لشحن الجماهيرعاطفيا, أكثر مما يركنون الى تعزيز وتنضيج تجاربهم في العمل السياسي. حيث أصبح البعض منهم واجهات لوسائل الاعلام, وطرحهم كمادة إعلامية في أغلب البرامج ونشرات الأخبار.
فهناك قصور واضح في أجندة الأحزاب الفكرية وطريقة تفكيرها ومنهجيتها السياسية, فهي لاتملك برامج سياسية تعمل على توعية المجتمع وتقدمه, ولابرامج إقتصادية ترفع من قيمة البلد وتجاوز أزماته الاقتصادية. وهذا ربما يعود بنا الى طريقة نشأة الأحزاب وظروف تكوينها فهي لم تولد من رحم الديمقراطية بل جاءت نتيجة حتمية للإحتقان السياسي والظلم والأستبدادا. وتجاهلها لبناءها المؤسساتي وعدم أعتمادها على ركائز تنظيمية صحيحة تتخذ الكفاءة معيار لقيمة الفرد في الحزب فضلا عن ذلك هدر حق العضوية داخل هذه الكيانات. وهذه الكيانات الحزبية لاتزال تعيش حالة التصلب والجمود السياسي التنظيمي والفكري. فهي لاتستطيع التخلص من الآثار الدكتاتورية التي تعيشها من أعلى الهرم حتى حواشيها. والتي ساهمت بشكل جدي داخل قبة البرلمان بتعطيل قانون الاحزاب السياسية الذي ينظم الحياة الحزبية ويقلل من حجم الفوضى والخراب السياسي, فضلا عن أنه ينظم طبيعة تلك التنظيمات داخل هياكلها وعلاقتها بالمجتمع وسلوكها السياسي ونمطها الايديولوجي والتعايش السلمي بينها.
فالحياة السياسية بعد أنهيار الدكتاتورية لم تصل الى مستوى الطموح فهي محفوفة بالمخاطر حيث تسير بصورة غير سليمة وغير سلمية في بعض الأحيان, فالاحزاب تخشى بعضها البعض وتتوجس في علاقاتها ببعضها, بسبب أنعدام الثقة والمصداقية المهنية. وهذا الشعورللأسف خلق حالة غير منسجمة في بيئة التعايش بينهم, على الرغم من أن التجربة السياسية أتسمت بالطابع الديمقراطي من حيث المبدأ, إلا أن الأحزاب وتجاربها لم تحقق تراكم معرفي يخدم الحياة السياسية فهي لاتزال تعيش دكتاتورية حزبية وتعطل عقلها برسم هالة الزعيم وإختزال الحزب بشخصه, وهذه الثقافة أنعكست على الأداء السياسي للأحزاب وزعماءهم في مؤسسات الدولة وتأثيرها في الشارع. مما أصبحت مسلتزمات العمل السياسي أملاً يصعب مناله على الاقل للطامحين والواعدين بالعمل السياسي. وهذا السلوك يخنق الحياة الحزبية ويضَيق العمل السياسي ويعدم فرصة التنافس والوصول الى هرم القيادة في منظومة الحزب, وبالتالي لاتحقق هذه الاحزاب لمسة واضحة وجلية في مسيرة العراق الديمقراطي لكونها أحزاب معطلة للعمل السياسي "لأن فاقد الشئ لايعطيه".