موقف ( شجاع) لمجلس النواب العراقي من الاعتداءات الإيرانية والتركية....عبد القادر الطائي
كأن لسان حال المشردين والمنكوبين في شمال العراق من جراء الاعتداءات الإيرانية والتركية المتواصلة على بلداتهم وقراهم الحدودية حينما سمعوا خبر تعليق مجلس النواب العراقي جلساته (نصف ساعة)؛ يقول: شكرا على هذا الموقف (الشجاع والمتميز)، والشكر موصول لرئيس وأعضاء الحكومة العراقية ورئيس الجمهورية ونوابه وحكومة مسعود البرزاني.
فبعد أكثر من شهرين من القصف الإيراني والتركي والأعمال الحربية داخل الحدود الشمالية للعراق وما نتج عنها من قتل وتشريد لسكان هذه المناطق وتدمير ممتلكاتهم؛ طالعتنا وسائل الإعلام بخير يثير الدهشة والاستغراب مفاده تعليق مجلس النواب العراقي جلساته لمدة (نصف ساعة)احتجاجاً على هذا العدوان وتضامنا مع سكان هذه المناطق المنكوبة.. (نصف ساعة) فقط هو كل ما يستحقه الوطن وأبناؤه من ولاء واهتمام وغيرة على سيادته وكرامة أبنائه وحقوقهم، في حين علق المجلس أعماله مدة عشرة أيام بعد جلسة عاصفة احتجاجاً على ما حدث في دولة البحرين الشقيقة من مشاكل داخلية؛ حيث خيم على المجلس شعور عميق بالحزن والأسى لما حدث للمتظاهرين في دوار اللؤلؤة في العاصمة البحرينية المنامة، بل أن بعض النواب استشاط غيظاً وثارت ثائرته مهددا ومتوعدا حكومة البحرين ودول الخليج العربي وواصفاً إياها بأوصاف غير لائقة وغير مقبولة في العرف السياسي والدبلوماسي المعمول به في العلاقات الدولية. بل عد المراقبون هذا الموقف المغالي لبعض أعضاء مجلس النواب العراقي ضد دولة البحرين تدخلا واضحا وصريحا في الشأن الداخلي لدولة ومستقلة وذات سيادة لم تعتد أو تؤثر على سيادة ومصالح العراق. والغريب في الأمر أن الحكومة العراقية لم تتخذ موقفاً حازماً وصريحاً تجاه هذا العدوان رغم استمراره ورغم معاناة سكان هذه المناطق المستهدفة واستغاثاتهم المتكررة ظناً منهم أن لديهم سلطة تدافع عنهم.
والغريب أن بعض رموز هذه السلطة الحاكمة في العراق يحاول التقليل من أهمية هذا الامر وإهماله أو التغاضي عنه، ومحاولة تبرير مواقفهم المتخاذلة هذه بحجج ضعيفة وواهية كضرورة التعامل مع هذه القضية بالحكمة وعدم جر البلاد إلى مشاكل وحروب مع جيرانه، كما فعل النظام السابق على حد زعمهم، فإذا كانت الحكمة هي غايتهم في التعامل مع هذا العدوان كما يدعون فأن من الحكمة والعقل رفع هذا الأمر لمجلس الأمن الدولي لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لوقف هذا العدوان بالطرق القانونية التي تحكم النزاعات والصراعات الدولية، ثم أليس من الحكمة تفعيل الاتفاقية الأمنية والاستراتيجية التي عقدوها مع الولايات المتحدة الأمريكية لحماية الحدود ورد العدوان، أم أن هذه الاتفاقية مقصورة على حماية السلطة في المنطقة الخضراء من معارضيها!!.. ثم أليس من الحكمة قطع العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول المعتدية أو على الأقل تخفيض التمثيل الدبلوماسي وقطع العلاقات التجارية معها كما هو الحال في التعامل بين الدول في مثل هذه المواقف.
ورغم استمرار هذا العدوان والإصرار عليه عجزت حكومة بغداد عن اتخاذ موقف ايجابي حيال هذا العدوان، ولعل موقف حكومة مسعود البرزاني الضعيف والمتخاذل تجاه هذا الأمر هو أكثر غرابة من موقف (الحكومة المركزية) في بغداد.
ومنذ بدء هذا العدوان على شمال العراق وإلى يومنا هذا لم نجد تفسيراً منطقياً ومقنعاً لموقف السلطة في العراق بكل مؤسساتها وأجنحتها حيال هذا العدوان، بل أن التناقض الواضح في موقف هذه السلطة في تعاملها مع قضية البحرين والعدوان الإيراني المتكررعلى حدود العراق، ومصالحه يضع أمامنا تساؤلاً مهماً وخطيراً حول حقيقة وخطورة الدور الإقليمي المتنفذ في العراق وقدرته على توجيه هذه السلطة الوجهة التي يريد والمرور عبر الجسد العراقي للمنطقة العربية، لتحقيق أجنداته السياسية وأهدافه الاستراتيجية. ومما لا يقبل الشك في هذا الصدد هو غياب الإرادة الوطنية للسلطة في العراق في التعامل مع هذا العدوان الغاشم على شمال العراق، بل غياب هذه الإرادة في كل مراحل نشأتها وعدم قدرتها على صياغة وبلورة مواقف وطنية صادقة ومخلصة لمصالح الشعب العراقي العليا نتيجة لتحالف هذه السلطة إيديولوجيا مع هذا الطرف ووقوعها تحت هيمنته أو انحيازها ورضوخها للمحتل الذي مكن لها هذه السلطة في العراق بعد احتلاله.