تصريحات الدكتور عدنان الدليمي الأخيرة على قناة السومرية
د. عمر الكبيسي
وأخيرا ظهر د عدنان الدليمي مرة ثانية اعلاميا على فضائية السومرية ولكنه نطق كفرا وجهرا بعد أن سكت دهرا وقهرا ونسب لنفسه هذه المرة لقب المتربص حاله حال من يبحث عن فرصة يستغلها او كريهة يستفاد منها
وكم كنت تواقا لان يبقى د .عدنان الدليمي صامتا لا متحدثا مستلهما لا متربصا صابرا لا يائسا موحدا لا مفرقا سامعا لا ناطقا بل كم كان يهمني ان ازرق هذا الرجل الذي كنت اكبره واعزه منذ ان تعرفت عليه في الستينات في بغداد وانا طالب وهو مدرس بدواء رد الاعتبار والبراءة والتوبة والاستفادة من خطيئة المشاركة بالعملية السياسية التي اسسها غزاة بغداد ومحتلي العراق وما جنت عليه من عواقب ومثالب ولكني فشلت مع اني التقيته قبل شهرين في ندوة مركز الخلد حول الفدرالية وقال لي بالنص ( د.عمر لقد وقعت وأيدت مذكرة رفضك للفدرالية وانشاء الأقليم وهو مبتسم فابتسمت له وقدمت له سيجارة كنية عن فرحي لموقفه لعله ينشق منها في فترة الإستراحة انفاس الإرتياح) لكن هذا كما يبدو كان تمويها سياسيا بات هذا الرجل ضليع باستخدامه كلما احتاج ذلك.
قد لا يكون د. عدنان الدليمي مسنا او خرفا كما حاول هو في رده ان يوصم استاذه ومرجعيته لعقود من الزمن د. عبد الكريم زيدان وهو الواقد بالذاكرة الدقيقة والحكمة السديدة فالدكتور زيدان اكبر منه عمرا لكنه على درجة اكبر من الحكمة والفطنة مما هو عليه د .عدنان الدليمي من الحال والارتعاش والأرق والقلق .
لقد أذهلني حقيقة لقاء فضائية السومرية مع الدليمي وهو لقاء كان المفروض بالسومرية المعتدلة بالمواقف الاعلامية ان لا تبثه في هذا الظرف الدقيق المؤجج بالخطاب والعنف الطائفي المتفاقم وبدون الخوض في مناقشة تفاصيل اللقاء وما طرحه د. الدليمي خلاله من تصريحات واراء خطيرة أود ان أشير الى الحقائق التالية التي من المؤكد انها تعالج معظم ما ذهب اليه اللقاء من مثالب :
أولاً: لا يوجد شك ان د عدنان الدليمي فكرا ونهجا واحد من اقطاب الاتجاه الإسلامي السياسي السني المتمثل تاريخيا بجماعة الاخوان المسلمين ثم الحزب الاسلامي ومن ثم من خلال تشكيله مجلس اهل السنة ثم اهل العراق بعد ان اصبحت ردود الفعل الشعبية للخطاب الطائفي مستنكرة وهذا ما ذهبت اليه جميع الاحزاب الدينية الطائفية المشاركة بالعملية السياسية . وبالتالي فان الدليمي لا يتردد في تقديم نفسه سياسيا انه نصير للسنة وان خطابه نابع من خطورة ان تتم تصفيتهم في ظل المشهد السياسي الطائفي وان مشاركته بالعملية السياسية جاءت على هذا الاساس استقطب خطاب الدليمي في اوج الصراع الكثير من الانصار وبالاخص المناطق التي عانت وتضررت من اوج الازمة و وجدت فيه معينا لنصرتها في حينه وقد استجاب الدليمي لهذه النداءات الاستنجادية بعاطفته المعروفة وكان ما حدث في منطقة حي العدل ومناطق السنة في بغداد انعكاس لما اثمر من نتائج وخيمة سببت للدليمي وعائلته وحماياته اشكالاته القضائية والامنية اللاحقة انتهت بالفشل السياسي الذريع والانكفاء والملاحقة والتي تشكل اليوم محور محاولاته لانقاذ نفسه وعائلته التي عانت الكثير من جراء خطابه وردود فعله الاعلامية الحادة والعاطفية واصبحت قضاياه الخاصة التي تتعلق بمصير ولده ومصيره و وضعه المادي و وضع املاكه واستحقاته التقاعدية تشكل الان محور ما تبقى من عمره .
2. التقاطع اذاً بين ما يطرحه الدليمي من أن موقفه هو تنفيذ لنهج إنقاذي للسنة لإضعاف الشيعة الحاكمين ، وبين ما نعتقد انه جزء من خطاب طائفي مدَّمِر للعراق قضية فكريه سياسية صرفة وبالتالي فإن حديث الدليمي عن السنة لايخرج عن كونه رأي شخصي صرف ، لا توكيل فيه ولا تمثيل ولا إجماع كما سوَّق في الندوة والمعروف كواقع حال ان معظم ابناء السنة بشكل عام حالهم كحال معظم ابناء الشيعة لم يعد الخطاب الطائفي عاطفيا و سياسيا وشرعيا يؤثر بهم كما لا يشكل الخطاب المذهبي المسيس أو المشهد السياسي الطائفي الحالي بتميز
أملاً او منفذاً الى الاصلاح والنهوض كما ان معظم المتورطين بالعملية السياسية القائمة تحت رايات وسمات طائفية تساقطوا او تمظهروا بالوطنية والدولة المدنية بعد ان أدركوا حجم الرفض الجماهيري للخطاب الديني الطائفي والدولة الدينية وما ترتب على نتائجه الوخيمة ولم يبق منهم تحت لافتة هذا الخطاب الا المنتفع والمستفيد والمستغل.
3. تشبث د. عدنان الدليمي بالسيد المالكي ومن قبل احتماءه بمام جلال في شمال العراق قبل خروجه الى عمان وتبنيه الفدرالية والدعوة الى إقليم سني كما ذكر في اللقاء تحسب عليه وليست له ، إذ من المؤكد ان المؤمن كيِّس وفَطِن وبالتالي فإن ما اثمرت عنه هذه العملية السياسية من نتائج وخيمة ودمار وتهجير واقتتال وفساد وهو المشارك بها والمكتوي بلهيبها كان ينبغي ان تجعله من اوائل الرافضين لها والداعين الى إفشالها وإسقاطها . بدلاً ان يقع فريسة لإغراءات زملائه في العملية السياسية اليوم ممن يتطلعون الى إقامة الإقليم السني مع بعض شيوخ الاحتلال لأجل مكاسب وتطلعات شخصية والذين نكثوا به بالأمس وساهموا بإضعافه وتهميشه وكان ضحية لفعلهم وكيدهم .
4. وفيما كان د.عدنان الدليمي ولفترة قريبة من أشد المعجبين المعاصرين لعلمية وحصافة الدكتور عبد الكريم زيدان كمرجع فقهي وكذا الحال مع د عبد الملك السعدي نجد ان موقفه ورأيه حول الاقاليم والفدرالية يقف بالضد من موقف الشيخين الجليلين بفتواهما حول حرمة الفدرالية وتاسيسها لتقسيم العراق وإضعافه وهذا الموقف لا يختلف عن طبيعة التجذابات والمشاكسات التي تتحكم بموقف د. عدنان الدليمي من سلوكيات قيادات الحزب الاسلامي وهو الواجهة السياسية لجماعة الاخوان المسلمين التي قضى تحت رايتها د. الدليمي مجمل حياته السياسية كما كرَّس الدليمى جهودا كبيرة لمناصرة الحزب الاسلامي وتعميم تنظيماته بالقول والفعل وحتى المال مع ان الاشكال حول عزوفه عن الحزب للمشاركة بالعملية السياسية بتشكيل مؤتمر اهل السنة ومن ثم مؤتمر اهل العراق يبقى لغزا لا تعرف دوافعه تكتكية أم سياسية او شخصية.
5. ولكي لا يصبح حديث د. عدنان الدليمي موضع اصطياد بالماء العكر لأطراف عديدة تستفيد وتستغل تصريحاته الأخيرة وتحسبها تعبيرا عن مكون او طائفة السنة بالذات ينبغي التأكيد ان د .عدنان الدليمي وخطابه وتصريحاته وندوته الاخيرة وما جاء فيها من مثالب ومخاطر وعناوين تاتي في زمن تجاوز بكثير امكانية ان يمثل الدليمي طائفة او تنظيم او ثقل سياسي عراقي او مناطقي ، فالرجل محبط سياسيا و نفسيا وصحيا وعائليا كما هو واضح ، وبالتالي فحديثه في ندوة السومرية الاخيرة لن يحسب الا لحساب أشلاء عملية سياسية فاشلة وخائبة واطراف سياسية تتخذ من خطابه هذا مبررا لما تنشده اليوم من مشروع التقسيم الفدرالي وتستفيد منه مستغلة سذاجة واحباط الدليمي وتشبثه ولا ريب في ان يكون الدليمي على هذا النهج وهو الذي وقف مستأسدا حين نصحته بترك السياسة لأهلها ولمن يقوى على ممارساتها قائلاً :(إسمع د .عمر وليسمع الحاضرون انا لن انسحب من السياسة والعملية السياسية الى آخر لحظة من عمري وٍسأنزل في قبري وأنا عضو في مجلس النواب ) وهذا مالم يحصل كما لم يحصل من قبل لزميله د محمود المشهداني الذي كان يتوعد باصرار امام زملائه وأصدقائه ومنهم أنا بقوله : (سأكون رئيسا للعراق قريباً وسترون ) فإذا به نسيا منسيا إلا من راتب تقاعدي ضخم حافظ عليه من خلال الإذلال وتقديم الاستقالة لتلافي قرار تنحيته وبقى محافظا عليه كحفاظه هو والدليمي على أداء الصلوات الخمس !.
6. ولئن الظرف الذي تطلق فيه تصريحات غير مسؤولة كالتي أطلقها د . الدليمي وغيره ، ولكون المشهد السياسي يمر بانعاطفة تميزت بواقع سياسي طائفي خطير تروج له سياسات سلطة متفردة وتعبث فيه بأمن البلاد والعباد أطراف متعددة تجد في إثارة العنف الطائفي مصلحتها وترويج مشاريعها التقسيمية والإقليمية كحوادث النخيب وكربلاء المقدسة والتي تنذر بالشؤم ، فإن المطلوب اليوم ان تتنتبه الرموز والمراجع الدينية لكل الاديان والمذاهب والطوائف التي كتب الله لها ان تعيش بوئام وسلام على ارض الرافدين الموحدة لعصور من الزمن ولكون هذه المراجع والرموز تحضى بسمع وقبول شرائح كبيرة وعديدة من قطاعات شعبنا المنكوب ، فإن الموقف يتطلب منهم ومن فقهاء الامة وحكمائها ان يدلوا بدلوهم ويبينوا رأيهم ورأي الشرائع والكتب السماوية المقدسة بضرورة تحريم الطائفية وتسييس المذاهب وحرمة الدم العراقي المسفوح هدرا والبراءة من كل مشاريع واجندات العنف والارهاب والتقسيم والتشظية التي تعبث بوحدة العراق وتشرد علماؤه وأطيافه وتعبث بثروته وامواله وإن موقف مقاطعة السياسيين وعدم استقبالهم كما أعلن لا يفي وحده بتوعية الأمة ، اللهم إني بلغت فاشهد .