المعايير الوطنية والأخلاقية لسلطة الاحتلال في العراق (2)
د. عمر الكبيسي
خطاب الإنفصال والفدرالية والتقسيم
بعد الانهيار والفشل الذريع الذي تمخض عن عملية سياسية خائبة ودستور معيب مملوء بالالغام والقنابل وكتل سياسية تشكلت من ساسة شواذ جاءوا بهم من حواضن شراء الذمم وسواقط الاغتراب عاثت بالعراق فسادا أمنا واقتصادا وسلوكا ، لم يبق لرموز هذه السلطة الحاكمة من كلام او حديث الا الإشهار والتبجح والتبرير بضرورة اقامة الأقاليم الطائفية وحلول الأوان لإنفصال الكرد عن العراق !.
كل الساسة والمثقفين في العالم وكل انسان له ذرة من وطنية وتعلق بأرضه وتربته وشعبه يتحدث بفخر واعتزاز داخل وطنه وبصوت أعلى عندما يكون خارجه عن أصالة ورمزية وإرث وقيم موطنه وبلاده مفتخرا بتماسكها و وحدة مصيرها وإرثها التاريخي ودورها الحضاري متحديا رافعا قامته وخصوصا حين يكون له موطن كالعراق مهد الحضارة والقلم والقانون كما عهدنا ان نتحدث عنه عندما نسافر لدراسة او مؤتمر او زيارة خارج الوطن ، باستثناء ساسة الاحتلال الجدد الحاكمين فيه بإرادة الغزاة الذين اعتادوا بالحديث عن الانفصال والمناطق المتنازع عليها والاقاليم كلما وجدوا انفسهم امام كاميرات الاعلام في محافل الاجتماعات واللقاءات الدولية خارج العراق وهو أمر فعلا يثير السخرية والإشمئزاز .
الرئيس جلال الذي اكمل جميع مراحل دراستة الأولية في العراق ودراسة القانون في بغداد التي عرفها وعرفته جيدا بمجالسها ومعارفها واحداثها وتقلب في أحضان السياسة بين الترف والمعاناة في بيوتاتها ونواديها وتلذذ بمشاربها ومسكوفها واكلاتها واحتوى ثقافة احزابها وحركاتها وتنظيماتها وتجمعاتها بل ورفع رايات سياسية فيها سواء كانت شيوعية او يسارية او وطنية او تحررية فلسطينية او حتى بعثية كما يتلذذ ويفخر هو بسرد هذه الذكريات ، ترأس مؤخرا وفدا ممثلا للعراق الى نيويورك لحضور اجتماعات الدورة 65 للجمعية العامة للأمم المتحدة والتي كان العراق احد الدول المؤسسة لها مؤخرا مع وفد ضم وزير خارجيته هوشيار زيباري وكوسرت رسول النائب الأول لأمانة حزبه والذي اطلق هناك هذا التصريح ! : (يجب ان لاننتظر اي أحد ليساعدنا على الانفصال لأن اعلان الدولة الكردية هي الحق الشرعي للشعب الكردي ) ونسي كوسرت انه ورئيسه يمثلان العراق كدولة وأن كلفة هذا الوفد التي بلغت وفق ما نشر مليوني دولار دفعت من موازنة العراق ، بل نسي انه إن كان حقاً ! يمثل أكراد العراق فأنه يتكلم عن نسبة لا تتجاوز 10 بالمئة من مجموع الشعب الكردي تابعون لدول جوار اخرى لا يتمتعون بما يتمتع به هو وسيده وعموم الأكراد في العراق ! ألا يشكل مثل هذا التصريح من عضو وفد رسمي يمثل فيه العراق خرقا لأبسط حقوق المواطنة ولا أقول الرئاسة ؟ وبمثل هذا المضمون أطلق حينها رئيس وزراء الإقليم الدكتور برهم صالح تصريحا قال فيه : ( كون كركوك جزء من كردستان يمثل حقيقة ثابتة !) . ما الذي حدث وتغيير في المنطق والمنطقة ، أليس هو الطلباني القائل يوما في سالف الزمن وفي لحظة صدق مع الذات : ( إن أكراد العراق لايمكنهم العيش في دولة محاطة بجيران تغلق عليهم الأبواب ) ؟ .
السيد مسعود البرزاني أبن مدارس بغداد وتربيتها وكرادتها ، رئيس إقليم كردستان حاليا في المؤتمر الثالث عشر لحزبه في كانون الأول عام 2010 قال بحضور ضيوفه السيد نوري المالكي وكل اقطاب العملية السياسية بضمنهم رئيس البرلمان العراقي :( سيتم طرح حق تقرير المصير للشعب الكردي في المؤتمر وان حزبه يرى المطالبة بحق تقرير المصير هو بلوغ الكفاح لتحقيق هذا الهدف ). لكن السيد مسعود نسي و كأنه لا يتذكر يوما ما حين كانت قواته محاصرة في أربيل أنه استنجد بالرئيس العراقي الراحل صدام حسين عام 1996 الذي ارسل قواته ودباباته حاملة علم العراق كي تنجده من قوات زميله ورفيقه جلال الطلباني والتي لولاها لكان اليوم في خبر كان، نسيَّ السيد مسعود في حينها ما يفزع به حول تقرير المصير لشعب كردي كانا يتصارعان فيما بينهما بقتال حصد ارواح اكثر من خمسة الاف كردي على خلفية عائدية اموال وضرائب منافذ حدودية وها هو اليوم يأمر بإنزال هذا العلم من دوائر دهوك وقبلها خانقين ليرفع عليها علمه الكردي الإنفصالي متحديا مستأسدا بأسياده الغزاة !.
سياسي عراقي آخر يسمي نفسه بالمخضرم أصبح بقدرة قادر رئيسا لكتلة نيابية سماها البيضاء بعد ان انضوى تحت لافتة أياد علاوي في العراقية ليضمن فوزه مثل حسن العلوي وهو ابن الكرخ في بغداد وقضى نصف عمره بعثيا قريبا جدا من الرئيس البكر وصدام (رحمهما الله) كما يدعي قبل ان يلتحق بعصابة المعارضة في دمشق ولندن ليبتكر نظرية مظلومية الشيعة المزعومة هناك، عاد مع الاحتلال وفي زيارة له الى أربيل قال بأمسية بعنوان رؤية لإستراتيجيات المنطقة الكردستانية ما يلي : ( أن الأكراد ضيعواعلى انفسهم الكثير من الفرص الذهبية لإعلان الدولة الكردية المستقلة وقد حان الوقت لأستغلال الفرصة الأخيرة المتاحة لهم حاليا لإعلانها وتقرير مصيرهم طالما ان دول الجوار التي تخوف الكرد وتهددهم مشغولة عنهم في الوقت الحاضر ) ، نسي هذا الاعلامي والمؤرخ والسياسي المخضرم الذي تسلم هدية له من السيد البرزاني فيلا للإقامة فيها في مصيف صلاح الدين نسي أن دولة مهاباد التي اسسها الكرد وساهم المرحوم البرزاني الأب مع القاضي احمد لم تدم سنة واحدة وان إيران وليس العراق هم من أسقطوها . ونسي حسن العلوجي المعجب بعدالة الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعبقريته كما يكتب قول الخليفة عمر المشهور (والله لو عثرت دابة في ارض العراق لخشيت ان يسأل الله عنها آل خطاب )، نعم والله يا سيدي عمر انها عثرة حسن العلوي في زمن الرعاع والدواب حين يكرم مستضيفيه بما لا يملك !.
رئيس البرلمان أسامة النجيفي نصِّب بمنصبه لأنه سنِّي حسب استحقاق المنصب وفقا لمحاصصة الحاكم بريمر الطائفية ولم يقسم اليمين لتسلم منصبه إلا بعد موافقة المرشد الايراني خامنئي في يومها وفي زيارة له الى الولايات المتحدة في حزيران هذا العام قال بتصريح له :( إن هناك إحباطا سنيا في العراق محذرا من انهم قد يفكرون في الإنفصال إذا لم يعالج الأمر سريعا ) وحين جوبه هذا التصريح بردة فعل قوية مستنكرة كادت تطيح به سحب هذا التصريح بعد وصوله الى العراق لكنه عاد في زيارته الاخيرة الى لندن قبل أقل من شهر والتي ترأس اليها وفداً لحضور مؤتمر اتحاد البرلمانيين وكأنه لم يتعض ليطلق تصريحا ساذجا يبرر فيه ما قاله سابقا حول احباط السنة ومعاناتهم بقوله هذه المرة (نحن مع الأقاليم الجغرافية ) ويعني بها الغربية وفاته ان يتذكر ان دعوته للأقاليم كان يبررها بمعاناة السنة !.
قبل هؤلاء الساسة الجدد تبنى السيد عبد العزيز الحكيم (رحمه الله) إعلان مشروع الاقليم الشيعي واعتبره ضرورة ماسة لحمايتهم وكذلك تبنى النائب عن البصرة وائل عبد اللطيف مشروع اقليم البصرة والجنوب ثم لحق بسربهم على نفس الشاكلة الدكتور عدنان الدليمي رئيس جبهة التوافق سابقا وقيادات من الحزب الاسلامي والصحوات في الأنبار وصلاح الدين وقيادات حزب الدعوة في مجالس محافظات البصرة وبابل دعوات انشاء الاقاليم كما تبنى نواب وساسة من الكلدان والاشوريين دعوات إنشاء اقليم سهل نينوى ومثله لليزيديين والشبك وهكذا أصبحت الأقلمة والانفصال والتقسيم مشاريع انقاذ واعمار وموضع اهتمام رموز العملية السياسية الخائبة بالرغم من فشلهم وتهافتهم لتسع سنوات مضت لم يستطيعوا خلالها ان يوفرا عيشا كريما آمنا لشعب طاله العنف والفساد والجهل والمرض والفقر من أقصى شماله الى اقصى جنوبه، شعبنا في البصرة تقتل ابناءه سموم التلوث واليورانيوم ومخلفات المشروع النووي الايراني وتقتل نخيلها وبساتينها ملوحة الارض وغلق الروافد والانهار ويحاصر مينائها ومنفذها بميناء مبارك وفي الشمال تنزح مئات الاسر الكردية ويقتل الشهداء بسبب القصف الايرني والتركي وفي النخيب والانبار تعبث قوى العنف والارهاب بارواح البشر دون وازع فيما يقتل في العاصمة بغداد مئات البشر وتزهق ارواحهم بالتفجيرات والكواتم ولا يستحي هؤلاء الساسة والحاكمين ان يطلقوا نداءات الإنفصال والتقسيم في كل مناسبة وزيارة ومؤتمر واحتفالية ابتزازا وتبريرا للفشل السياسي والفساد الذي اشاعوا ثقافته .
إن من يتوقد اليوم من ساسة العراق المنصبين كادوات تنفيذ لأجندة الغزاة حماسة بلا خجل ومكرا بلا حياء واستغلالا بلا نزاهة او ضمير لسياسة التقسيم والانفصال وتشكيل الاقاليم في عراق هذه حاله لا سيادة فيه ولا استقلال ولا سلطة بمفهوم الدولة التي لم تستطع حماية مواطنيها لتجبرهم على التهجير والتوطين هم نفر مارقون وناكرون لوحدة وقوة وتماسك شعبهم وارضهم ، يفرطون بعراق ارثناه وعشنا فيه آمنين مطمئنين موحدين نغرف من ماءه وثرواته وتاريخه وحضارته منذ الآف السنين. جريمة التقسيم والإنفصال تفوق في نتائجها ومخاطرها جريمة تشبث هؤلاء الساسة بالاحتلال والتمديد لبقاء عناصره تحت مختلف التبريرات والمسميات لأن الأحتلال زائل لا محالة مهما طال ، لكن التقسيم ان حصل في العراق سيعم المنطقة كلها وستستمر سياسة تقسيم المقسم والموحد وحينها لن يعيد لشعوب عالمنا العربي عافيتها وسلامتها حراك ولا ثورات او ثروات .