المعايير الوطنية والأخلاقية لسلطة الاحتلال في العراق - 5
القائمة العراقية وقياداتها وشغف السلطة مثالاً
عمر الكبيسي
يكاد يكون الدكتور أياد علاوي واحدا من الساسة العراقيين المعارضين الذين قدموا مع الاحتلال ممن لا يمتلك حسا أو نهجا طائفيا في سلوكه السياسي كما يجمع على ذلك أنصاره وأعدائه وتأريخه السياسي كبعثي بارز في حزب علماني منذ نعومة أظافره ولغاية تشكيله حركة الوفاق المعارضة لنظام البعث في المملكة المتحدة نهاية السبعينات مع ان الرجل يعترف انه قد تعاون خلال فترة المعارضة مع معظم مخابرات العالم الدولية المؤثرة لأجل تغيير النظام في العراق بأي وسيلة ، ولسنا بصدد إخلاقية هذا الموضوع وتبعياته اللاحقة فيما حدث في العراق من كوارث بسبب التمهيد لمشروع تحرير العراق ودوره فيه ، ولكن صلب الموضوع لهذه المقالة يتعلق في مسؤولية القائمة العراقية الأخلاقية والوطنية التي يتزعمها الدكتور علاوي ودورها المعلن كمشروع وطني معارض للنهج الطائفي المقيت الذي أصبح سمة السلطة الحاكمة إبان تشكيل القائمة العراقية كمشروع تغيير وإنقاذ وفوزها بالمرتبة الاولى من بين الكتل النيابية المشاركة بالانتخابات لاحقا ثم ما تبع ذلك من أحداث نتج عنها تسليم السلطة للسيد المالكي وحزب الدعوة بالذات وما ترتب على ذلك من مسؤوليات اخلاقية و وطنية في الأداء السياسي لقادة العراقية و زعيمها الدكتور علاوي تسببت باحباط جماهير ناخبيها الساحقة وغالبية الشعب المنكوب وخيبة أملهم في التغيير والإنقاذ وهو ما يطفوا على سطح الحال الذي آلت اليه أزمة الحكم في العراق اليوم وسر بقاء وتشبث قادة القائمة بالحكومة والسلطة .
ولغرض الإجمال لا التفصيل أدرج فيما يلي أهم نقاط الخلل واللف والدوران الذي خرق به أداء الدكتور علاوي وقادة القائمة وعودهم وخذلوا من خلالها ناخبيهم :
1. لم يكن للعراقية وللمشروع الوطني (الذي ادعت تبنيه) نظام او وثيقة مكتوبة تشكل مثابة لوضوح في الرؤيا لمستقبل و واقع الحال السياسي للعراق إذ لم يكن موقفها من قضية الاحتلال والمقاومة والدستور والأقاليم و وحدة العراق واضحة بما يشكل عهدا انتخابيا في حين كانت قضية تعديل الدستور وشعار التغيير تشكل المعلم الرئيسي للشعارات الانتخابية المطروحة .
2. تم تشكيل القائمة واختيار قياداتها الستة وكتلها وتسمية مرشحيها ومن ثم نوابها بشكل عشوائي لا يعتمد المبدئية او الفكر او الكفاءة او الأداء او الإنسجام وكأنها مجموعة أقطاب ضمن إطار مهلهل بالمصالح الذاتية والنزعة المادية والاستقطاب الشخصي والنفعي دون وثيقة عهد مكتوبة بالثوابت الوطنية فكان تشكيلها بمثابة نقطة الضعف بوحدة نهجها وسياستها ودق بسامير التشظي بين قياداتها وافتقدت منذ تشكيلها لزعامة رمزية تحظى بولاء المؤتلفين مما جعلهم يرددون خطاب القيادة الجماعية أو السداسية .
3. أُستغل توجه جماهير الناخبين العاطفي للقائمة (على علات تشكيلها) المشدود بعمق المعاناة والأمل بالتغيير المنشود وانتشال فشل الدكتور علاوي وإخفاقاته السياسية قبل الانتخابات وإعادته إلى موقع الزعامة السياسية من جديد بما لم يحظى به سياسي سابق من قبل بمزيد من الإنكار حين تصرفت زعامة القائمة بلا منهجية بعد ظهور النتائج في قضية تشكيل الحكومة والثبات على هوية مع من تأتلف معه وتقدم له ثوابت المشاركة على ضوء ثوابت وطنية إنقاذية وتميزت سياسة زعيمها الدكتور علاوي بالانفتاح على كل الكتل الأخرى على ثابت مجيئه بمنصب رئاسة الوزارة دون التمسك بالقرب والبعد من ثوابت المشروع الوطني ولم تنتهج سياسية أسبقيات ثابتة بمفاوضات التشكيل وهكذا تباينت مواقف قادة القائمة ومكوناتها بشرعية منصب رئاسة علاوي للوزارة وشكل هذا التباين اختراقات قاتلة في جسد القائمة أفقدتها الاستحقاق الانتخابي ودفعت بالمالكي لسلوكيات معاكسة للفوز بتشكيل الحكومة دون تصدٍ جماعي للقائمة للسلوكيات اللادستورية التي انتهجها المالكي لنجاحه بتشكيل الحكومة .
4. تنازل علاوي وقيادات العراقية عن استحقاقهم الانتخابي بالتكليف متناسين بهذا التنازل وعودهم للجماهير بأهمية التغيير المتمثل أساسا بتغيير المالكي بالذات وفقا لسياساته في حكومته السابقة وكان المفترض ان يتم التنازل عن الاستحقاق لقاء تغييره بأي مرشح لتشكيل الحكومة ترى فيه تغييرا أفضل بالسلوكية والنهج وسبب ذلك يعود لأسباب لا وطنية ولا أخلاقية وإنما لنزعات شخصية في قادة العراقية استطاع المالكي توظيفها لصالحه .
5. فشلت العراقية بزعامتها وقياداتها حتى بعد أن فشلت بالتمسك باستحقاقها الانتخابي وتحقيق التغيير من أن تحقق لها رصيد دولي وإقليمي يساندها بالرغم من محاولاتها البائسة بالاستعانة بإيران وسوريا والسعودية وتركيا أو بالإدارة الأمريكية التي ما انفك زعيمها علاوي يصرح بأنه جزء من مشروع غزوها للعراق ! ونجح المالكي باستقطاب تأييد هذه الدول لجانبه من خلال سياسة الوعود والترغيب والترهيب التي تشكل محور أداءه السياسي ونهجه بإدارة السلطة .
6. لم تلتزم زعامة علاوي وقيادات العراقية بمشروع الإنقاذ والمعارضة واستطاع المالكي أن يستقطبها كشريك حكم في وزارته تشاركه بمسؤولية الفساد والانتهاك والتهميش ورفضت أن تنأى بنفسها أن تكون مشروع معارضة ورقيب وحسيب لتصبح شريك مصالح وفساد وإغراء لقاء وعود كاذبة كمنصب رئيس مجلس السياسات الإستراتيجية المندثر وتوزيع الوزارات الأمنية ورفع الإحتثاث الذي تم اختصاره بثلاثة شخوص كلفوا بمناصب وزارية ونيابية كما انكشفت مهزلة تعيين النجيفي بمنصب رئاسة البرلمان بتخويل إيراني ومهزلة تنصيب الخزاعي لمنصب نائب الرئيس مكافئة على أداءه كوزير فاشل وأخيرا كانت فضيحة كذبة مبادرة أربيل المقبورة بتوثيق روابط الشراكة .
7. تعيينات الوزراء من حصة القائمة العراقية المشاركة في حكومة المالكي والتي شملت اكثر من 11 وزيرا لم تخضع لمواصفات الكفاءة والخبرة والنزاهة بحيث تتميز بأداءها عن خيارات القوائم الاخرى والتي كان بامكانها ان تسهم في تحسين أداء هذه الوزارات وتكسب ود الجماهير من خلال تحسين الخدمات، بل جاءت هذه التعيينات وفقا لمحاصصة المكونات مفتقدة لأبسط قواعد الخبرة والكفاءة مما افقد قيادات القائمة مصداقيتها .
8. وهكذا تحوَّلت طروحات القائمة العراقية وقياداتها الى مشروع مشاركة هامشية بسلطة مصالح وفساد واختفى المشروع الوطني للحالمين به والمدعين فيه داخل العملية السياسية وأصبح توزيع المناصب الوزارية من استحقاق القائمة أمر لا يهم العراقية وتحوَّل زعيم العراقية الدكتور علاوي هدف يتلقى الضربات واحدة تلوا الأخرى من خصومه ومنافسيه من جهة ومن شركاءه من جهة ، وانفرطت أواصر وحدة القائمة العراقية فيما التأمت أواصر الحكومة وشراكة المسؤولية فيها وفق صياغة المالكي و حزب الدعوة دون منافس أو حتى شريك من خارج او داخل ائتلافه .
9. لقد فقدت القائمة العراقية من خلال تنكرها لوعودها ومواقفها السلبية المنفرطة امام الاحداث الساخنة التي اثارتها حكومة المالكي وحزب الدعوة وما عكسته من ويلات ونكبات ومعاناة اي مصداقية لها في صفوف الناخبين والمناهضين واصبح الاعتقاد الجازم لدى الشعب المنكوب بكل مكوناته ان العملية السيلسية القائمة بكل شركاءها لم تعد قابلة للإصلاح والترقيع ولا حل لها الا بسحب الشرعية الدولية والجماهيرية منها .
10. ماذا تبقى للدكتور علاوي والقائمة العراقية وقياداتها من دور في السلطة أو في المعارضة بعد أن استنفذت كل التزاماتها الأخلاقية والوطنية أمام ناخبيها وجماهيرها ، وإذا ما تم استمرار أداء علاوي وقيادات العراقية بعد مرور أكثر من عام على شراكتها في الحكومة بالرغم من حجم المعاناة والإخفاق والفساد وسياسات العنف والتهميش والتمييز الطائفي وسياسات التقسيم والأقلمة والتجويع والبطالة والمرض والجهل والتهجير التي تشكل السمة المتميزة لطبيعة السلطة في العراق ، ما الذي بإمكان علاوي وقياداته ان يفعلوه اليوم لإنقاذ مستقبلهم السياسي ؟، وهل تبقى لدى عناصر العملية السياسية القائمة والحكومة الحالية جميعا والقائمة العراقية بالذات من وسيلة للإصلاح والإستمرار ؟ وإذا كان لدى القائمة العراقية من وسيلة للإصلاح من داخل هذه العملية الخائبة فما هي وماذا تنتظر ؟ .