إيران واحتمالات الحرب
الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس
أكاديمي عراقي مقاوم
من غير المعقول أن نفترض افتراضات وهمية لنعالج بها مشاكل قائمة على الأرض. الافتراض هو احد أدوات العالم، والمثقف والباحث يؤسس عليه قواعد عمله ويطبق عليه وقائع معينه يؤسس منها ومن نتائجها المقاسة بأدوات موضوعية للوصول إلى الحقيقة أو إلى النتيجة العلمية التي يصبو إليها. فكيف نفترض إن إيران ستُضرب من قبل أميركا والأطلسي ونحن نعيش حقائق لا يشوبها شائبة ولا يحجبها حاجب ,غير افتراضات البعض الوهمية والواهمة, وهي إن إيران قد شاركت أميركا وحلفاءها في تهيئة مستلزمات ضرب العراق التكتيكية والسوقية وهي تملك أكثر من سبب ومبرر يجعلها تنخرط دون أي تردد في خطة إسقاط النظام الوطني العراقي الذي حجر مشروع إيران التمددي الطائفي ألصفوي الفارسي وهزمه في حرب امتدت لثمان سنوات ولم تتوقف إلا بإعلان الخميني انه قرر أن يتجرع سم السلام بعد آن نأت كل احتمالات تحقيق نصر ولو جزئي على العراق واستحالة أن تحتفظ إيران بشبر واحد من ارض العراق.
إن إيران قد شاركت بغزو العراق بفيالق من جيشها النظامي الذي كان يقاتل العراقيين في قادسية صدام المجيدة وأسمه فيلق بدر الذي حاولوا منحه صفة فيلق عراقي معارض في كذبة سوقت في حينها لتحقيق اختراق طائفي في العراق يوهن الجبهة الداخلية الوطنية ويغذي محاولات شق الجيش العراقي الباسل على ذات الطرق والعزف ألاثني غير إن الحقيقة غير ذلك، وهي إن الفيلق فارسي بكل مكونات تأسيسه وتجهيزه ونموه وقياداته التي منها من يحمل الجنسية العراقية وهم قلة قليلة من أسرى الحرب الذين جندوا في هذا الفيلق وهم في اقفاص الأسر تحت وسائل تعذيب وحشية أومن جنسية التبعية الإيرانية الممنوحة للفرس القاطنين في العراق وكانوا يحملون الرتب العسكرية الإيرانية والبزة العسكرية الإيرانية وفي مقدمتهم الأخوين محمد باقر وعبد العزيز الحكيم وبعض قيادات حزب الدعوة الإيراني العميل. وغير فيلق بدر دخلت جيوش إيرانية من فيلق القدس والحرس الثوري والمخابرات الفارسية فضلا عن الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران وبهيئة مدنيين وزوار للعتبات المقدسة وصلت أعدادهم إلى الملايين حيث أغلقت مدن عراقية بكاملها مثل كربلاء والنجف بوجوه سكانها العر العراقيين لتأمين الحماية للعجم ليحتلوها احتلالا مدنيا من بين عناصره ملايين من الفرس الذين غادروا العراق إبان الحرب العدوانية التي شنتها إيران على العراق وتشكل منهم فيلق بدر بإرغامهم عنوة للالتحاق به أيضا من قبل حكومة إيران وتحت إشراف محمد باقر الحكيم الطبطبائي الفارسي الأصل.
وكانت إيران أول من اعترف بمجلس الحكم الذي مثلها فيه من مثلها من المجلس ألحكيمي وحزب الدعوة العميل وكان الرئيس الإيراني وأقطاب حكمه أول من دخل العراق بحماية المقاتلات الأمريكية وجيوش الاحتلال. ومن العبث والبلادة أن يُفترض ما هو غير هذه الحقائق الدامغة والمستوطنة ميدانيا تراها عيون الأرانب والفئران كما تراها عيون البشر وتطالعها نظرات كل من وقعوا تحت قبضة أميركا الغازية وإجراءات تهديم العراق لإقامة ما عرف بالعراق الجديد والذي يقصد به عراق المحاصصات الطائفية والعرقية والفيدراليات التفتيتية وانعدام الأمن وسطوة المليشيات الطائفية وسلطة الفساد المالي والإداري وانفتاح انسيابية أنابيب النفط بلا مقاييس لتمويل الحرب والاحتلال والنهب المنظم.
أي لغو وأطروحات سطحية ساذجة تتعارض مع هذه الحقائق وسواها الكثير في الواقع العراقي هي افتراضات وهمية لن تحقق بحثا علميا سليما ولن تقدم نتائج مقاسه بدقة لدعم الافتراضات، بل تبقى معلقة ضمن مسارات التشويش وجر العامة إلى متاهات مفتوحة النهايات تسقطهم في الحرام وفي سياسة الخنوع للأمر الواقع.
إن من معطيات الميدان العراقي إن أميركا قد أصيبت بخسائر فادحة بفعل المقاومة العراقية الجسور لم يصب إيران مثلها كجزء من منظومات الاحتلال لأسباب فنية ولوجستية تتعلق بإستراتيجية المقاومة وتكتيكاتها وأولوياتها، بل إن ما أصاب إيران من فعل المقاومة قد ظل محصورا تقريبا بإطارين فقط هما إيقاع خسائر بشرية بمنظومتها المخابراتية وعناصر الفيلق والحرس وعملاءها ومواليها, وإعلاميا عبر فضح أدوارها الاحتلالية والتآمرية القذرة والخسيسة وتواطؤها المشين والمتعارض مع ما تدعيه من إسلام ضد العراق وشعبه. ولعل المفارقة تقطن هنا بالذات أي إن إيران قد استثمرت ضعف أميركا المتزايد في العراق تحت وطأة ضربات المقاومة الجسورة لتعمق وتوسع وليس لتنشئ أو تؤسس كما يتوهم البعض لوجودها ألاحتلالي في العراق. ومن هنا نقول إن إيران موجودة ضمن منظومات احتلال أصلا ولن تدخل كطرف يسد ما يطلق عليه افتراضيا بالفراغ في العراق بعد الانسحاب الأمريكي.
كيف إذن يفترض البعض أن إيران ستقاتل الناتو أو أميركا يوم تبدأ صفحة العدوان على سوريا لا سمح الله؟ إن هذا الافتراض هو وهم آخر يقع به الواهمون أو المتوهمون بقصد مسبق ألا وهو إضافة مزيد من التيه واختلاط الرؤى عند العرب.
أميركا منحت بغداد والمحافظات الواقعة جنوبها للايرانين عبر تمكين الأحزاب والمليشيات الإيرانية والموالية لإيران من حكم تلك المحافظات مقابل أن تؤمن إيران سلامة جنودها في هذه المنطقة التي تعادل نصف جغرافية العراق تقريبا بواسطة المرجعيات الفارسية وفتاويها التي حرمت على (الشيعة) قتال الاحتلال وأيضا عبر سيطرة الفرس والموالين لهم على مقدرات (الشيعة) هناك وقيامها بذبح الشيعة العرب الوطنيين والقوميين والأحرار وتهجيرهم واعتقالهم واضطهادهم بأرزاقهم وعيش غوائلهم وفرض النموذج الفارسي ألصفوي في التشييع لإغراق المنطقة بالأوبئة الفارسية وطمس عروبتها. وهذا يجعل المنطق والعلم يقرر استبعاد الافتراض باستهداف إيران من قبل أميركا ويستبعد أيضا أن تزج إيران بنفسها في حرب الدفاع عن سوريا ضد الأمريكان والناتو بل ستعمل على التوغل في الفوائد الفارسية عبر موالاة غير منظورة للعدوان والانفتاح على مصالح طائفية في أماكن أخرى من الأمة وفي سوريا ذاتها لان الاسلامويين الذين سيستلمون السلطة في دمشق لن يبتعدوا قط عن قناعات من عاونهم على ما ظلوا يلهثون وراءه عقود من الزمن وهي قناعات الغرب الذي لا يكن عداءا للجنس الآري كذاك الذي يكنه للعرب.
إن الحديث عن توجيه ضربة من نوع ما إلى إيران قد مضى عليه سنوات طويلة مما يجعل الشك به اكبر من ورود احتمالاته وملامستها لأي واقع . والملاحظ إن التلويح بهكذا ضربة يتصاعد في مناسبات معينة يجري الإعداد فيها لمسرح عمليات في المشرق العربي من قبل الصهيونية وأدوات حمايتها الامبريالية وهو دون شك مرتبط الآن باحتمالات استكمال سيناريوهات تدخل أطلسي في سوريا . ونحن ومن خلال معرفتنا الميدانية بالفرس وبنظام ولاية الفقيه التمددي ندرك ونعلم إن إيران لن تتدخل في مهمات الدفاع عن سوريا بالشكل الذي يجعلها في مواجهة الناتو إذا كان البعض يفترض مثل هذا التدخل ...إن وضع مثل هكذا افتراض هو وهم وعبث بكل المعايير ولعل العكس تماما هو الذي سيحصل إذا امن الناتو جزءا من كعكة ما بعد تدمير سوريا لصالح التمدد ألصفوي الفارسي . ومن يحسب هذه الافتراضات على أصل العلاقة القائمة بين البلدين أو على أساس خاطئ آخر هو الأساس ألاثني فهو بعيد جدا عن الواقع لان إيران المعممة ليست شيعية وليست مسلمة ولا يهمها الدين بشئ إلا بقدر استخدامه ستارا خادعا لتحقيق غاياتها وأهدافها السياسية في تشكيل الإمبراطورية الفارسية ومنحها أفقا جغرافيا أوسع على حساب الأرض العربية.